تركز البُعد الفلسفي عند الفنان الكبير هاشم علي في استدامته التأمل والعزلة، واعتبار المكان الواحد مناسبة للترحال في آفاق الأزمنة والأمكنة فيما يمكن تسميته بالدهر، باعتبار أن الدهر ليس المكان والزمان فحسب، بل أيضاً الخروج إلى فضاء برزخي يتجاوز المستويين إلى بُعد ما ورائي تأملي لصيق بالفن الصادق . هذا الاستنتاج بحاجة إلى تدليل من خلال الأعمال التشكيلية للفنان، فقد شاءت الأيام أن أتعرف على بعض تلك الأعمال، وخاصة تلك التي عرضت أثناء الأيام الثقافية اليمنية بالشارقة، مما ساعدني على الاقتراب من عوالم الفنان المُؤسس، واستجلاء بعض خصوصياته المرتبطة بالدأب والتأمل. بالتجريب النابع من تكرار المكرر، وتدوير المؤصل، بحثاً عن انزياحات إبداعية رشيقة، حيث نجد أن البُعد الواقعي في تلك الأعمال أصل أصيل، وذلك من خلال رصد المشهد المجتمعي، واختيار “التيمات” اليومية، والانتقال بها من التصوير العادي إلى الفكرة غير المألوفة، سواء من خلال الاستاتيكية المستغرقة في الصمت انتصاراً للإيحاء، أو من خلال الديناميكية الموصولة بتصريف الأجساد، وتمديد الأطوال بحثاً عن فيزياء جسدية تغادر النسب المألوفة، مؤكدة على قابليات الجسم البشري اللامتناهية، وتنويعاً على لغة الجسد بوصفها تعبيراً أقصى لاتصالات غير لفظية. من عرف الراحل المؤسس عن كثب يُدرك مدى استغراقه في التأملات الفلسفية، واستكناه عناصر الوجود المادي ذي الصلة بالروح، واعتداده بدلالات الفراغ والامتلاء، وتجريبه المُمْعن في استدراج الموسيقى اللونية، حتى أنني ازعم أن في تضاعيف تجربته المديدة ابتكارات للبهاء تشي بمُمازجات خاصة، وتنويعات أسلوبية تجمع بين الواقعية والرومانتيكية، ضمن إطار للسحرية المشهدية التي تقدم لنا معقول اللا معقول في الحياة اليومية لسكان تعز وضواحيها. مقاصد الفنان هنا تتجاوز حدود المرئي المباشر لتُعانق المفاهيم الجمالية التي تخرج من أساس المعطى البصري، مُنخطفة صوب المجهول، وللحديث صلة. [email protected]