أغرب ما يمكن ملاحظته في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة اليمنية هو عدم التأثر بالأزمات مهما اشتدت ومهما حصل من توتر أو حروب. الفضائيات اليمنية لها مساحات واسعة للأغنيات خلال اليوم والليلة. المُتابع لهذه القنوات لا يمكن أن يصدق أنها يمنية، وأنها تعكس حال البلد والناس. خصوصاً الذين يتابعون أخبار اليمن من خارجها.. أغنيات وطرب في كل القنوات يشعرونك بأن اليمن التي يتحدثون عنها في القنوات والمواقع الإخبارية شيء واليمن التي تبث منها هذه القنوات شيء آخر. لست أدري كيف يمكن توصيف هذا التناقض بين الواقع وبين ما يُبث في الفضائيات اليمنية في هذه المرحلة ؟ هل يواجه اليمنيون الأزمات بالاُغنيات ، ومرارة الواقع بالطرب والفن؟ أم أن هذا الوضع يُشكّل حالة هروب من أخبار الموت والقتل والخراب والخلاف في محاولة للتخفيف من الضغط النفسي المسلط على الناس وصورة من صور التداوي من أوجاع السياسة؟ كل يوم تتسابق القنوات عصراً لبث أغنيات من كل لون ، كل شيء يتم بثه في مساحات غنائية لا تفرق بين الغث والسمين، وبين أصوات أبدع أصحابها فعلاً وبين أصوات تجتّر التراث بطريقة غوغائية، فتُلحق به دماراً لا يقل عن دمار المدن والمنشآت التي تطالها الحروب والصراعات المسلحة. وفي هذه المرحلة، حيث لا أحد يهمه أمر التراث وحقوق الملكية الفكرية ظهرت أصواتٌ على حين غفلة فراحت تعبث بالفن وأصوله، وبالتراث الغنائي اليمني دون أدنى إحساس بالمسئولية. وفي غياب الدولة يحدث ما هو أفظع من مجرد السطو على التراث على النحو الذي نشاهده في الفضائيات التي تغطي مساحات البث الشاسعة بما ليس له علاقة بالفن ولا بالواقع الذي نعيشه. ربما أن معظم هذه الفضائيات قد فشلت في إنتاج مواد إعلامية ذات صلة بالواقع فلجأت للتغطية بهذا الكم من الهراء الذي يسمونه فناً وطرباً ، وبالتالي ظهر عدد كبير من الذين يسمونهم في هذه القنوات بالفنانين ، وكما يسمون هم أنفسهم. لا غرابة فكل شيء يحدث في هذا البلد وكل المتناقضات والعجائب تحدث في ظل وضع غامض لا تعرف أوله من آخره. وضع كل يوم ينجب حكاية تخلط الأوراق وتعبث بكيان هذا المجتمع الحائر في نفسه وبمن حوله. حالنا مثل الذي يدحرج صخرة كروية صعوداً إلى قمة جبل، وقبل أن يصل تتدحرج الصخرة وتعود إلى أسفل الجبل ، ليبدأ رحلة دحرجة شاقة مرة ثانية ، وهكذا كلما أوشك على الوصول إلى قمة الجبل تغلبه الصخرة وتعود مندفعة نحو الأسفل، وعبثاً يكرر محاولاته من أجل الوصول. نتمنى أن لا يفقد الأمل في إمكانية الوصول مع استمرار العزيمة والمحاولات. والأفضل أن يتدخل المجتمع المُشاهد ليساعده في إيصال الصخرة بدلاً من تركه بمفرده يعاني كل ذلك العذاب في معركة أنهكت قواه وهو يحاول الوصول، والعالم الله هل سيستطيع الوصول أم لا ؟ لن تفلح سياسة الهروب في تغيير الواقع ولن تنتصر الأغنيات في مواجهة الهموم والمشكلات والعثرات، والحقيقة أنا لست ضد مبدأ التداوي بالاُغنيات من ضغط أخبار السياسة وأخبار الحرب والصراع ولكن ليس بهذا الشكل المضر بالفن والثقافة. وفي كل الأحوال يجب أن يشارك الجميع في إيصال الصخرة إلى قمة الجبل ليرتاح الذي يكابد المشقة بمفرده والناس إليه ينظرون، أمّا اُغنية كل يوم حكاية وعدنا من جديد إلى قاع الوادي، فهذا يستهلك طاقات البلد والناس.