- د.علي محمد المخلافي في كتابه «مشكلة الثقافة» يناقش المفكر المشهور مالك بن نبي أثر الثقافة في سلوك الانسان في محيطه الاجتماعي، وكيف تشكل الثقافة سلوك الفرد من الناحية الأخلاقية والفكرية والجمالية ، وفي الموضوع الجمالي يؤكد العلماء ان الصورة القبيحة لا يمكن ان توحي بالخيال الجميل أو بالأفكار الكبيرة فإن لمنظرها في النفس خيالاً اقبح والمجتمع الذي ينطوي على صورة قبيحة لابد ان يظهر أثر هذه الصورة في أفكاره وأعماله ومساعيه، ولقد دفعت هذه الملاحظة كل من عنوا بالنفس الاجتماعية من علماء الاخلاق من أمثال الغزالي إلى دراسة الجمال وتأثيره في الروح الاجتماعية. وقد خلصت دراساتهم كما يقول مالك بن نبي إلى انه لا يمكن تصور الخير منفصلاً عن الجمال، فالفرد يكون أفكاره من إطاره الاجتماعي الذي يوحي للفرد بهذه الأفكار ويطبعها بطابعه الخاص من الذوق الجميل أو السماجة المستهجنة.. فبالذوق الجميل الذي ينطبع فيه فكر الفرد يجد الانسان في نفسه نزوعاً إلى الاحسان في العمل وتوخياً للكريم من العادات. ولعل من الواضح لكل انسان أننا أصبحنا اليوم نفقد ذوق الجمال، ولو انه كان موجوداً في ثقافتنا إذن لسخرناه لحل مشكلات جزئية تكون في مجموعها جانباً من حياة الانسان. ويضرب مالك بن نبي مثالاً على ذلك الطفل الذي يلبس ثياباً باليةً قذرة ان مثل هذا الطفل الذي يعيش في تلك الثياب القذرة يحمل في المجتمع صورة القبح والتعاسة معاً بينما هو جزء من ملايين العقول التي تحرك التاريخ لكنه لا يحرك شيئاً لأن نفسه قد دفنت في أوساخه ولن تكفينا عشرات من الخطب السياسية لتغيير ما به من القبح وما يحويه من الضعة النفسية والبؤس الشنيع. فهذا الطفل لايعبر عن فقر المجتمع الذي يعيش فيه بل عن تفريط المجتمع بحياته، فالثياب القذرة أصبحت سجناً لنفس الطفل وقتلت كرامته وهي بجانب انها لا تقي الطفل الحر والبرد فإنها لاتستدر في الانسان شفقة بل تثير فيه اشمئزازاً وذلك بتأثير الصورة الشنيعة والرائحة الكريهة والألوان المتنافرة. ان دستور الجمال في النفس الانسانية لا يكتفي بوصف منظر الطفل بأنه منظر قبيح بل يعمل على الحل والمعالجة الممكنة وهذه المعالجة تكون معالجة متدرجة فنحن نأخذ الطفل إلى الماء ليغسل ثوبه وجسمه ثم نعلِّمه كيف يمشي معتزاً بنفسه من غير تكبر على الناس وهو بهذا يكون قد أصبح طفلاً فقيراً يسعى لرزقه ونجد فيه صورة للفقر والكرامة بل تلك الصورة التي كانت تعكس القبح والجهالة ولا شك ان هذا مثال يعكس اثر الجمال في المجتمع بصورة مبسطة جداً. ولا شك ان هذا الاثر يمتد إلى كل دقيقة من دقائق الحياة فيشمل أذواقنا في الموسيقى والملابس والعادات وطريقة تنظيم بيوتنا وتمشيط أولادنا ومسح أحذيتنا وتنظيف ارجلنا وغير ذلك. ان الإطار الاجتماعي بكل تفصيلاته متصل بذوق الجمال الذي يرادف الخير، بل ان الجمال هو الإطار الذي تتكون فيه أية حضارة فينبغي ان نلاحظه في أنفسنا كما ينبغي ان نتمثل في شوارعنا وبيوتنا ومقاهينا ومكاتبنا مسحة الجمال التي يرسمها مخرج رواية في منظر سينمائي أو مسرحي. يجب ان يثيرنا أقل نشاز في الأصوات وفي الروائح والألوان كما يثيرنا منظر مسرحي سيء الأداء، ان الجمال هو وجه الوطن في العالم، فلنحفظ وجهنا لكي نحفظ كرامتنا ونفرض احترامنا على جميع من ندين لهم بالاحترام. هذا جزء من نظرة المفكر مالك بن نبي إلى الثقافة واثرها في المجتمع. وللحديث بقية.