يستمد الليل ألقه الخاص من حضورك اللامتناهي في بهائه لا من نجوم السماء وبدرها الفاتن، وأنا أكتب إليك هذه الأحرف المفكّكة سيكون عاماً كاملاً قد مرّ على لقيانا وحدوث انفراج لذيذ لاحتباسه قلبين شكّلا معاً لوناً جديداً للحب ورفدا الكتب التي نذر أصحابها جهودهم فيها لرصد حكايا العاشقين؛ أجمل حكايا العشق على الإطلاق. ذات حب قلت لك إن حاجتي في النظر إلى عينيك والتعلّق بأهدابهما تتجاوز كونها حالة عاطفية عارضة إلى حاجة شاب مسيّس في نسيان دولة مشلولة ووطن سليب الكرامة والإرادة، وأن اشتعالات الروح ليست في صورة أخرى سوى محاولة لتعويض حُلم منطفئ لوطن قرّر في لحظة ما استلاب حريته وتحرير ذاته الكاملة من ربقة الاغتصاب فسقط فجأة في فم الفوضى. مؤخراً وقبل أن أفتح عيني إثر قيلولة عميقة لأقرأ نص رسالة منك تفيض بالعتاب؛ كان هناك من يضع في نافذتي خبراً مفزعاً عن سقوط مدينة الأحلام، كان يعني لي ذلك سقوط الثورة ويعني لك نهاية حلم أن تكون المدينة ذاتها حاضنة أبدية لعلاقة حب تشكّلت على أطراف مدينة أخرى منسيّة من كل شيء عدا التخلّف والموت بأمراض التيفود والحصبة والملاريا..!!. سبق أن أخبرتك أن هذا ليس زمن الحب ولا الأحلام بل زمن الفوضى، هذه التي انفجرت في غفلة مسروقة من الزمن والناس «كبالوعة» ثم شرعت في التمدُّد مخلفة وراءها روائح قذرة وسيلاً من البشر المختنقين. في دائرة ترابية على ساحل مهجور جلست لأرسمك كانت الأخبار عن تمدّد الفوضى تلاحق مسامعي وتشعل هدأة البحر وسكون المكان، بعد أيام لا غير سيقف عناصرها هنا لمحوك من التراب متعحبين من جُرأة إنسان في رسم فتاة متجرّدة من ملابسها وسيتفحّصون لون وجهك؛ ثم سيبدأون مشوار البحث عنك كمشروع جريمة تغضب السماء وتجلب القحط وشحّة الأمطار. صراعنا مع القتلة الملتحين بلا نهاية يا سيدة الروح، لا يتوقّف إلا لكي يبدأ بشكل أعنف، وهو يستمد من ظروف بسالتنا في مواجهته اشتعالات جنونه ووحشيته وفظاظته. بين ثنايا الصراع يمكن اكتشاف حقائق تمنحنا امتيازات وطنية وأخلاقية في مواجهة وحشية القتلة الملتحين، فنحن في النهاية نقاوم بأدوات الحياة وقيمها بينما لا يواجهوننا سوى بأدوات الموت المتوحّشة، نشبع الأرض بالقبلات ويروونها بالدم. بعد ثلاث ليالٍ من الآن لن أكون متواجداً على «واتساب» سأنشغل بإعداد رؤية للخلاص من منظور ذاتي وسأحتفظ بها لنفسي، أما أنت فلتبحثي عن شيء تنشغلين به ريثما أعود كأن تقرأي سلسلة كتب أو روايات «الحب في زمن الكوليرا» رواية جميلة لا أعرف كم استغرق ماركيز من الوقت لكتابتها؛ غير أنك ستأخذين في قراءتها وقتاً أطول من ذلك الذي قضاه ماركيز في الكتابة، لذا عليك البحث عن رواية أخرى. أوه، هناك شابة تدعى شهد الغلاوين كتبت أولى روايتها ووضعت لها عنواناً لافتاً «فتاة سيئة» تمضي الغلاوين بخطى واثقة إلى النجومية، وبعد سنوات لن تمثّل جائزة نجيب محفوظ للأدب أكثر من كونها مكافأة محدودة لأنثى مسكونة بلغة آسرة وخيال عريض. الفوضى لا تخطف الأوطان وحسب، حتى أولئك الذين يظفرون بفرص للحياة في ظلّها تكون قد جرّدتهم من كل الرغبات، الرغبة في الإبداع، الابتكار، الإنتاج. تحيل فوضى الأوطان إلى كتلة من الخرائب، والمواطنين إلى كائنات مخصيّة من كل شيء، وأنا أحدّثك عن الغلاوين فكّرت فيما لو أنها تقطن خارطة الجحيم هذه، وتعيش في محافظة كعمران أو صعدة كيف سيكون مستقبلها وهل سنقرأ لها «فتاة سيّئة» ذات يوم. الفوضى سمّمت الوطن وأحالته إلى أرض محروقة جدباء، ومشاريع الإبداع غدت أرقاماً هامشية في قائمة ضحايا القتلة الملتحين. من المحتمل أنني لن أنتهي من العمل قبل أسبوع واحد؛ غير أن روحي ستسقط في جائحة الشوق إليك، وقد أعود فقط لكي أحطّم سياجات غياب، أخشى أن يلتهم حلمك وتعودين إلى ذات الهاجس الذي ما برح يغادر مخيّلتك المزدحمة بي. لم كل هذا الغياب، هل ثمّة أنثى أخرى تعابث روحك أيها الشاب اللعين..؟!.