أن يأتي الصباح ولا تجد صحيفة «الجمهورية» في متناول يديك، كأنك تستيقظ وقت السحر فلا تسمع أصوات العصافير وتغاريد البلابل وأغاني الطيور فرحةً بقدوم النهار، ولنا أن نتخيّل كيف تكون ساعات الصباح من غير تلك الأصوات والأُغنيات، حياة اسمنتية مجرّدة من الروح ومملّة للغاية، يمكن وصفها بسجن كبير يحكمه الصمت والخوف والحزن. جاء هذا في خاطري وأنا أقرأ خبر إمكانية توقف صحيفة «الجمهورية» عن الصدور بسبب الظروف المالية نتيجة عدم إطلاق موازنتها. ارتبطت ساعات الشروق منذ أكثر من خمسة عقود بإطلالة صحيفة «الجمهورية» ومثيلاتها من الصحف الرسمية وغيرها، فأعطت للنهار تقاسيمه المصبوغة بحبر المعرفة وصدق الخبر، و«الجمهورية» الصحيفة؛ واحدة من أهم علامات قدوم الصباح وبداية يوم جديد، هي أكثر وأعذب من فنجان قهوة يُرتشف قبل الإفطار. قبل أن أدخل عالم الكتابة العامر بالأوجاع؛ أقمت في مدينة تعز، فكنت كلما أشرق الصباح أشاهد جيلاً عشق الكتابة والقراءة يخرج إلى الشارع مبكّراً ويبدأ يومه بالقراءة، كنت أرى كل يوم بعضاً من أولئك العشّاق وهم يحملون «الجمهورية» الصحيفة على أكفهم والجمهورية الأرض في قلوبهم، كنت أراهم في المقاهي وفي أماكن متفرّقة من المدينة وهم يرتشفون قهوة «الجمهورية» ولعل تلك المشاهد كانت من بين الأسباب التي دفعتني نحو القلم والكتابة. صحيفة «الجمهورية» وغيرها من الصحف تُعد بمثابة الوجه الأجمل للمدنيّة، ومن غيرها سيكون من الصعب الحديث عن حرية الرأي وعن المعرفة التي لا تأتي إكراهاً ولكنها تأتي كثقافة يسلك إليها من يؤمن بها عن قناعة، فحين تتوقّف صحيفة بحجم وتاريخ «الجمهورية» فهذا يُحدث تشوّهاً حاداً في تقاسيم وجه الصباح أولاً، ثم في وجه المدنيّة التي كتبت عنها قبل أسابيع قليلة في هذه الصحيفة وقلت إنها حبر وورق. من المعيب حقّاً أن تتوقف صحيفة لمجرّد عدم إطلاق موازنتها، وسيكون هذا الأمر وصمة سوداء في وجه المتسبّبين فيه بالقول أو العمل، والمفترض أن يُترك سبيل الحرف بعيداً عن حسابات السياسة. وما يظنّه البعض أنه يندرج ضمن مصلحته، من المؤكّد أن توقف الحرف يعني أن يحل محلّه الجهل، وكلما تراجعت مساحة الكتابة؛ ضاقت مساحة الحرّية وقبل ذلك مساحة المعرفة. لا يستطيع أحدهم أن يُحصي الأثر المعرفي والتوعوي الذي أحدثته صحيفة «الجمهورية» طيلة عمرها المديد، ولذلك لا يُعقل أن تُغلق هذه النافذة المُشعّة بالضوء لمجرّد قضايا مالية مفتعلة، أو هكذا أحسبها، وهكذا تبدو في الواقع..!!. نتمنّى ألّا يصل الأمر إلى مرحلة التوقف وغياب هذا الضوء الجميل القادم من تعز كل صباح ليعمّ جغرافيا الجمهورية اليمنية من خلال صحيفة «الجمهورية» ونأمل أن تُطلق مخصّصاتها المالية خدمة للحرّية والكلمة، ومن أجل الحفاظ على أهم معلم من معالم الصحافة والمعرفة في هذا البلد. [email protected]