تكشف الجريمة الإرهابية التي استهدفت الحضارة والسياحة في تونس, العاصمة والدولة, عن أهداف أبعد من مجرد الترويع والإرهاب, وعن استهداف للمثال التونسي الفريد والوحيد في دلالته على إمكانية الانتقال السلمي للسلطة, والتحول نحو رشد سياسي متاح في الديمقراطية قيماً ونظاماً ومؤسسات. تونس التي تجاوزت أزمتها السياسية, وصنعت مثالها المتميز بسلمية التغيير وتوافق القوى السياسية على الشراكة في إدارة التحول نحو الديمقراطية, تتعرض لتآمر عدواني, يستهدف ديمقراطيتها الناشئة من خلال تأزيم الاقتصاد عبر جرائم إرهابية تحرم تونس من ازدهار تنموي متاح بالسياحة والاستثمار. وللتعرف على هذا الاستهداف الذي نزعم أنه موضوع ضمن استراتيجية كبرى, علينا أن نتعرف على الدول التي حركت الجماعات الإرهابية في خضم أحداث ما سمي ب “الربيع العربي” لندرك أن الذين جلبوا العصابات الإرهابية إلى ليبيا وسوريا وجعلوا من تونس أكبر مصدر لمرتزقة الجهاد, هم الذين يحركون الآن هذا الإرهاب لتعطيل المثال التونسي للتحول نحو الديمقراطية في محيطه العربي, وإفشال التجربة التونسية بعاملي الأولويات الأمنية, وأزمة العملية التنموية اللازمة للاستقرار السياسي وازدهار الديمقراطية. ولعل تاريخ الجهاد الأفغاني يكشف بعض ما يدبر لتونس من مؤامرات تجد ما يحجبها عن القراءة والتحليل بتورط تونس في تصدير مرتزقة الجهاد للقتال في سوريا, حيث يمكن تفسير الأنشطة الإرهابية بفاعلية وقوة العائدين من سوريا, كما كان تاريخ الأفغان العرب العائدين من الجهاد, خصوصاً في ظل الترابط العضوي بين ليبيا وتونس في تصدير مرتزقة الجهاد وكمية الأسلحة المنهوبة من ليبيا. غير أن الاستراتيجية المحكمة في تحديد أهداف العدوان الإرهابي على متحف باردو في العاصمة التونسية, يكشف عن ضرب السياحة في تباشير موسمها الجديد, واستهداف الاقتصاد التونسي في عموده الفقري وحرمانه من فرصة سنحت له بالاستقرار النسبي المميز لتونس في محيط عربي مضطرب, وهو ما يؤثر سلباً على نجاح ونماء تجربة التحول الديمقراطي, ويجعل الدولة والمجتمع رهينة أولويات الحرب ضد الإرهاب, والتركيز على المجال الأمني وما يتطلب من استثناء قد يبرر القمع ومصادرة الحريات والتراجع عن المكاسب الديمقراطية المتحققة بالانتفاضة الشعبية ونجاح الإدارة السياسية في صناعة المثال التونسي للتحول الديمقراطي. [email protected]