توشك العلاقات الإنسانية في الحضارة الإسلامية، أن تكون كلها نابعة من قيم الجمال، وتهدف إلى غايات جمالية “فيمتلك المجتمع الإسلامي ثروة قيمية وجمالية وحضارية عظيمة” ، ويفترض أن تتجسد هذه القيم الجمالية في الأخلاقيات الفردية والقيم الاجتماعية، والعلاقات الإنسانية، على أساس التناسق والنظام والسمو. السلوك الإنساني فن رفيع، له أصوله وقواعده، مثله مثل أي فنٍ إبداعي، وحري بالإنسان أن يتقنه، فينعكس تذوقه للجمال في كل جزئية من جزيئات حياته؛ لأن الفرد المتمثل لقيم الجمال، يستفزه كل نشاز أو قبح في محيطه البيئي والاجتماعي، فالإحساس بالجمال ترتبط به مجموعة من الخلال الفاضلة، مثل النظافة وسمو النفس والترفع عن الدنايا وعلو الهمة، فالأخلاق الجميلة تزيد الإنسان الجميل جمالاً، حين يتحلى بها، والله تعالى قد أمر الإنسان أن يكون محسناً، متحلياً بالسلوك الجميل في كل علاقاته وأقواله وأفعاله، وعلاقاته. (الطيبون للطيبات)، والكلمة الطيبة تلائم الذوق الجميل، وتلائم الفطرة السليمة، ويستجيب لها الذوق الإنساني الرفيع، ولذلك قال الله تعالى: “وقولوا للناس حسناً” (البقرة : 83)، ومن ذلك قوله عز وجل ، مخاطباً موسى وهارون - عليهما السلام - للذهاب إلى فرعون : “فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى” [طه: 44] ، فالكلام الجميل، كما تشير إليه الآية الكريمة ، هو الوسيلة المثلى للتعامل مع الناس، وحتى مع الخصوم. إن التحلي بالذوق الجمالي- قولاً وعملاً - يهذب عواطف وأفكار الأفراد، فتخف مظاهر العداوة والصراع الاجتماعي، في عصر نفتقر فيه للجمال؛ نتيجة لعوامل كثيرة، ولا سبيل إلى مقاومة ذلك إلا بالارتقاء القيمي وبالذوق الجميل، وخصوصاً في مجتمع كالمجتمع اليمني، الذي يعاني مشاكل اقتصادية واجتماعية وثقافية كثيرة، كما يتسم بتعدد الفئات والطوائف الاجتماعية، ونظراً لأهمية الجمال القصوى في الحضارة المعاصرة، وفي عصر التكنولوجيا والتقدم العلمي، إذ صار الجمال مكوناً أساسياً في كل منتجاتها؛ وكما رأى شيللر “ فالتدريب على التذوق الجمالي هو الحاجة الماسة والملحة في عصرنا ؛ لأنه يعد وسيلة لإيقاظ روح التحسن والفهم والتجديد والإبداع”. لقد عبر فيشر عن هذا المعنى بدقة ووضوح بقوله : “الفن وسيلة لإيجاد التوازن بين الإنسان والعالم الذي يعيش فيه؛ ونظراً لطبيعة الفن وضرورته، فهو ضرورة في المستقبل، كما كان ضرورة في الماضي”. هذا ما يجعل للثقافة والتربية الجمالية الدور الأسمى، وهو ما جعل الحياة أكثر جمالاً ونظاماً واتزاناً، ومن ثم إمتاعاً، كون الجمال ضرورة إنسانية، ولارتباط القيم الجمالية والذوق الجمالي بمعنى الحضارة ارتباطاً وثيقاً؛ فالثقافة والتربية الجمالية تعد ضرورة مجتمعية، لها دور أساسي مهم وبارز في التحضر الإنساني . 1 فريدريش شيللر : في التربية الجمالية للإنسان ،ترجمة: وفاء محمد إبراهيم ، مرجع سابق ، ص43. 2 أرنست فيشر: ضرورة الفن، ترجمة أسعد حليم، مرجع سابق، ص13 . رابط المقال على الفيس بوك