- د. عمر عبد العزيز العارفون نفر من الناس يختلفون عن الغالبية العظمى، والأساس في مغايرتهم للآخرين يكمن في اختلاف نظرتهم للأمور، فإذا كانت الغالبية تعتبر لغو القول حجة في الجدل فإنهم يعتبرون الصمت أبلغ دلالة من الكلام، وإذا كانت الغالبية تعتبر القوة والمال سبباً للنجاح، فإنهم يرون السلم والطمأنينة الداخلية قوة أقوى مما نتصور، وإذا كان مألوفاً أن ينال الإنسان مآربه بالغلبة والمغالبة، فإنهم يلجأون إلى التبرير الذهني حالما يواجهون مشاكل عصيّة على الحل، غير أنهم فيما يفعلون ذلك يكتشفون البدائل والخيارات ويتمكنون من تحقيق ما يتجاوز النجاح دون جعجعة وصراخ . في الآداب الصوفية يعتبر العارف أعلى مقاماً من العالم، فالمُعطى المرتبط بالعلم يأتي " رسماً عن رسم وميتاً عن ميت " فيما المعطى المرتبط بالعرفان يأتي فيضاً إلهياً يتناسب مع المطبوع في شخصية الفرد منذ أن خلقه الله واصطفاه لأمر معلوم وأحوال مسطورة مسبقاً . الاصطفاء هنا قيمة تجاوزية للمألوف، لأن الذين يصطفيهم الله لأدوار معلومة في الحياة ليسوا من نوع واحد ولا ينشغلون بميدان واحد، بل يتنوعون في قدراتهم وأدوارهم، ولعلهم فيما يباشرون تلك الأدوار لا يدركون قوة الدفع الخفية التي ترتفع بهم وبملكاتهم، ولا يستطيعون استكناه جوهر تلك القوة وأبعادها، بل يتداعون معها تداعي الماء مع الأمواج والرياح مع العواصف، فيترسّمون طريقاً للعمل والعطاء فيما يتجاوزون المعطيات الواقعية إلى فضاءات الخيال . ولهذا السبب بالذات كان الزمن رهناً للمحيط الواقعي إلا زمن الإبداع والعطاء، فإذا كان الزمن الفيزيائي ينهزم أمام الأيام والدهور فان الإبداع يتخطّى تلك الأيام والدهور، ولهذا السبب نتذوق امرأ القيس والمتنبي، ونقرأ جاك لندن وهمنجواي بالرغم من فوارق السنين والأيام . [email protected]