«وا حربااااااااه» على وزن «وامعتصماه» هي لسان حال كل من يمجّد الحرب ويرى في استخدام القوة خياراً وحيداً لتحقيق مآربه وأغراضه التي تكون في الغالب غير مشروعة؛ فإذا كانت القاعدة الشهيرة عند الناس أجمعين، العرب والعجم، الأسود والأصفر هي أن آخر العلاج الكي، أي أن يوم الجن هو الأخير بعد استنفاد كل الخيارات؛ إلا أنها عند دعاة العنف ومن ينضوي تحت شعار «وا حرباه» مقلوبة تماماً، إذ يؤمنون في بلادنا مثلاً أن «أول العلاج الكي وآخره الحرب» ولا شيء بينهما..!!. هذا الكلام يصدق على اللاعبين السياسيين اليمنيين الذين أثبتت لنا الأيام وانتقال الوطن من سيئ إلى أسوأ أنهم في أحسن الأحوال رجال مفاوضات لكنهم بالتأكيد ليسوا رجال سلام بالمطلق، فلولا ألاعيبهم المكشوفة وغرامهم بممارسة لعبة «الحيّة والدرج» التي لا يجيدون غيرها لما وصلنا إلى هذه النقطة البائسة في شرعنة التدخل الخارجي وإيكال مهمّة ترويض الوضع المنفلت من عقاله في البلاد إلى نحو 180 طائرة حربية تابعة لعشر دول عربية وإسلامية بقيادة الجارة السعودية التي لم تبخل منذ تدشين الغارات في 26 مارس 2015 بمؤازرة سفن حربية تذرع المجال البحري لمياهنا الإقليمية ذهاباً وجيئة في قصف عدد من الأهداف الحيوية لمنشآتنا المدنية والعسكرية، وكما شاهدنا لم تخلُ هذه العمليات الاعتباطية من أخطاء جسيمة؛ سقط جرّاءها ضحايا مدنيون بينهم - حسب منظمة اليونيسيف - 118 طفلاً من أصل 540 مدنياً، علاوة على 1700 جريح، هذا طبعاً خلال الأسبوعين الأولين من غارات الموت الشقيقة والأخوية، فمن الحب ما قتل كما يُقال، ولن أتحدّث عن تقطيع أوصال اليمن بضرب الجسور وشبكة الطرقات وكأنها وجدت لخدمة أهداف الحوثيين وليست لتسهيل حركة وتواصل 25 مليون مواطن يمني..!!. نحن لا نقول إن كل شيء على ما يرام؛ لكن اللجوء إلى الحرب دليل ضعف وتخبُّط، ونتيجة طبيعية لغياب التصوّرات الواعية للتعاطي مع المشكلة اليمنية، فالحرب خراب ودمار، ومن يدّعي أنها ضرورة لإحلال السلام ورفع الظلم عن كاهل المواطن اليمني فهذا مخبول وواهم، فالحرب لا تعطي سلاماً أبداً. يقول «وليام هوك» في حكمته الشهيرة: «من يقاتل من أجل السلام كمن يمارس الجنس ليمنح الفتاة العذرية» نحن لا نريد هذا النوع من البغاء العسكري المذموم والمرفوض، لا لكونه ينذر بتناسل ذرية من لصوص السياسة غير الشرعيين فحسب؛ بل لأن اليمن الفقير سيتحوّل إلى مصدر رئيس لا ينضب لنشر الفوضى والقلق الأمني وتهديد حقيقي للاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي لبلدان وشعوب شبه الجزيرة العربية والعالم بأسره. ليس لأن الشعب اليمني عدائي بطبيعته كما تروّج له بعض الدوائر الاستخباراتية المتآمرة على دول مجلس التعاون الخليجي وتحديداً السعودية قبل اليمن، فالهدف الأساس تحويل المنطقة إلى بؤرة صراع دامٍ طويل الأمد، يشرعن للدول الامبريالية التدخُّل تحت غطاء حماية منابع النفط الخليجية التي تشكّل 70 % من الاحتياطي العالمي وتأمين حركة الملاحة الدولية في مضيق هرمز وباب المندب وبالتالي السيطرة الفعلية والمباشرة على المخزون الاستراتيجي للذهب الأسود العربي، ناهيك عن أن توريط أطراف المنطقة في المستنقع اليمني سيوفّر الكرت الأخضر للاستيلاء على زهاء ألفي مليار دولار من فائض المال العربي المنثور في صناديق سيادية واقتصادية حول العالم. من أجل ذلك وغيرها كثير ندعو الشقيقة السعودية «أن تجمع دومان» وتعيد تحديد أولوياتها السياسية في اليمن على أسس سلمية وأخوية وتكف فوراً عن العدوان والتحشيد له والدعوة لعقد حوار بنّاء وفاعل لأقطاب الساحة السياسية اليمنية؛ ولا تبخل لمصلحتها ومصلحة الجارة الفقيرة في استخدام قدراتها الدبلوماسية الجبارة في ترويض الجموح الإيراني والأنانية الأمريكية والغفلة الأوروبية، فإن في ذلك اختصار الطرق والمسالك المتشعبة والمتداخلة للوضع اليمني الداخلي والوصول به إلى تسوية دائمة وعادلة لجميع الفرقاء السياسيين، علاوة على أن في ذلك تفويت للمتربصين بالثروة العربية، وتعزيز للأمن والسلم الدوليين. والسلام على من اتبع «طريق الأمان ونبذ العنف والجنان».