استطاع الفنان هاشم علي أن يضفي حياة خاصة على مشاهد يومية تتنوّع، مُشتملة على الباعة في الأسواق، وراكبي الدواب، من الذين يتجوّلون في ربوع الجبال، والصيادين الذي يتساوقون مع بضاعتهم التي يُعمْلقها الفنان لتوكيد المغزى الأساسي للعمل، والالتماعات البشرية المخطوفة بحالة مغناطيسية موازية لتناول القات، والترحال معه إلى عوالم اللامرئي المشبعة بالأحلام والأوهام معاً!!. قام الفنان هاشم علي بتصوير خرافة الزرقة وأقواس قزح من خلال تداعياته اللونية المسكوبة على مروج من بهاء واخضرار، ولقد تملّى كثيراً في فضاءات التباينات اللونية القادمة من سطوع الشمس اليمانية الموشاة بطيوف الألوان الجبلية لمدينة تعز، حيث أقام كعاشق نصب خيمته مرة واحدة وحتى مغادرة الفانية . المُعالجات اللونية للفنان هاشم علي لا تقتصر على التدوير الحرفي الراكز، بل تبحث عميقاً في استخدام المُعادل اللوني كقيمة تعبيرية مجردة ومتصلة بالتجسيد في آن واحد، ما يفسر إمعانه في تغليب لون واحد في بعض لوحاته ، كالأزرق والأصفر مثلاً، مما يحيلنا إلى «سيميوتيكا» التعبير اللوني بوصفه رديف المعاني المتعددة لثنائيات الأخذ والعطاء، والفرح والحزن ، والاسترخاء والقلق . معادلة أخرى ترينا كيف أن الفنان يستغرق في أحوال المعاني ودلالاتها، فيما ينساب رشيقاً في زمن الإبداع التشكيلي الخاص، معيداً تكرار أُسلوبيته المفتوحة على انزياحات مؤكدة، وقدراً من التصوُّف الفلسفي المتأمل. يغيب هاشم علي في تضاعيف اللحظة الدهرية، كأنما يقرأ سلفاً بأنه من الاستحالة استنفاذ معارج التصوير والتعبير عن أحوال اليمن الواقعية حد الخرافة، والممتدة في المدى الأبيض حد الاحتياط المُموسق بألوان لا متناهية . وعند لحظة من لحظات التجريب الموصول بالتسلّي والتخلّي نقف على تفارقات لونية لذات العناصر الممسوسة بالحقيقة، فلا بأس من تلوين قدمي إنسان واحد بلونين مُتغايرين كُليةً، ومنسكبين على السطح دون ظلال أو مؤثرات. واستتباعاً يمكننا أن نلمس في اشتغالاته الدالة على الأبيض والأسود ما يتجاوز الثنائية النمطية للأسْود والأبيض إلى ابحارات تأخذ بالتدرج، ولكنه ذلك التدرج الذي يأتي من تفاعل البصر مع الكونتراست الحاد «التعارض». يعتنق الفنان هاشم علي الهارموني والكونتراست «التناغم والتباين» بصورة وايحائية وإبداعية متكاملة، ولهذا السبب يستدعي مقولة التناقض الفلسفية، حيث تصبح العلاقة بين «الزائد والناقص. الموجب والسالب. التفاضل والتكامل»، بمثابة ناموس جبري لا يستقيم حال الوجود إلا بها. يذكرنا هذا الفعل بالديالكتيك الفلسفي للفكر الجدلي الذي يؤكد على حتمية التناقض ونسبيته وتطوره وكونه المُحرك الأساسي للظواهر. [email protected]