- د. عمر عبد العزيز ما جرى من اعتداء اسرائيلي همجي على لبنان قبل حين ، ومايجري الان في فلسطين يستدعي سؤالاً وجودياً جوهرياً في العالم العربي ، وهذا السؤال يرتبط بالتاريخ والثقافة ، لأن الهزائم المتتالية التي أصبحت ديدن الزمن العربي منذ ما يزيد عن نصف قرن لا يمكنها ان تنجم عن فراغ، ولا يمكنها ان تكون بمعزل عن الآليات القائمة في العالم العربي، والتي تمثّل قاسماً مشتركاً بين الأنظمة العربية المختلفة، بغض النظر عن لونها الظاهر ، وأدبياتها المتفارقة، والشاهد ان جل الجمهوريات العربية لا علاقة لها بالفكر الجمهوري، بل انها اتوقراطيات استبدادية فارقت التاريخ والجغرافيا، وسيّجت نفسها بالطغم العسكرية والمالية الناهبة للثروات، وتعلّقت بأذيال البيوتات الصغيرة التائهة بين ملذات العسل وانكسارات السياسة، فإذا بتلك البيوتات تستر عورتها بأوراق توت واهية من صنع واشنطن، مقابل القبول التام بما يجري من اعتداءات على الأرض. ان هزيمة العرب الماثلة للعيان مدعاة للتأمل في اشتباكنا غير الحميد مع التاريخ والآخر الانساني، ذلك الاشتباك الذي يتشخّص في النزعة الانتقائية تجاه التراث الخاص، بل المنطق الرافض لجملة الثمار العظيمة للتراث العربي الاسلامي، والاستعاضة عنه بترهات ذلك التراث ومدارسه الأكثر في الظلام ورفض النماء والتنوع، كما يتجسّد هذا الاشتباك غير الحميد في علاقتنا بالآخر الانساني من خلال ثنائية التماهي العدمي مع ذلك الآخر، او الرفض العدمي له أيضاً، ناهيك عن انتقائية المفهوم ، فالآخر بالنسبة لنا لا يتعدى تخوم اوروبا واستتباعاتها التاريخية في شمال القارة الامريكية، أما الآخر المشرقي الكبير والممتد من حكمة الصين وتراث الهند حتى العمق المجاور لنا في فارس وعموم آسيا.. ان هذا الآخر غائب تماماً بالرغم من كونه يقدم إبداعاً غير مسبوق للبشرية ، ليس في التكنولوجيا فقط كما فعلت اليابان وكوريا، بل أيضاً في الأدبيات الفكرية والسياسية والنماذج الرشيدة للتطور المتوازن كما هو حال الصين وماليزيا. نحن أمة مهزومة لأننا نرحل مشاكلنا على «العدو المتآمر» ، وننسى ان نواميس الخالق اقتضت التدافع والتنافس، ووجود الخير والشر، وبالتالي فإن من لا يأخذ بأسباب المنعة يُستباح، وليس لنا ان نمتلك تلك الأسباب إلا إذا نظرنا إلى قوة الآخر وأسبابها، وإلا إذا تمعّنا فيما تفعله فينا مؤسسة شذاذ الافاق اليهودية التي ارتكزت على استثمار معادلتي القوة والمال، وانتهزت فرصة ضعفنا وهواننا، فباشرت الاعتداءات واحدة تلو الأخرى، واستطاعت في نهاية المطاف ان تصادر حتى حقنا في الصمت كما يحدث الآن مع الاعتداء الأشمل على فلسطين. ان مراجعة تاريخية مستبصرة لما آلت اليه أمورنا ضرورة مطلقة، فما نحن عليه موصول بثقافة سادت وأعمت أبصارنا وبصائرنا، وما النظام العربي إلا إفراز طبيعي لتلك الثقافة الهجينة، إلا من رحم ربي واستدرك وباشر المستقبل بأدواته. [email protected]