أثبت علي عبدالله صالح طيلة العشرة الأشهر الماضية أنه أذكى سياسي يمني، وأخبث قائد عسكري خلال نصف قرن. فصالح الذي كان شريكاً أساسياً في مقتل الرئيس الحمدي، ومهّد لحكمه بمحلل ضعيف الشخصية مثل الغشمي، تولّى الحكم واحتوى الجميع وبشجاعة ذهب إلى عدن وحضرموت في أوج الخلافات والحروب الداخلية، ووقّع اتفاقية الوحدة ونادى بها في وقتٍ كان ضليعاً أساسياً في دعم التمرّد والخراب والاحتراب الأهلي في الجنوب، وتوّج ذلك بذراعه الطولى في دعم الرئيس علي ناصر محمد خلال أحداث يناير 1986. صالح ذهب إلى الوحدة بوطنية وقومية وشموخ، ولم يترك عقله الماكر جانباً بل اصطحبه معه، وحوّل علي سالم البيض من رئيس دولة إلى نائب رئيس بقرار جمهوري يصدره صالح، بمعنى أنه أنزله من شريك إلى موظف، ثم أخرجه من الحكم، ومن البلاد نهائياً، وحمّله أخطاء وأوزار التاريخ في حربٍ كان صالح من دفع إليها. سيطول بي مقام الحديث عن أمكر السياسيين اليمنيين، وأريد التوقّف عند العشرة الأشهر الأخيرة، وماذا فعل راقص الثعابين الشهير. نهض صالح باكراً والتفت نحو الشمال، فلمح رأس الحوثي يطلّ من جبال صعدة، كمطرقة رعناء، ورأى تحته في عمران آل الأحمر والعميد القشيبي، وأسفل منهما علي محسن وقادة الإصلاح في صنعاء، فأخذ رأس الحوثي بحنان ودلال وأمدّه بالمال والسلاح والرجال، ونفض عنه غبار كهوف مران، حتى أطمأن الأخير، وأخذ صالح ذلك الرأس وجعل منه مطرقة ضرب بها آل الأحمر حتى تطايروا شرراً، ابتهج صالح، وابتسم الحوثي دون أن يرى وجهه في المرآة، فأخذه صالح وضرب به القشيبي واللواء 310 حتى فتتهم، ابتسم صالح، وضحك الحوثي وفيه شيء من الوجع الداخلي، فقد ابتلع كمية سلاح من داخل اللواء تكفي لقتله عشرين مرة. أعاد صالح رأس الحوثي إلى صدره ومسح عنه الغبار وداواه بمسكنات وليس بعلاجات تذهب سبب الألم، ثم رفعه عالياً، عالياً وهوى به فوق العاصمة بضربة دوّت في كل جزيرة العرب، حتى تطاير الإصلاح وعلي محسن وحكم الرئيس هادي، وافقدت قوة الضربة عقل الحوثي، وأُصيب بارتجاج منعه من سلامة التفكير. وبعدها تحوّل إلى مطرقة مخدوشة مكسورة الجانب، وأصبح رأساً بلا عقل، أو مطرقة عصاها وقبضها بيد صالح، ومع مرور الوقت استخدمه صالح كآلة تنظيف يسوقه فوق المحافظات والمعسكرات، حتى تفتت وانتهى في الجنوب وتعز. علينا أن نتذكّر شيئاً مهماً.. قبل دخول الحوثيين صنعاء، كانوا قد أصبحوا قوة عسكرية كبيرة، وكانت الوفود تتوالى عليهم إلى صعدة لترضيتهم، فهم القوة التي لا يمكن تجاوزها والرقم الذي لا يُستهان به، حتى وإن كانوا حققوا مكاسبهم بفعل البطش وقوة السلاح، وليس بأدوات السياسة. هنا لمعت فرصتهم الذهبية، كان بإمكانهم تعديل مخرجات الحوار، ويفرضون إعادة تقسيم الأقاليم، ويأخذون عمران وصعدة والجوف وحجة إقليماً لهم، ويستطيعون احتكار الدوائر الانتخابية لتلك المحافظات، ويعودون بقوة برلمانية سياسية، ويجربون المشاركة في الحكم، ويبنون أنفسهم بهدوء، ويبعثون برسائل طمأنة للمجتمع اليمني، ويقدمون خيارات سياسية ومدنية راقية، ويسهمون بفاعلية في بناء الدولة المدنية القوية، وخلال 20-10 سنة سيكونون قد ابتلعوا الدولة، وحكموا بهدوء بال. لكن حداثة سن عبدالملك الحوثي وانعدام خبرته في مقابل خبث ودهاء صالح، غيّرت المعادلة، فقد استطاع أن يُغري الحوثي بأنه قادر أن يحكم اليمن ويسيطر عليها من صعدة إلى سقطرى ويصفّى كامل خصومه، خلال 10 أشهر فقط. كم أنت خبيث يا صالح.. لو ترك ذلك الشاب يفكر بحيوية وجدية، ويبني نفسه خطوة خطوة وطوبة طوبة، لشكّل بناء قوياً متيناً، أنت ليس لديك ما تخسره فقد نهبت عشرات المليارات، غير ما نهب كل فرد في عائلتك، وحكمت اليمن وتملّكتها 33 سنة و7 أشهر، وفي الأخير استخدمت رأس عدوك الحوثي كمطرقة وضربت بها رؤوس بقية أعدائك من آل الأحمر والإصلاح ومحسن وهادي ودول الخليج، وهشمت رؤوس الجميع بما فيهم رأس الحوثي نفسه. والآن تبحث لك عن ملجأ ومخرج إلى أية دولة في العالم.. تخلّصت من الجميع بضربة واحدة, لذا يجب على ما تبقى من قوة الجميع أن تلتف وتتخلّص منك بضربة واحدة. [email protected]