- د. عمر عبد العزيز لقد انتصرت نظرية المغالبة الأمريكية والقوة الكبرى التي تهدد الجميع ، وبحسب المقاسات المتاحة ، فإذا كان العرب مهددين بالسلاح المباشر، فإن فرنسا وأمثالها من الأوروبيين المُمتنعين عن الانسجام مع مشروع إدارة بوش مهددون بالمصالح الاقتصادية والجبروت الإعلامي الدعائي الكفيل بمرْمطة الرافضين لمنهج البيت الأبيض، وهذا ما حصل بالضبط، ولقد أفلحت الإدارة الأمريكية حقاً وفعلاً في اختصار المسافة الزمنية السياسية الفاصلة بينها وبين قيادات " القارة العجوز " الذين بدأوا للتو والساعة يلبسون مسوح المستقبل المتناسب مع الصياغة الأمريكية، ويتخلّون عن حكمة الماضي القريب والبعيد، فقد هدد شيراك قبل حين باستخدام السلاح النووي ضد الإرهابيين !! ، وهذا تصريح يفارق تماماً ما عُهد عن شيراك وكامل القيادات الأوروبية المجربة . ليس جديداً الحديث عن ازدواجية المعايير الأمريكية في النظر لسلسة المشاكل والتحديات العالمية التي تقبع إسرائيل في أساسها، كمشكلة الشرق الأوسط وأسلحة الدمار الشامل ، فالمعروف إن الولايات المتحدة وعلى مدى تعاقب إداراتها الديمقراطية والجمهورية اعتبرت إسرائيل المعيار الحقيقي لسياستها تجاه العرب أجمعين، ولم تنفع الصداقات ولا وكالات الأعمال النشطة، بل وحتى احترابات الداخل العربي المغلفة بمطاردة الإرهاب . فقد ظلّت إسرائيل النموذج المثالي في مذهب السياسة الأمريكية ، فيما يبقى النظام العربي برمته نموذجاً للاستبداد والتخلف، وعلى خط متصل تقرأ الإدارة الأمريكية المسألة النووية بمكاييل متعددة، فوجود السلاح النووي في إسرائيل من باب تحصيل الحاصل، فيما يتم مطاردة إيران لأنها قد تمتلك سلاحاً نووياً، والملف الكوري الشمالي قابل للتأجيل طالما كانت الصين في الوسط، ، فيما الملف الإيراني غير قابل للتأجيل . يبرر الاستراتيجيون في الغرب السياسي تعددية المعايير من خلال التركيز الدائم على تبرئة إسرائيل بوصفها دولة مؤسسية ديمقراطية، واعتبار الأنظمة العربية ومن يشابهها دولاً مفارقة للنظام والقانون، وشرعيات استمدت مكانتها من اغتصاب السلطة، أو مرجعيات تاريخية استنفذت أغراضها وأسباب بقائها، وفي هذا شيء من التشخيص، لكنه تشخيص أقرب إلى كلمة الحق التي يُراد بها باطل، فمن يريد التبرير لن يعدم الحيلة، ومن يريد الحرب لن يعدم الوسيلة . لقد بيّنت الأيام أن العرب رقم هزيل في الرؤية الأمريكية، وأن تقييم النظام العربي في معادلة المغالبة والتأثير يتضاءل يوماً عن آخر. [email protected]