في وطن بات الناس أنصاراً فيه لكل شيء، إلا للحق والعدل والصدق والإنسانية والقيم والمبادئ والأخلاق والمثل والدين ، أما غير ذلك من كفر وجحود وذبح وقتل وحرق فهم أنصار له، يجب أن نقف أمام أنفسنا كثيراً ونحن نتأمل كل هذا العبث بكل شيء، حق بأرزاق الناس وإنسانيتهم. لكن من جسدوا معنى النصرة الحقيقية، ومن علموا العالم معنى أن تنتصر لشيء حتى الموت فهم وحدهم شهداء وجرحى المركز الثقافي في محافظة إب، وحدهم من علموا الناس كيف تغتسل الأحرف بالدماء، لتصل إلى عقول الناس وقلوبهم، أين كانت ملابسات الجريمة وأبعادها وأسبابها، لكنه لا يمكن أن يكون هناك أي مبرر لتلك الفاجعة، إلا أنهم اعتبروهم طرفاً في لعبتهم، يحاربونهم بالكلمة، فواجهوهم بالرصاصة. ذلك المكان الذي احتضننا لسنوات، احتضن أوجاعنا وأحلامنا وأحرفنا وإصداراتنا وطموحاتنا، وحتى ابتساماتنا، وشكل كل واحد فيه مسرحاً للإبداع والجمال، أخافهم كل ذلك لأنهم لا يستطيعون تحمل الجمال، لا يعرفون ما معنى أن ترسم ابتسامة على شفاه طفل، أو فرحة في عيون مواطن بسيط، عندما يسمع كلمة تعبر عنه وتنتصر لكل الوجع الذي يخنقه في كل مكان في حياته، حتى في مأكله ومشربه. وهاهو اليوم الأربعون يأتي، ومازال الجرحى في المستشفيات من أطفال صغار كانوا ينشدون بفرحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحناجرهم الصغيرة، ولليوم لا نعلم من الجاني و هل سيعاقب، وماهي الجريمة التي ارتكبها خليل المهنا و قايد راجح وعمار عبدالغني والغرباني والشراعي والمطري وغيرهم الكثير، ممن كانوا أعلاماً في الثقافة والإبداع والإنسانية، وحتى في الصوت والكلمة والحرف. كيف هو حال الأمهات الثكالى، والأطفال اليتامى، والأرامل المفجوعات، على رحيل أنصار الثقافة والحياة، الذين لم يتبق منهم إلا مدير المركز أ.عبدالحكيم مقبل الذي نجا بأعجوبة بعد أن صلى كل أنصار الحرف وابتهلوا لحياته، ليبقى على الأقل شيء من ذلك الركب الذي رحل دون وداع، كان مقبلاً هو على رأسهم، وفي الصفوف الأولى، يحتضن إبداعاتهم، ويربيهم على عقيدة الثقافة والإبداع. ماذا فعل أنصار الثقافة هؤلاء ليحرم منهم أبناؤهم الصغار، و زوجاتهم وقبل كل ذلك أمهاتهم، اللواتي سيقتلهن الحزن حتى يلحقن بهم، ماذا فعلوا ليرحلوا بهذه الطريقة المفزعة، تاركين وراءهم كل هذا الوجع، الذي جعل من كل واحد منا نصيراً جديداً للثقافة والإنسانية التي تهدر كل يوم، على يد من لا يعرفون أنهم أنصار للشيطان؟. ربما ذهبوا لجنة عرضها السماوات والأرض، إلا أن رحيلهم قتلنا، وحملنا مسئولية لن ننساها أو نتناساها كلما سمعنا حرفا من أحرفهم التي باتت ترافق الدواء في عروقنا، لتبين لنا أن أنصار الثقافة تركوا لنا هذا الوجع، وهذه المسئولية حتى قيام الساعة.