الوطن اليمني ينزف ومقدراته تُدمر وأرواح أبنائه تُزهق ودماؤهم تُسفك جراء الحرب المجنونة التي اندلعت في أرجاء الوطن بعد أن ضلت الأحزاب طريقها وتاهت في حواراتها العقيمة في دهاليز فندق موفمبيك بالعاصمة صنعاء منذ شهر سبتمبر العام الماضي وحتى مارس الجاري وعجزت في إيجاد مخرج آمن من خلال التوصل إلى إنجاز توافق وطني تاريخي لإخراج اليمن واليمنيين من دوامة الأزمة الحالية التي تعد امتداداً للأزمة العصيبة التي عصفت بالوطن منذ اندلاع الفوضى التدميرية لما يسمى ب«الربيع العربي» مطلع العام 2011م. توقف حوار الفنادق وانطلق حوار الرشاشات والبنادق.. توقف حوار الطاولات وحلّ محله حوار المواجهات الدامية.. تم إسكات صوت العقل والحكمة والمنطق ليرتفع بدلاً عنه صوت هدير الدبابات والمدافع والطائرات وكل طرف من أطراف الأزمة يلقي بالمسئولية على الطرف الآخر والشعب اليمني يدفع ثمن خلافات وصراعات قيادات الأحزاب والتنظيمات والمكونات السياسية ومراكز القوة والنفوذ على السلطة والثروة. مثلت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمّنة بشأن الأزمة السياسية العصيبة التي اندلعت مطلع العام 2011م خارطة طريق واضحة المعالم لإخراج الوطن والشعب اليمني من نفق الأزمة الطاحنة إلى بر الأمان بأقل تكلفة، ولكن للأسف فقد تعمّد أولئك الذين لهم أجندة حزبية وخاصة في عدم الالتزام بتنفيذ مضامينها وبنودها المحددة ومواعيدها المزمّنة.. كنا نتطلع بآمال كبيرة أن يمثل مؤتمر الحوار الوطني الشامل محطة تاريخية هامة في حياة الشعب اليمني وأن مخرجاته ستمثل خارطة طريق واضحة المعالم والأهداف لليمنيين نحو بناء اليمن الجديد والدولة المدنية الحديثة القائمة على مبدأ المواطنة المتساوية وإعلاء سيادة الشريعة الإسلامية والدستور والنظام والقانون على الجميع دون استثناء الرئيس والمرؤوس والشيخ والرعوي والوزير والغفير على حد سواء ولكن للأسف الشديد فقد خابت آمالنا عندما تم إطالة فترة الحوار إلى عشرة أشهر، وهو الأمر الذي كان له أثر سلبي كبير على مجريات الأحداث والتطورات في الساحة الوطنية وخابت آمالنا أكثر عندما لم يتم الشروع في تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني فور انتهائه، حيث وللأسف الشديد فقد تم التعمد لتأجيل التنفيذ لأسباب خفية لا يعلمها إلا الله ومن بيده القرار وكانت النتيجة لذلك هو ما حدث من تطورات وأحداث مؤسفة ومتسارعة وخصوصاً منذ سبتمبر العام الماضي أدت إلى تفجر المواجهات العسكرية في عدد من المحافظات ثم تطورت إلى حرب شاملة بعد استقالة الرئيس عبدربه منصور هادي ومغادرته صنعاء إلى عدن والتي أعلن منها عدوله عن استقالته وتمسكه بالسلطة طالباً من مجلس الأمن الدولي لاتخاذ إجراءات تحت البند السابع لاستعادة السلطة، وعندما لم يستجب مجلس الأمن لطلبه لجأ إلى السعودية طالباً تدخلها عسكرياً بمساعدة عدد من الدول الشقيقة المتحالفة معها لاستعادة سلطته، وقد تم الاستجابة للطلب وبدأت الطائرات السعودية وشركائها في التحالف الجديد شن غاراتها على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات منذ الساعات الأولى فجر الخميس الماضي ستكون لها عواقب وخيمة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي في حالة استمرت الضربات الجوية وعدم توقف المواجهات المسلحة الدائرة في مختلف المحافظات والعودة إلى طاولة الحوار دون شروط مسبقة وبنية صادقة لإخراج الوطن والشعب إلى بر الأمان. من المؤسف والمحزن أن هناك من أبناء الشعب اليمني أعمى التعصب الحزبي والمناطقي والطائفي والمذهبي المقيت بصرهم وبصيرتهم، فلم تحرك فيهم الأرواح التي تُزهق والدماء التي تُسفك مشاعر الإنسانية والغيرة على الوطن، حيث نجدهم يؤيدون اقتتال اليمنيين فيما بينهم ويفرحون ويهللون ويكبرون ويخرجون في مسيرات حاشدة تأييداً لانتهاك السيادة الوطنية لبلدهم والضربات الجوية التي تشنها طائرات التحالف العربي ، وكأن تلك الطائرات تقصف تل أبيب ومطارات ومعسكرات ومدن الكيان الصهيوني في فلسطينالمحتلة. نتمنى أن تخرج المظاهرات الجماهيرية الحاشدة في عموم محافظات الجمهورية للمطالبة بوقف المعارك العسكرية والأعمال الإرهابية والعودة إلى طاولة الحوار .. يجب أن يتوحد كافة اليمنيين بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية والحزبية ضد الحرب والإرهاب والعدوان الخارجي ويتناسوا خلافاتهم وأحقادهم ويرتفعوا إلى مستوى المسؤولية تجاه وطنهم وأن يغلبوا المصلحة الوطنية العليا على ما دونها من المصالح الشخصية والحزبية الضيقة.. يجب أن ترتفع الأصوات الهادرة المطالبة بوقف الحرب المجنونة الدائرة في أرجاء الوطن ورفض التدخل في الشأن الداخلي لوطننا اليمني وانتهاك سيادته الوطنية من أية دولة وتشكيل اصطفاف وطني وشعبي للضغط على القوى والمكونات السياسية للعودة إلى طاولة الحوار دون شروط مسبقة وسرعة العمل على إنجاز توافق وطني تاريخي ينقذ البلاد من كارثة لا تحمد عقباها. [email protected]