تصور جماعة الحوثي أن أزمة اليمن مجرد حالة ثورية تصطدم بقوى مرتهنة للخارج. وهي واحدة من الألعاب الكلامية، يقابلها استخفاف على صعيد الفعل وذلك لا يقتصر على الطريقة التي احتفلت بها جماعة الحوثي، بهبوط أول طائرة إيرانية في مطار صنعاء. وبطريقة هزلية صوروا الأمر وكأنه كسر للتبعية، فالطائرة الإيرانية القادمة من طهران أفردت لها الوسائل الإعلامية التي يسيطر عليها الحوثي وتلك التابعة لهم مساحة كبيرة فالطائرة الإيرباص التي تحمل العلم الإيراني، تحولت بالنسبة لإعلام الحوثي، وهو ما يردده أيضاً اتباعه وناشطوه على وسائل الاتصال الاجتماعي، بأنها ستحطم طوق الحصار المفروض على اليمن، ستحطم العزلة التي تمارسها “قوى الاستكبار” وهذا التهريج بحد ذاته لم يكن إلا وسيلة لإعطاء انطباع آخر لدى اليمنيين، بأن إيران هي طوق النجاة، تصويره بوجه الخير والمنقذ الذي سيحمل اليمن إلى بر الأمان. وبالتالي فإن الاستماتة التي تبرهن على حالة تبعية، هي أيضاً محاولة لتبرير تلك التبعية بغطاء الخير. فلن يكون هناك ذريعة لمعارضة أي تدخل سافر لطهران على السيادة اليمنية. بل يتعذر أن يكون موضوعاً للنقاش إلا باعتبارها حالة من “الندية والاحترام المتبادل” كما يريد الحوثيون أن تكون لافتة تبعيتهم لطهران. وفي الوقت الذي يهاجم الحوثي خصومه باعتبارهم مرتهنين للخارج، لا تبدو الصورة أكثر من هزلية تحتكر الارتهان بحد ذاته. وكما نشرت قناة العالم الإيرانية خبراً مفاده أن اليمن “خرجت من بيت الطاعة السعودي” تصور من جهة على أن اليمن صار جزءاً واسعاً من صراع إقليمي تحقق فيه الانتصار. والمسئولون الإيرانيون لا يداهنون في مسألة الاعتراف بسيطرتهم على صنعاء بل إنها طريقة لعملية ترحيل أزمات داخلية تعيشها ايران التي تعاني من أزمات اقتصادية في انتصارات خارجية. وعليه تحاول مؤسسة الحكم الإيرانية إثارة الحنين لمجد فارس الامبراطوري في العصور القديمة، باعتباره واقعاً متحققاً. وبالتالي تعمل السياسة الإيرانية على تهدئة المجتمع في الداخل بإثارة عصبوية متوترة عينها على الخارج. والسؤال: هل إيران تحترم سيادة الدول التي تعلن عن تواجدها فيها. الحرس الثوري ينعي ضباط وقادة عسكريين إيرانيين قُتلوا في العراق، وسوريا ويتحدث الإعلام عن سقوط عاصمة عربية رابعة في قبضة طهران. ومؤخراً يتحدث الحرس الثوري عن سيطرة فعلية على الخليج العربي ومضيق هرمز وبحر عمان، وهم بانتظار إعلان سيطرتهم على باب المندب مع توسع الحوثي جنوباً. فالتغطية الإعلامية، تحاول أن تصنع قيماً خاصة بها، أي تعيد تعريف الأشياء بالطريقة التي تناسبها. فالقيم ليست مبادئ بقدر أنها حالة انتقائية وبالعودة للاتفاقية التي تسير بين صنعاءوطهران 28 رحلة أسبوعياً أي رحلتين يومية لكل ناقل وطني سواء اليمنية أو ماهان الإيرانية. يثير السؤال عن هذا الدخول المفاجئ والقوي. وبالتالي هل هناك جدوى لهذا الخط، وبهذا العدد الكثيف من الرحلات، أم هو مجرد خط سياسي، وعملية دعائية يمكّن إيران من التواجد أكثر ومن الحركة المرنة إلى اليمن عبر ذلك الجسر الجوي. ففي الرحلة الأولى أعلن مسئول الهلال الأحمر الإيراني عن وصول شحنة أدوية، لكن ماذا سترسل طهران إلى اليمن في الأيام القادمة. هل سنشهد تواجداً عسكرياً للحرس الثوري كما حدث في سوريا ولبنان والعراق، ربما خبراء عسكريين لكن على أي أساس تبنت الشركتيين أو العاصمتان هذا العدد من الرحلات، ودون أن تكون هناك أي دراسة جدوى، خصوصاً إذا عرفنا بأن الحركة التجارية وعدد المسافرين بين البلدين لا يمكن أن تغطي رحلة أسبوعية لكل شركة. ومن تلك التساؤلات يمكننا التأكيد أن طهران هي المستفيدة بدرجة رئيسية، فإن كان هناك تبادل تجاري، سيكون لمصلحة البضائع الإيرانية، حيث بدأ يروج ناشطو الحوثي بأنهم سيستبدلون بضائع إيرانية وسورية ببضائع سعودية وتركية. وطهران استفادت من مناطق تواجدها، حيث ذهبت نصف صادراتها غير النفطية إلى العراق حيث أصبح ولاء حكومة المالكي لحكم الملالي الإيراني ضمن حافز طائفي، دفعها بتقديم المصلحة الإيرانية حتى على المصلحة الوطنية وهو ما يحاول الطوق الإيراني فرضه على حلفائه في المنطقة. فإيران سترسل الأسلحة، إلى جانب منتجاتها، وسترسل خبراءها العسكريين ومقاتليها تباعاً تشجع حركة الحوثي على التوسع لابتلاع اليمن بأكمله. وفرض سيطرة إيران على بحر العرب والبحر الأحمر وهو الطموح الذي سيتبعه رد فعل سيستميت حتى لا يتحقق الحلم الإيراني، وهو ما سيخلق اليمن كساحة حرب لن تسكت إلا بخراب وطني هائل، فما نراه اليوم يشكل قيماً غير وطنية بامتياز بل اصبح هذا النوع من الارتهان هو جزء من الفخر المتبادل بين ذلك الطرف وخصومه، واليمن لن تكون أكثر استقلالية كما يحاول طرف تصوير ذلك، بل أكثر تبعية لكن هل يحتاج اليمنيون إلى ما هو أكثر من احترام كيانهم الوطني. وماذا حين تكون الزعامات هي أول من ينكل بذلك الكيان ويرهنه لحساباته فكيف سنلوم الخارج وطموحه؟. إن تجارب سابقة في سورياوالعراق، بتحالفها مع إيران وروسيا لم تنتج أكثر من دوامة صراعات أهلية لن تفضي إلا لهزائم وطنية. واليمن هو المهزوم في تقاطعات تلك المصالح وافتراقاتها، لأن خياراته مبنية على طموح قوى أخرى ومصالحها، وليس لأنها مصالح مواطنيه وحتى لا نكون مجرد ورقة ضغط إقليمية، علينا إنتاج خياراتنا الوطنية دون الخوض في خطاب طائفي أو جهوي لأن الحوثي هو الأقوى في تلك الانقسامات.