«2» الإسلام لا يبيح الفنون فقط، بل يمجّدها. المتتبع لحركة الفن الإسلامي، وبالأخص الفنون الإسلامية البصرية، كالعمارة والزخرفة والمنمنمات والخط وغيرها من الفنون الجمالية، يجد أن ازدهارها تم في حاضنة الإسلام، وارتبط بفن عمارة المساجد وتزيينها، فالحضارة الإسلامية، وحضارة اليمن في العصور الإسلامية إحدى حلقاتها، قد زخرت برصيد فني عظيم في شتى مجالات الفنون البصرية كالعمارة والزخرفة. إلا أن فنوناً كالرسم والتصوير والموسيقى تخلفت كثيراً عن ركب الحركة الفنية التي ازدهرت لدى بعض الحضارات الأخرى، ومن عوامل هذا التخلف الموقف المتشدد لبعض فقهاء الإسلام من هذه الفنون، مستندين إلى بعض أحاديث الرسول، كقوله (ص) : “إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله”، وفي قوله (ص): “إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون” ،حيث وقف بعض فقهاء السلف المتشددين موقف المنع والتحريم لفنون الرسم والتصوير والنحت، وكذلك وقفوا موقف التحريم للفنون الموسيقية والغنائية. أدت هذه القضية الخلافية إلى أن توهّم بعض الناس أن هناك خصومة بين الإسلام وبين الجمال، تدعو المسلمين إلى التجهم في النظرة إلى الحياة، وإدارة الظهر إلى ما في الكون من آيات البهجة والزينة والجمال ، «ما أثر سلباً على مسيرة الفنون الجميلة والوعي الجمالي في المجتمع العربي الإسلامي، والذي لازال يعاني تخلفاً واضحاً في الحركة الفنية والجمالية، وعلى الأخص الفنون التشكيلية والموسيقية إبداعاً وتذوقاً». إن الإسلام دين الجمال، ومعجزته الجمال، ويدعو إلى إرهاف الحس والوجدان والإقبال على الجمال ..! وهذا ما أكد عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله :” إن الله جميل يحب الجمال” ، وفي قوله تعالى: “قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق” [الأعراف:33].وفي قوله تعالى أيضا : “ يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد” [الأعراف:31] ، فالإنسان في حاجة إلى أن يشبع أحاسيسه الجمالية التي فطره الله عليها، والى تذوق الجمال وإبداعه، وان يستعمل حواسه وقلبه لاستشعار الجمال في الكون وفي العلاقات الإنسانية . والمجتمع اليمني مجتمع متدين ولا زال مجتمعاً تقليدياً، محافظاً إلى حدٍ كبير على عاداته وتقاليده، حيث تبرز فيه مجموعة من القيم الاجتماعية والعادات والتقاليد التي تؤثر سلباً في نظرة المجتمع للفن، وغالباً ما تكون انعكاساً لنظرة دينية متشددة تجاه كثير من أنواع الفنون الجميلة والجماليات عامة، وغيرها من الجوانب الثقافية والحضارية، مما ينتج عنه ضعف مستوى الذوق الجمالي لدى المجتمع اليمني . ولعل ما يسهم في ذلك ارتفاع نسبة الأمية لدى الشعب اليمني التي تصل إلى(45 %) من مجموع عدد السكان ، ونسبة أمية عالية كهذه تؤثر سلبياً على ثقافة المجتمع ووعيه الجمالي وعلى نظرته للفنون والقيم الجمالية عامة، وانعكاس ذلك على الذوق الجمالي للمجتمع اليمني بشكل عام . ... 1 الإمام البخاري : صحيح البخاري، ج4، ط2، بيروت، المكتبة العصرية ، 1997، ص1885 . 2 محمد عمارة : الإسلام والفنون الجميلة، مرجع سابق، ص13 . 3 الإمام مسلم : صحيح مسم، ج2، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1995، ص89 4 - الجهاز المركزي للإحصاء : صنعاء ، النتائج النهائية للتعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت 2004 ، 2006 ، ص 135. رابط المقال على الفيس بوك