أوقفوا هذا العار.. إعلان إسرائيلي غاضب ضد ''توكل كرمان'' بسبب تصريحاتها الجريئة عن حرب غزة    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    الإعلان عن مساعدات بريطانية ضخمة لليمن    موقف عامل يمني بسيط يرفع رؤوس اليمنيين في المملكة !!    عاجل: قبائل همدان بصنعاء تنتفض ضد مليشيات الحوثي وتسيطر على أطقم ومعدات حوثية دخلت القبيلة "شاهد"    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    الكشف عن ترتيبات أمريكية مؤلمة للحكومة الشرعية وقاسية على القضية الجنوبية    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    هل تتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد؟ كاتب صحفي يكشف ان اليمن مفتاح اللغز    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    نجل قيادي حوثي يعتدي على مواطن في إب ويحاول ابتزازه    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    مليشيا الحوثي تواصل اختطاف خبيرين تربويين والحكومة تندد    تطور مفاجئ.. فريق سعودي يقدم عرضا ضخما لضم مبابي    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    يوفنتوس مصمم على التعاقد مع ريكاردو كالافيوري    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    كلوب يسخر من واقعة المشادة مع صلاح    العليمي يصل المنامة للمشاركة في القمة العربية    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    «البلسم»تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية للكبار والأطفال    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    ما معنى الانفصال:    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصف نهار في تعز !
حالة فنجان دائم السخونة حتى مع لفحة برد وقطرات مطر

قد أبدو تائه الحرف في البداية عليّ أن أثبت بها من أين يبدأ النهار في تعز فرغم تخبطي في وصف هذا النهار الذي يشبه حالة فنجان قهوة مستمرة في السخونة في كل الظروف والأحوال الجوية.. هاأنذا أحدد النهار وهو ذاك النهار الذي كنت على موعد به لمقابلة الحالمة لفترة حالت مدة السبعة أشهر في البعد من أن نلتقي حتى ومازلت في مدينة ربما هي أقرب المدن لتعز؛ ومع ذلك ظللت متعلق القلب بكل حواريها التي أعرف كل تفاصليها وتفاصيل ملامح الوجوه التي تسكن مدينتها اليوم هاأنذا في عناق مبتدؤه في منتصف طريق الحوبان الذي تركني فيه باص راحة ليذهب إلى حيث الحسناوات في صنعاء ويتركني بلحظة اللقاء مع تعز منفردا! عليّ بهذه اللحظة ألّا أحس بغرابة فأنا ابن هذه المدينة والحبيب الذي عليه أن ينزل من صهوة جواده ليعانق حبيبته وهو ما فعلته، لكن ربما فعلتي هي أن أدخل مثقلا بأغراضي التي لم أدر كيف أوزع ثقلها على جسدي وأنا أحاول أن أصلح مما عبث السفر بأناقتي في كل الأحوال يجب علي أن أخرج زجاجة العطر من الشنطة لأنفث على جسدي في حضرة اللقاء يصبح العطر طقسا لابد منه ..! إذا قابلتها .. عانقتها .. نظرت إلى كل أرجائها .. هنا الطريق يؤدي إلى صالة وعلى اليمين إلى الجملة وفي أمامي قلعة القاهرة وأعلى من كل ذا صبر بأفق اكبر هذه عناوين تعز، لكني لم أكن في حياتي كمن يبحث عن مانشيتات عريضة بقدر بحثي عما بين السطور وعن تفاصيل مشاهد دقيقة عليّ أن ألوك كل الفرح أو الألم في بوتقة واحدة وعندها أشتهي لها من الحروف ما يناسبها ..
لحظة الحب في اللقاء مذهلة جعلتني أتذكر فنان العرب في مذهلته وهو يغني تملؤك بالأسئلة فهي بالفعل، لكنها مختلفة كليا؛ لأنها عبارة عن استفهامات فأدركت أنني كنت ربما على خطأ أن أذهب بعيدا إلى تفاصيل لفنان العرب، بينما صوت الأرض وعملاق الطرب أيوب هو نبتة في بذور إبداع الحالمة هنا لا يحضرني الكم الذي انسابت الحروف على وقع أوتار أيوب لنغني معه في كل ليلة وفي كل تقاسيم الأرض حتى وإن كان يحثنا على ألا نمشي دلا فبعض الأرض تحتاج صخبا للمشي .. أيوب يعيد لي سنوات في مدرسة الطيار وفي مدرسة الشعب وآخرها في ثانوية تعز الكبرى هي تلك السنون التي كنت أقف فيها كل صباح عاما دراسيا أردد نشيدك ياأيوب الوطني ..وحين أتقاعس عن ترديد الكلمات أو ألحن في القول لم أكن أجد سوى عصاه الأستاذ تطبطب على رأسي أعود بعدها معتذرا لأكمل نشيدي..
الوقت يبدو الآن العاشرة والنصف صباحا تماما اختتم النصف الساعة الزائد عن الرقم عشرة ببضع قبلات على رأسي جدتي التي اشتقت للقائها وأخبرها أن علي شيئا مهما أؤديه حتى قبل أن ارتشف فنجان قهوتي التي تعلم كم أنا مجنون بفنجان القهوة خاصة في حضرة ابتسامتها وتقاسيم السنين على وجهها .. بادي جم أبادلها ابتسامة لأخرج إلى تعز لعلي أمسك ورقة وأبدأ في التخطيط على سبعة أشهر لم أعرف تعز، فكيف تبدو هل على نفس اللحظة التي كلانا ترك بعض أم ثمة مايدعو إلى رسم خريطة للوجع بشكل مفصل وبتقاسيم حزينة على آلة الكمنجة ..!
من القلم إلى R P G وفوضى القبيلة
من يسمع عن تعز بأنها مدينة الثقافة ولم يزرها من قبل وسمحت له الفرصة لزيارتها في تلك الأيام العصية من العام الماضي سيدرك مقدار تلك التهمة الكبيرة التي تحملها تعز من ثقافتها ببساطة ثمة وجه شبه كبير بين مدينة كتعز وأخرى كمأرب لا تشعر بفرق كبير سوى الاختلاف في تجاعيد البشرة بين الإنسان المأربي والتعزي بكل بساطة ستجد من يحمل المسدس يتباهى به ومن يحمل السلاح الآلي ومن يحمل الآ ر بي جي حتى ومن هو أشد فتوة بين هؤلاء ويدعم نفسه ببضع قنابل الأمر سيان .. طبيعي أن تصبح كذلك في شارع مهم يسمى شارع جمال أو أن تمر بسلاحك من أمام المحافظة وحتى ذاك المكان الموحش الذي كنت تخاف أن تمر فيه وأنت تحمل كيسا من البطاط مع قليل من الخضار أمام الأحوال المدنية ومستشفى الثورة اليوم عليك أن تمر حاملا سلاحك وأنت منتصب القامة تمشي ..
في الباص إلذي يحمل خط سير من الجملة إلى شارع التحرير وهو قلب مدينة تعز أوقفته وصعدت به لا شيء غريب فهي تلك الوجوه التي أعرفها تصعد إلى الباص عشرات الأمتار يقطعها الباص وحين يصل إلى ما يسمى الروضة يقف الباص فيصعد اثنان من مسلحي القبائل شاب في مقتبل العمر ويرافقه فتى يافع لم يكد يبلغ الحلم بعد.. الكل مسلح بسلاحه وكافة عتاده ويمضغ القات في فمه منذ قبل الظهر حتى إصراره في الصعود بمقدمة الباص جعله في ازدحام هو وبما يحمل من عتاد عسكري هو ماجعله يخرج مقدمة سلاحه إلى الخارج شيء طبيعي لا أحد يمكنه أن يوقفه أو يسأله أين التصريح.. الأمر على ابسط شيء مدينة تعاني من فوضى أمنية ..
في مكان آخر وهي تلك الطريق التي تصعد بك إلى منطقة مستشفى الثورة منذ اللحظة التي تشارف فيها على الأحوال المدنية أتذكر موطن الدبابة التي كانت تختفي خلف ما كان يبدو نصف سور لتطل علينا بخرطوم القذف وهي ذات الخرطومة التي تملئ الليل بالقذائف التي كانت تطلق على ساحة الحرية وعلى المسبح وحتى على حي الروضة في هذا المكان الذي أصبح فارغا من الجنود الذي كان عادة يزدحم بوجوه تبدو غير مألوفة عن تعز فهم عادة من مناطق أخرى.
أتذكر أيضاً عندما مررت بذلك المكان الذي كانت تطلق منه الأسلحة باتجاه حي الكوثر ويعود إلى بالي المنظر المؤلم للشاب هاني الشيباني الذي قتل على سريره في إحدى الجمع بطلق من معدل أطلق من أمام مستشفى الثورة كان منظرا مرسوما بالذاكرة على قدر كبير من البشاعة وتلك الرصاصة تمزق رأسه أشلاء لتأتي أخته وتجمع الأشلاء في صحن ثم تمسك قطرات الدم لتكتب عبارتها المشهورة على جدران غرفته “.................”.
اليوم أمام مستشفى الثورة عاد ذاك السرب الطويل من سائقي الأجرة واختفت مظاهر العسكر الكثيفة وحتى بقايا الغسالة القديمة والخرسانات التي كانت تغلق فيها منطقة مستشفى الثورة لم يعد لها اثر، لكنك ومع ذلك عليك أن ترفع رأسك قليلا للأعلى لتلاحظ بقايا الجدران التي كانت مسرحا للرصاص.
اليوم رغم زوال الكثير من المظاهر المسلحة، لكن تعز صارت مثقلة بفوضى القبيلة التي تكاد تجمع أقلام مثقفي المدينة لتجعل منها محرقة هيلوكستية سيسيل بعدها حبر الثقافة التعزي ويروي أحلام من يطمح لأن تتحول هذه المدينة إلى شبه مدينة.
في الليل تخاف أن يسرقك الوقت في الخارج كثيرا فعودتك للمنزل ستكون مقلقة في وضع أمني ليس على مايرام وانتشار للأسلحة وغياب للأمن خاصة في الليل.
بقايا خوف وحزن
تعز فيها من الحزن مايبدو واضحا للعيان وإن كانت تحاول أن تلملم جراحها وتصلح ما أفسدته المدافع والرصاص الذي سجل اسمه محفورا على أغلب الجدران ..
مكابرة تحاول أن تستعيد الابتسامة بعد أشهر مرت فيها كانت المدينة تصحو على أصوات الرصاص وتنام على أصوات الدبابات وبين الصحو والنوم كان عليها أن تلملم أشلاء قتلاها وتواسي ثكلاها وتمسح ألم مصابيها
هنا فيما تسمى كلابة ومقبرتها الشهيرة تكاد تجد الكثير من الأسماء التي سقطت في تعز مازن, نزيه, وغيرهم الكثير تمر بين الأضرحة فتقرأ الأسامي حتى وإن كنت لا تعرف تلك الأسامي، لكن عليك أن تتنبه لتواريخ الاستشهاد فهي تواريخ مشهورة ابتداء من فبراير وحتى ابريل أول موقعة كبرى للضحايا في حوض الإشراف وصولا إلى محرقة ساحة الحرية في أواخر مايو وبقية الضحايا في منازلهم.
في الروضة عليك أن تمر على بيوت لأصدقاء تعرفهم، لكن مرورك اليوم ليس من أجل أن تمتع ناظرك بالسلام عليهم وإنما تعبر لتواسي ذويهم وتقف على أطلالهم وتبكي بحرقة على أماكن كانت لكم فيها ذكريات.
عبدالحكيم النور أول مقدم للكاميرا الخفية في اليمن وأستاذ تتلمذ على يديه الكثير من الإعلاميين والعاملين في المونتاج خلال عمله في شركة ماس أو في الكثير من المراكز .. صديق عزيز تعلمت على يديه المونتاج التلفزيوني اليوم أمر أمام منزله لأتذكر ببشاعة كيف اخترقت قذيفة تحصينات غرفته لترديه قتيلا أتذكر ذات مرة أدخل على الفيسبوك ظهرا ليباشرني احد الزملاء على الدردشة بخبر استشهاد عبدالحكيم النور يالله كم هو مفزع ذاك الخبر لم اصدق أن ابتسامة عبدالحكيم اختفت ومقالبه الضاحكة لم أعد أراها .. اليوم باتت تعز بدون عبدالحكيم النور حيا، لكنها باتت تحتضن رفاته وتفتخر بروحه التي لاتزال تملأ المكان.
صديق آخر لم أنسه هو الشهيد نزيه المقطري عرفته في مؤسسة التواصل التي تقع في جبل جرة وهو ذات الجبل الذي لم يسلم من أي قصف .. نزيه هو المدير المالي للمؤسسة شخص في وجهه من النور إشعاع وأخلاق ملائكية وابتسامة لطيفة، لم يكن يوما فضا غليظا كان صادقا في كل وعوده وحبيبا لكل من يعرفه أو يحتك معه.
استشهد نزيه في ليلة اقتحام ساحة الحرية بتعز وهي ذات الأيام التي كنت فيها بتعز ومازلت أتذكر حين بدأت الحشود لاقتحام الساحة؛ لأني كنت أدرب دورة تدريبية في معهد قريب من الساحة وبجوار مديرية القاهرة التي حوصرنا فيها إلى ما بعد مغرب ذاك اليوم.
في مؤسسة التواصل حين تدخل الباب تتجه أمامك إلى المكتب الذي كان يجلس فيه نزيه هناك بقايا لروح جميلة كأنها تجلس على الكرسي المقابل لك وترحب بك على طاولته لا تزال شهادة مكتوبة باللغة الانجليزية لدورة في التنمية من إحدى المؤسسات وبجوارها السيرة الذاتية لنزيه حتى كل ما تحويه الطاولة لاتزال كما وضعها نزيه قبل أن يستشهد .. بمرارة تدخل المكتب لتفتقد جسد نزيه، لكنك رغم ذاك تظل تحتفظ بروح شخص عزيز لن تفارقك تفاصيلها.
في منطقة الموشكي الوجوه تكاد تخرج للحياة على وجل وترقب وكأن ماحصل ترك الترقب ابرز تفاصيل الحياة .. الجدران لا تبدو كما كانت حين تتصدرها نقوش الرصاص رغم محاولات الكثير طمس معالم الحزن على الجدران ..
رغم الطمس، لكن لايزال شيء موجودا وموجودا بشكل أكبر كلما تعمقت في الدخول إلى المكان الساخن في العمق لحي الروضة.
أمام مدرسة الموشكي ثمة عمارة لاتزال شاهدة على حجم الرصاص الذي عبث بكل جدران المدينة ربما هي ليست حالة وحيدة أن تراها في الروضة، لكنك ستلاحظها في شارع جمال وفي الحصب وفي وادي القاضي وفي حوض الأشراف وفي منطقة الشماسي.
تعز اليوم تكاد تستيقظ جدرانها على شخابيط ليست لجدران غربية يرسم على جدرانها الهواة معاناتهم؛ إنما هي جدران تحتوي على أسماء من فقدتهم المدينة .. لا أحد بات اليوم يرسم القلب والسهم يخترقه ويضع في طرف حرفه وفي الآخر حرف حبيبته .. لا أحد يرسم كلمات الحب على الجدران .. لا أحد اليوم صار يكتب حكمة أو يكتب اللفظ المشهور الذي نلاحظه في اغلب المدن اليمنية “ من فضلك لا ترمي القمامة هنا “! كل هذه الشعارات استبدلت بأسماء الشهداء هناك مازن, هناك نزيه, هناك عبدالحكيم . هناك احمد, هناك اليوسفي, هناك عزيزة, هنا تفاحة وغيرهم الكثير بات التعزيون مجمعين على عبارة لن ننساكم مكتوبة في الكثير من جدران المدينة وليس هذا وحسب حتى صور قتلاهم تكاد تكون منتشرة بشكل أكبر على الجدران وفي المحال التجارية وعلى وسائل النقل الداخلية للمدينة.
للجدران صار مهرجان مختلف كذاك المهرجان الذي يقام في مدينة ساو باولو البرازيلية للرسم على الجدران ومختلف أيضاً عن مدينة كوبية ترسم على الجدران لوحة للثائر جيفارا وأيضاً لا يشبه مدينة طليانية ممتلئة شوارعها بالفتية المشردين أو القادمين تهريبا من السواحل الإفريقية انه واقع آخر صارت الجدران مثخنة ليس بمجرد كتابات فيها أسماء لشهداء أو عبارات الألم، بل أكبر من ذلك انه ألم دفين يكاد يمتد في كل الجدران وفي كل القلوب التي تجاور الجدران .. حزن له من تقاسيم المدينة وتعرج شوارعها نصيب ومن وجوه المارة جزء ممتد من الصباح وحتى حين ينزل الوجع في الليل كسفا..!
في شارع التحرير وأنت تمر في الشارع الشهير للخياطين عليك أن ترفع رأسك للأعلى لوحة قماشية متدلية بين الشارعين بالتأكيد ليست إعلانا عن ظهور موضة أو تخفيض في أسعار الملابس؛ وإنما هي لوحة عليها صورة لأحد الشهداء هذه اللوحة واحد من كثير من اللوحات التي صارت المدينة تعج بها لمن سقط في الفترة العصيبة التي مرت بها تعز.
قريباً من الساحة هناك انتشار للخيام، لكنها الخيام التي تقرأ في وجوه ساكنيها ملامح كانت هنا ضجة كبيرة انتهت في شهر مايو بمحرقة تكاد تعصر قلب رجل يقف بجواري سألته عن ذاك الحادث الأليم وقبل الإجابة أخرج تنهيدة ارتعدت لها فرائصي أمسك بيدي وأشار إلى مكان خال آن ذاك المكان البعيد كانت منتصبة خيمته قبل أن يأتي عليها الطوفان ويقتلعها حرقا..
في الساحة أيضاً رأيت امرأة تجلس ويبدو عليها آثار السنين الأكثر من ستين عاما، لكنها ربما لم تثقل كاهلها بقدر ما هو ثقل ذاك الحزن بين عينيها بحوار بسيط أردت أن ادخل إلى عمق الحزن الذي يبدو عليها وهو فقد حفيدها في ذات الساحة أشارت علي انه كان يجلس في تلك الخيام وبسرعة تشير بيديها ذاك صديقه وذاك ..كان يأخذني بكل رفق إلى الساحة ومن ثم يعيدني إلى البيت ثم يعود هو إلى خيمته في الساحة، لكني اليوم آتي إلى الساحة وحيدة لأبكي وإني أرى أصدقاءه وكل مكان كان يجلس فيه .. هذا حديث تلك الجدة في فقدان حفيدها وهي ربما نموذج بسيط لكثير من النماذج.
قبل أن تغادر ساحة الحرية عليك أن تتجه إلى مدخل فندق المجيدي فهناك استشهد 3 من نساء تعز .. أصبح المكان مزارا لكثير ممن يدخل الساحة ويقترب من مكان قتل النسوة.
في ليل تعز يبدو الخوف والقلق أكثر وضوحا لمدينة كان ليلها مخيفا إلى حد سماع صوت الموت من أفواه المدافع والدبابات.
إلى وقت متأخر من الليل لا تستطيع المكوث خارجا، خاصة إن كنت لا تمتلك سيارة خاصة فيك.
ذات مساء كان علي أن أصعد إلى مقر صحيفة الجمهورية التي يبدو في مكان مرتفع أكثر من منتصف المدينة في منطقة شهيرة هي الجحملية. أمام الباب عليك أن ترد السلام على حراسة الصحيفة إذ لايبدو وجهي غريبا عليهم منذ آخر مرة كنت أدخل فيها الصحيفة ليلا من قبل سنة حينما كنت أشرف وأكتب في صحيفة الجمهورية، لكنه اليوم ربما الخوف الذي تركته فترة مرت على المدينة وفترة كانت الصحيفة تحت سيطرة وحصار من لا يريد أن يرى النهج الكبير في الحرية الذي تنتهجه الصحيفة وكان علي إن أردت الدخول أن أتصل إلى أحد الزملاء في الداخل وعندها سأهاتف الصديق العزيز عبدالملك الجرموزي رجلا كنت محظوظا جدا أن أعمل معه لأكثر من سنتين في الملحق السياحي لأصعد إلى الصحيفة التي تبدو مختلفة كثيرا وعليها الكثير من الهدوء وقلة المتواجدين ليلا بعكس الفترة السابقة وهو ما يفسر الاستقرار الرائع للصحيفة في الإصدار مبكرا وتجهيز المادة بوقت مبكر من الليل ومن ثم الطباعة باكرا أيضاً وتوزيعها إلى بقية المحافظات بشكل باكر وهو ماجعل الصحيفة تحقق قفزة كبيرة في مجال مناخ الحرية وفي التوزيع ويحسب لها وللأستاذ سمير اليوسفي في فتح جو الحرية بشكل كبير لكافة الأطياف.
في زيارتي للصحيفة فاتني اللقاء بالأستاذ العزيز سمير لعدم تواجده في تلك اللحضه، لكني بالمقابل وجدت كوادر وزملاء رائعين عبدالملك, زكريا, فائز, وغيرهم..
خرجت متأخراً في الليل ما يقارب العاشرة مساء وهو ما قد يبدو أن الشوارع صارت خالية من وسائل المواصلات إلا من تلك الدراجات النارية التي استقليت إحداها لتبدأ تفاصيل أخرى في تعز هي تفاصيل المساء التي يسردها لي السيد جمال سائق الدراجة النارية عن بطولات سائقي الدراجات النارية ومدى ما يسببه بعض هؤلاء من إقلاق للأمن وعمليات السرقة وغيرها.
وهي بالمناسبة فرصة نطرحها على القائمين على الأمن في تعز لهذه الظاهرة المزعجة جدا أن يتنبهوا لها.
ينتهي الحديث عن ليل مقلق في تعز في اللحظة التي تصل رحلتي إلى جوار منزلي وبعدها أنتظر نصف نهار آخر.
يوم آخر في تعز وعصرا وقت جميل للجلوس مع الأصدقاء خاصة في مكان منذ سنين نجتمع فيه هو استراحة العامري بجوار الغرفة التجارية معاذ صاحب البوفيه كعادته الجميلة في الابتسامة واستقبالنا للجلوس على الكراسي..
فخري, خالد, عبدالفتاح, وليد, احمد, عبدالملك, جميل, محمد, هاني, عواد وغيرهم من الشباب الرائع جلسة حديث ليست مجرد تعصب رياضي للريال او البارشا رغم انقسامنا فريقين للتشجيع والتوقع من يخطف الكلاسيكو، لكنها كانت مناسبة أخرى للنقاشات والابتسامة والضحك والتعليقات، كان موضوعا مهما أن يتطرق له وهو استفتاء الكتروني على الفيسبوك قامت به شبكة تعز سيتي ممثلة بشاب أكثر من رائع احمد الباشا هذا الاستفتاء كان لاختيار واحد من أهم رجالات تعز لمنصب المحافظ. طرحت أسماء كشوقي هائل وحمود سعيد المخلافي, وشوقي القاضي واحمد سيف حاشد وفيصل سعيد فارع وسلطان السامعي وغيرهم مبادرة وفكرة ممتازة جدا أن تقام الكترونيا لمدى مقياس شعبية كل شخص من هؤلاء, اللافت في الأمر أن الإخوان في الإصلاح شنوا حملة دعم كبيرة للتصويت للأستاذ شوقي القاضي من خلال زر أعجبني “ like “ وهو ماحصد اكبر نسبة تفوق الخمسة آلاف صوت ذكرني هذا الموقف بالتكتيك والتنظيم الداخلي المنظم الذي يتبعه حزب الإصلاح وهو بالفعل ما جعله يحتل مكانا ويثبت وجودا غير عادي يحسب لكل منتسبيه.
هذا الاستفتاء كان قبل أن يعلن شوقي محافظا لتعز بأكثر من أسبوع وبعد أسبوع تم الإعلان عن اسم شوقي احمد هائل محافظ لتعز .. أعتقد أن رجلا بحجم وعقلية شوقي احمد هائل هو مكسب لتعز في فترة تعز بأمس الحاجة إلى رجال مخلصين ينتشلون المدينة من وضعها وما عانته خلال سنوات.
بالمناسبة تذكرت قولا ساخرا للكاتب الرائع احمد غراب كيف تعرف أنك بتعز “ إن درست في مدرسة هائل وتوظفت في هائل وجبت معدل هائل .... “ فهل ستصبح تعز بكلها هائل مصغرة فكيان هائل قادر أن يعيد تعز إلى مدينة عصرية رائعة بشرط أن تتكاتف كل الجهود مع المحافظ الجديد وأن يكرم المحسن ويعاقب المسيء..
أتمنى لشوقي هائل وكل الرجال المخلصين التوفيق في إعادة البسمة لمدينة حرمت منها كثيرا وبات الحزن رفيقا لها على مدى سنين.
في تعز هكذا تختلط الوجوه بين فرحة على ترقب وحزن على انتظار وفوضى صارت شبه معتادة في أركان المدينة ..
إنه الخوف والأمل يجتمعان في تناقض لوجوه تملأ المدينة ضجيجا .. لا أدري هل هو ضجيج الخروج من الحزن أم ضجيج ليس له مايبرره ..
في تعز نصف نهار هو مشابه لكثير من الأنصاف اختزل لي تفاصيل كثيرة تجعل الابتسامة في وجه المدينة فرض عين حتى وإن كان للحزن تقاسيم على عيون الثكالى وتجاعيد الشيوخ وصرخات الأطفال وذهول الشباب.
تعز نهار آخر سنمنح بعض المزيد من الابتسامة .. المزيد من البوح .. المزيد من الضجيج وعندها سنرتشف فنجان الشاي في سحر مدينة رائعة بكل معاني الروعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.