- غلاءالمهور.. ومظاهر البذخ والإسراف.. عوامل تحد من إقبال الشباب على الزواج - العنوسة والانحراف أهم تداعيات المشكلة..والحل يكمن في الاعتدال- استطلاع/ خالد حسان ثابت .. هذه الأيام ما إن يقرر شخص الزواج حتى يتحول الأمر بين عشية وضحاها إلى معركة حامية الوطيس وخسائر نفسية ومادية قد تصل أحياناً إلى الملايين.. فما الذي حوّل الزواج من نعمة إلى نقمة ؟وإلى أي حد يتوجب قبول المطالب والالتزامات المرتبطة بالزواج؟ثم ماهي سفينة النجاة للخروج من هذا الواقع الأليم؟ على حافة الجنون محمد عرفات «طالب جامعي» يرى أن الزواج هذه الأيام اصبح مشروعاً يذهب بالعريس إلى حافة الجنون بعد أن يكون قد انفق مابين يديه وماخلفه وأغرق نفسه بالديون والالتزامات. ..ويؤكد«محمد» الذي له حتى الآن أكثر من خمس سنوات وهو خاطب لابنة عمه دون أن يتمكن من عقد قرانه بها انه يفكر جدياً في فك هذا الارتباط وخاصة أنه يشعر أن عمه ورغم رابطة النسب التي تربطه به لايمكنه أن يتراجع عن قائمة مطالبه الخيالية التي وأد بها قصة حب ماكان ينبغي أن تكتب لها هذه الخاتمة الأليمة.. ...«محمد» بقدر ما يشعر بأسى شديد من هذا الامتحان الصعب بقدر ما يلعن الظروف والأيام التي وضعته في هذا الموضع الصعب بحيث صار حبه لإبنة عمه ورغبته في تكوين اسرة سعيدة في كفة ..وضرورة أن يدفع500ألف ريال لعمه ثمناً لابنته في كفة أخرى..هذا طبعاً إلى جانب ماقد يترتب بعد ذلك من التزامات.. وجع رأس أمين العديني «عامل» ينظر إلى الموضوع من زاوية أخرى بحيث يمكن القول أنه صاحب موقف من مسألة الزواج فهو حتى لم يقدم على مشروع خطوبة رغم أن عمره يتجاوز الخامسة والثلاثين..«أمين» يبرر ذلك بالقول : صحيح أن الزواج سنة الحياة وانه استكمال لنصف الدين..لكن في هذا الزمن ووسط ما تعيشه فئات كثيرة من ظروف اقتصادية صعبة يصبح لزاماً على الكثيرين أن يأخذوا الأمر من قاصره ويقلعوا عن التفكير تماماً في موضوع الزواج لأن مجرد التفكير بالزواج وخاصة حين تكون العين بصيرة واليد قصيرة هو شيء لاطائل منه ولايجني منه الشخص في النهاية غير الحسرة والألم ووجع الرأس في احسن الظروف. أعراس أشبه بالكرنفالات بناءً على ماسبق قد يبدو الزواج نقمة لانعمة لكن السبب يكمن بحسب ماتراه الاستاذة اشراق «مدرسة ثانوي» في طمع الآباء والأمهات حيث كثيراً ماتكون طلبات أهل العروس مرهقة ومبالغ فيها إلى حد كبير...هذا طبعاً بجانب مظاهر العرس الكثيرة والمتنوعة التي تتطلب نفقات وتكاليف تتجاوز في أحايين كثيرة قدرة العريس على تحمل اعباء ونفقات الزواج..الاستاذة «إشراق» لاتنسى كذلك الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية وهي تلك الرغبة الجامحة التي تتملك الكثيرين في التعامل مع العرس وكأنه كرنفال قومي بحيث تطغى عليه مظاهر البذخ والإسراف وبشكل مفرط وفي النهاية تقع الكارثة على رأس العريس ويجد نفسه محاصراً بالدائنين من كل جانب مما يقلب حياته الزوجية رأساً على عقب وقد يصل به الوضع إلى حد أن يكره اليوم الذي قرر فيه أن يتزوج. صالات بأسعار ملتهبة بجانب غلاء المهور ومصاريف أخرى متعددة تبرز صالات الأعراس كأحد أهم العقبات والتحديات التي يتوجب على أهل العريس تجاوزها والوفاء بالتزاماتها..وهناك ما يمكن أن نطلق عليه بالتسابق المحموم بين اصحاب الصالات في رفع الاسعار حتى أن بعضها كما يؤكد الأخ علي السامعي «رب الأسرة» تصل اسعارها إلى ما فوق المائة والخمسين أو المائتي الف ريال..وقد يزيد الطين بلة حين تعيش هذه الصالات مواسم اعراس حيث يتوجب في هذه الحالة الانتظار والالتزام بقائمة الحجز والمواعيد المحددة مسبقاً..وفي اليوم المحدد للعرس وبجانب رسوم الصالات عادة ما يلاحظ البعض مظاهر وملبوسات وسلوكيات وتصرفات غريبة على مجتمعنا اليمني المحافظ بحيث تبدو الصالة وكأنها استديو مزود بآخر وأحدث الديكورات بهدف اختيار ملكة جمال العالم وليس بهدف جمع رأسين بالحلال.. من فرح إلى مأساة ومن مظاهر الأعراس التي يكون ضررها أكثر من نفعها هي استخدام الألعاب النارية أو إطلاق الرصاص الحي وكلاهما بحسب الأخ عبدالمجيد شرف «ضابط شرطة» تشوهان الأعراس وقد تقلبها إلى مأساة ..فهناك في بعض الأعراس قتلى وجرحى نتيجة لإطلاق النار..وكثيراً ما يجد العروس نفسه مطالباً بدفع نفقات العلاج أو جزء من الدية أو ما شابه ذلك ...وهناك من العرسان من قد يبات أول ليلة في السجن هو أو أحد أقاربه...وهكذا وبدلاً من أنه كان بإمكان العريس أن يتفادى نفقات شراء الرصاص أو الألعاب النارية وجد نفسه مطالباً بدفع مبالغ إضافية تضاف إلى اعباء وتكاليف العرس وتثقل كاهل العريس.. موكب عرائسي مهيب ابراهيم «رجل مرور» يرى من جانبه أن طوابير السيارات التي تسير بموكب العرس عبر شوارع وأحياء المدينة هي الأخرى التزامات تفرغ جيب العريس عن آخره فالقليل من الناس من يستطيع جمع عدد من السيارات دون أن يدفع شيئاً أو يدفع حق القات أو حق البترول في اضيق الحدود لكن هناك من العرسان من هو على قدر الحال وإمكاناته لاتسمح له بأن يرص السيارات الفارهة في موكب عرائسي مهيب ورغم ذلك يجد نفسه مجبراً على استئجار سيارات وبمبالغ كبيرة..والأدهى من ذلك أن كثيراً من مواكب الزفاف يصاحبها وقوع حوادث مرورية إما بسبب السرعة الزائدة أو الرغبة في سباق الآخرين وتجاوزهم أو بسبب أن الحمولة تكون من الأطفال صغار السن هذا بجانب ما يصاحب هذه المواكب من حركات وتجاوزات لآداب وقواعد المرور.. الله يرحم أيام زمان إزاء هذا الوضع لايملك الكثيرون إلا الترحم على أيام زمان كما ذهب إلى ذلك الأخ شرف نعمان «موظف» حيث قال: في السابق لم يكن هناك ما يمنع أي إنسان من الإقبال على الزواج بمجرد الرغبة في ذلك وبمجرد الحصول على شريكة العمر.. فالمهور كانت على قدر الحال والتكاليف بسيطة وغير معقدة كما أن نمط الحياة في تلك الأيام كان بسيطاً وليس هناك غير الرحمة والتعاون والتكافل فيما بين الناس...حتى أولياء الأمور في تلك الأيام كان همهم هو أن يستروا ابناءهم وبناتهم ويمكنوهم من الالتقاء بالحلال..لم يكن هناك مهور غالية أو حق الأم أو حق الخال أو ماشابه.. كما لم يكن هناك حق «المنقّشة» أو حق الكوافيرة أو الصالة أو غيرها.. كانت الأمور تجري على طبيعتها وكل شيء يشجع على الإقبال على الزواج حتى الحياة الزوجية كانت مباركة ولم يكن هناك كما هو حاصل هذه الأيام خلافات وتوترات...لاشك هناك قيم وعادات جديدة وافدة من الشرق أو من الغرب وكل هذه المظاهر والعادات لاتكون صالحة إلا في مجتمع يعيش حالة من الترف والغنى بحيث إن الإسراف في الانفاق على متطلبات العرس لايمثل أية مشكلة...لكن في مجتمع يعاني الكثيرون فيه البطالة والفقر يتوجب إعادة النظر في هذه المظاهر والعادات حتى لانجد أنفسنا يوماً ما غير قادرين على فعل شيء حيث تتوارى القيم والعادات الحميدة أمام أعيننا دون أن نحرك ساكناً.. سلطة العادات والتقاليد من وجهة نظر علم النفس الاجتماعي فإن عادات المجتمع وتقاليده تشكل حجر الزاوية في هذه المشكلة حيث توضح الاستاذة /ابتهال «اختصاصية اجتماعية» أن المجتمع الذي تعود على مجموعة من العادات والسلوكيات من الصعب عليه أن يتنازل عنها بسهولة خاصة إذا ما تعامل معها باعتبارها مسلمات لاتقبل الجدل أو النقاش..فغلبة المظاهر الخادعة هنا يتحول إلى مقياس اجتماعي لبيان مدى القدرة على تقديم مايتم تقديمه اجتماعياً في مناسبات كهذه.. بحيث يعتبر أي تقصير خروجاً عن عرف المجتمع وتقاليده وقد يتسبب بحدوث مشاكل وخلافات بين الطرفين.. ..الاستاذة ابتهال تؤكد هنا أهمية التوعية لتغيير آراء وقناعات الناس فيما يخص الزواج وعاداته وتقاليده وتكاليفه كذلك...وترى أنه لابد من تضافر مختلف الجهود الرسمية والشعبية وجهود الإعلام ومنظمات المجتمع المدني للحد من غلاء المهور والتقليل من مظاهر وتكاليف الأعراس قدر المستطاع.. آثار سلبية وتحذر الاستاذة ابتهال من أن عدم العمل على تجاوز هذه المشكلة سيؤدي إلى تفاقمها مستقبلاً أكثر فأكثر بحيث يتوسع نطاقها ويصبح من غير الممكن معالجتها أو السيطرة عليها.. مشيرة إلى أن هناك آثاراً سلبية ترافق هذه المسألة منها ماهو ذاتي ومنها ماهو اجتماعي وأسري..فغلاء المهور وكثرة مصاريف الزواج يؤدي إلى عزوف الكثيرين عن الزواج وبالتالي يؤدي إلى زيادة نسبة العنوسة..إضافة إلى ذلك هناك أيضاً موضوع في غاية الأهمية وهو مايرتبط بأخلاقيات الشباب حيث يلجأ الكثيرون منهم إلى الانحراف واشباع رغباتهم بطرق غير شرعية وهو ما يتسبب في اتساع نطاق الجريمة وانهيار قيم واخلاقيات اجتماعية مهمة في تقوية اواصر المجتمع وتعزيز هذه الأواصر بما يؤدي في نهاية المطاف إلى بناء مجتمع متماسك ومحاط بمنظومة أخلاقية تحميه من السقوط في الهاوية. حالات نفسية وعصبية علاوة على ماسبق ترى الاستاذة ابتهال أن عدم قدرة الشاب أو الشابة على الزواج وبلوغ أي منهم مرحلة متقدمة من العمر يتسبب له في الاصابة بحالات نفسية وعصبية قد تؤدي في النهاية إلى شل قدرته على الاستمرار في الانصياع لعادات ومطالب الأسرة والمجتمع كما قد تؤدي بالبعض إلى الثورة على مجتمعه ورفضه نفسياً بحيث يصعب بعد ذلك الحفاظ على التواصل المطلوب. واجب ديني وعن موقف الدين من هذا الموضوع يقول الشيخ عبدالله عبدالكريم «إمام مسجد» :إن الإسلام يقرر منذ البداية أن الزواج واجب وأن الحياة الزوجية علاقة مقدسة وذات أهداف وغايات دنيوية وأخروية..وكل مايؤكده الإسلام هنا جملة من الشروط الواجبة لإتمام الزواج وكلها تتعلق بالجوانب النفسية والاخلاقية. ..أما الجانب المادي فقد كان الإسلام حريصاً على التأكيد بالقدرة على الانفاق أما ما يتعلق بالمهور فإنه لايتحرج من القول:«ولو خاتم من حديد» وكذا التأكيد أن «أبرك الزواج أيسره». ..وهو في كل الحالات يدعو أولياء أمور الشباب والشابات إلى تبسيط المطالب ويقرر وبكل يقين بقوله سبحانه « إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله» وقوله تعالى «فنظرة إلى ميسرة» ..وهكذا بحيث تبدو قاعدة الممكن هي أساس الانطلاق في التعامل مع قضية الزواج. دعوة إلى الخير وأنا هنا أدعو الآباء إلى أن يتقوا الله في ابنائهم ولايتعاطوا معهم وكأنهم سلع خاضعة للبيع والشراء فغلاء المهور لايعكس إلا جشع وطمع البعض ليس إلا..والطمع ليس من الإسلام في شيء ..كما أن هناك عادات وسلوكيات ومظاهر تثقل كاهل العريس وهذا ايضاً بحاجة إلى أن نراجع أنفسنا فيه «لايكلف الله نفساً إلا وسعها» «ومن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عليه كربة من كرب يوم القيامة» فما بالك حين يكون الأمر متعلقاً بالزواج وهو نصف الدين والعاصم من الوقوع في الرذيلة والمعصية..فيجب على والد العروس أن يطلب المهر المناسب لإبنته ويترك بقية المتطلبات لقدرة وكرم العريس ولاداعي للتفاخر والإسراف فكل ذلك ضرره أكثر من نفعه والله أعلم.