لا أدري من أين أبدأ، ولا أدري لمن أوجّه اللوم، ولا أدري من الذي يستحق العتاب هنا؛ هل نحن كشعب نهمل التعليم، أم الدولة وخططها، أم الحكومة والحكومات السابقة، أم النظام، والنظام السابق وما قبله، أم الأشقاء هنا هم من يجب أن نعاتبهم كعتاب الأخ لأخيه والمُحب لحبيبه..؟!. في يقيني أن لدينا في اليمن وفي كل محافظاتها عشرات الكلّيات الإدارية وعشرات المعاهد الصناعية، ولدينا بالطبع أضعاف مضاعفة من الثانويات التخصّصية والثانويات التجارية وما في مستواها العلمي؛ كل هؤلاء يذهبون إلى الدراسة الجامعية؛ ولكن مثلنا كمثل كل الدول العربية غنيّة وفقيرة «وهنا نحن في التخلّف سواء». لا يمكن لجامعاتنا أن تستوعب عشرات الألوف من خريجي صروح العلم تلك، حيث محدودية القبول في الكلّيات والجامعات بمختلف تخصّصاتها، وبالتالي يبقى لدينا فائض كبير من خريجي الثانوية العامة وما يعادلها عجزوا عن الالتحاق بالتعليم الجامعي سواء داخل الوطن أم خارجه، وسواء من خلال البعثات والمنح المقدّمة من الدولة والدول الشقيقة والصديقة أم على حسابهم الخاص؛ هؤلاء الشباب والشابات بالتأكيد سيتوجّهون إلى سوق العمل المحلّي لدى القطاع الخاص والشركات؛ ولكن إذا كانت السعودية «كمثال هنا» دولة غنيّة وتعجز عن توظيف جميع من لم يلتحق بالجامعات؛ فما بالكم بدولة فقيرة كاليمن..؟!. وإذا كانت بلادنا تعاني شحّاً كبيراً واضطراباً في الاستثمار في العهد الماضي إذا صحّت تسميته بزمن الاستقرار فما بالكم بالسنوات الأربع السوداء والتي مازلنا نتجرّع مرارة التغيير الذي وعدونا به رعاته في بداية ما سمّوه ب«ثورة» وذهبوا هم إلى النعيم وتركوا الوطن في جحيم..!!. يؤلمني كثيراً أن أرى عشرات الآلاف من الشباب والشابات قد أنهوا المرحلة الجامعية وهم يبحثون عن وظائف، لم يعد فكرهم وعقلهم يشترط أن تكون في نفس التخصُّص الذي درسوه في الجامعة، وأضاعوا فيها سنوات أربع وأكثر على أمل أن يجدوا بعد تخرّجهم وظيفة في بلدهم تُبسِّطَ عليهم الاستقرار النفسي والمادي وتحقّق بعض أحلامهم؛ ولكن هيهات فأزماتنا أصبحت مركّبة؛ ودعم الأشقاء والأصدقاء أصبح واجباً عليهم. وعودة إلى مجموعة استفهاماتي واستفساراتي واستغراباتي في بداية مقالي هذا هنا؛ فإنني بالفعل تألّمت من موقف مررت به جعلني أطرح كل تلك التساؤلات بعد تنهوسة عميقة لم أستطع أن أجد إجابة محدّدة لكل تلك الاستفسارات. حيث كنت قبل ثلاثة أشهر زائراً لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، وتلك ليست زيارتي الأولى ولن تكون الأخيرة، وأقمت في مدينة الشارقة بالتحديد، وطبقاً لحدس وفضول من يعشقون أن يكتبوا في الصحافة؛ فقد رأيت بعينيّ مختلف جنسيات العمالة الأجنبية وخصوصاً الأفريقية تعمل في تلك البلاد؛ وأكثر ما لفت نظري وأنا في دردشة جانبية مع عامل التنظيف في الفندق أن عرفت منه أنه قادم من أطراف غرب أفريقيا وبالتحديد مالي وبنين، ومن خلال الدردشة أيضاً عرفت أنه يحصل على سكن وبالتأكيد راتب لا يقل عن 300 دولار أمريكي. تُرى كم لدينا من عشرات الألوف من الشباب أنهوا الثانوية العامة ويبحثون عن فرص عمل كتلك وفي أي مكان؛ بل لديهم قدرة على العمل والتحدّث باللغة الانجليزية وعلى أتم الاستعداد أن يكونوا هم أولى من غيرهم من الأفارقة؛ أليس القريب أولى من البعيد..؟!. وإذا عرجنا للبحث في من يا تُرى المسؤول عن ضياع فرص لتوظيف شبابنا لدى دول الجوار النفطية بدلاً من التسكُّع والانحراف الذي قد يضرُّ بنا وببلادنا وبالتأكيد سيصلهم الضرر هم أيضاً، وإذا كان السابقون من المسؤولين وكذلك اللاحقون قد عجزوا عن فتح ثغرة في جدار منع توظيف مواطنينا في بعض بلاد الأشقاء في دول الخليج؛ فمن يا ترى يستطيع حل لغز كهذا عجزت أمامه كل الوسائل لفك طلاسمه..؟!. فهل يأتي اليوم الذي نرى فيه شبابنا اليمنيون يحلّون محل من هم بعيدون عن مجتمعاتنا العربية ديناً ولغة وتقاليد..؟!، نأمل ألا يطول ذلك الزمن ونراهم يحلّون محل الغرباء، فرؤية أبنائنا عاطلين عن العمل في بلادنا؛ وفي المقابل نرى الأفارقة يتم اعطاؤهم الفرصة للعيش الكريم ونحن أولى؛ موقف ومنظر يعتصر له قلب كل مواطن. لقد تذكّرت المقولة الشهيرة: «فظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضة» لذا نأمل أن يراجع ذوو القربى مواقفهم من أولادنا، فشبابنا وإن كان ذوو القربى لهم موقف سياسي من موقف ما؛ إلا أن أهل اليمن لا يستحقّون كل تلك القساواة.بالفعل لم أستطع معرفة إلى من يُوجّه العتب في ذلك؛ هل نوجّهه إلى أنفسنا، أم نوجّهه إلى أشقائنا..؟! إنها تنهوسة وطن مكلوم. [email protected]