هذه المرة يتساوق المتحدث باسم الدين والدين منه براء يتساوق مع الظالم الجاهل الجهول، فالحاصل أن نفراً من الناس أصبحوا يفوضون أنفسهم للحديث نيابة عن الدين وسماحته وحكمته، وهذا النفر من الناس يعمل على هدم الدين والدنيا معاً من خلال الغلو والتطرف. والعجيب الغريب أن بعضاً ممن يسمون أنفسهم "علماء دين" لا يتورعون عن الخوض في أدق تفاصيل ودهاليز المكر السياسي، بل إنهم يبارون أصحاب التكتيكات والمناورات في تكتيكاتهم ومناوراتهم البراغماتية، وبهذا يسدون خدمة كبيرة للطرف الآخر الذي يحاول التغوّل على البشر باسم النموذج الديمقراطي الوحيد الفريد والذي لابد من الأخذ به، شاء من شاء وأبى من أبى. والمحزن حقاً أن حملة رايات الدين يتقاطعون مع الوحشية اليمينية العالمية من خلال ذات الأسلوب، بل يزيدون على ذلك بإشعال نيران الفتن الطائفية والعرقية والسلالية البغيضة، فالبروفة القائمة حالياً في العراق لها ما قبلها ولها استتباعاتها باهظة الثمن والتي لن توفّر أحدأ، طالما أن ذات الأصوات المبحوحة مازالت تعيد إنتاج نفسها هنا وهناك. إنهم يُثقلون على الدين، ويغالبون منطق الحياة؛ لأنهم يريدون تسطير الحاضر والمستقبل بمساطر الماضي ونواميسه، مُتجاهلين أن للزمن تطوره الخاص، وأن ما كان بالأمس لا يعود بذات الروحية والصورة، وان الإسلام دين هدي ومثال، لا مشروع نماذج جاهزة ومستغلقة. إن الإمعان في المنطق العدمي لن يعطي الذرائع للظالم العالمي المستبد فحسب، بل أيضاً للمجرمين المحليين المنتشرين في أربع أرجاء العالمين العربي والإسلامي، ممن يتحرّقون شوقاً للحظة الجنون والخروج عن المألوف. إنه عالم من الضلالات المغلفة ظاهراً بالديانات والروحانيات، والمتسترة حقيقة وراء مرئيات الأيديولوجيا السياسية الدنيوية، ولنا في إيران والسودان خير مثال، فالعجز الحقيقي أمام الاستحقاقات الحياتية اليومية يقابله صراخ أيديولوجي ديماغوجي يرحل مشكلة الداخل إلى الخارج، ويُبعد البشر عن مكاشفة أوضاعهم وما يعيشون فيه من متاعب، فعلى الإنسان أن يرضع من حليب المثال بدلاً من مقارعة الواقع!!. [email protected]