توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    4 إنذارات حمراء في السعودية بسبب الطقس وإعلان للأرصاد والدفاع المدني    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    الرقابة الحزبية العليا تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    الاحتلال يواصل توغله برفح وجباليا والمقاومة تكبده خسائر فادحة    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    صعقة كهربائية تنهي حياة عامل وسط اليمن.. ووساطات تفضي للتنازل عن قضيته    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    انهيار جنوني للريال اليمني وارتفاع خيالي لأسعار الدولار والريال السعودي وعمولة الحوالات من عدن إلى صنعاء    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي رؤية استراتيجية
نشر في الجمهورية يوم 12 - 01 - 2007


- د.عبدالجليل عبدالفتاح الصوفي ..
إن الوضع الإقليمي والعالمي الذي كان سائداً في نهاية السبعينيات من القرن العشرين ،وإن الظروف الحساسة التي تشكلت في منطقة الخليج العربي في هذه الفترة على وجه الخصوص ومنها قيام الثورة الإيرانية وفكرة تصديرها،واندلاع الحرب العراقية الإيرانية والغزو السوفيتي لأفغانستان ومطالبة إيران بضم البحرين،قاد الاستراتيجيين والقادة الخليجيين معا إلى التفكير في إعادة النظر في طبيعة الإمكانيات الاستراتيجية والدفاعية والأمنية والاقتصادية لدولهم بصورة جماعية،فتم التوصل إلى حقيقة مفادها"لايمكن لهذه الدول أن تواجه التحديات التي تحيط بها مالم تجمع كل تلك القدرات والإمكانيات معاً ،الأمر الذي جعل الشيخ جابر الأحمد الصباح«رحمه الله تعالى» أمير دولة الكويت حينها والسلطان قابوس سلطان عمان يفكران في قيام نشوء تجمع إقليمي يسهم في حماية هذه الكيانات من المخاطر والتحديات المستقبلية الإقليمية منها والدولية،وجاءت من بعد ذلك مساندة كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين وقطر.
وفي مطلع الثمانينات وتحديداً في مايو1981م أعلن عن قيام مجلس التعاون الخليجي في قمة أبوظبي التي انعقدت في 26مايو1981م.. وهكذا أصبحت هذه المنطقة منضوية تحت تجمع اقليمي يكفل لها حداً معقولاً من الحماية الأمنية والعسكرية بالدرجة الأولى ويحقق لها مزيداً من التقارب والتكامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بين شعوبها.. وبالرغم من أن عمر هذا التكتل الإقليمي قد ناهز الربع قرن «19812006م» ،إلا أنه لم يكن في كل أحواله قادراً على مواجهة التحديات والمخاطر التي واجهته بشكل منفرد،مما اضطره لطلب المساندة الإقليمية والدولية معاً.. وان المستشرف لمستقبل دول المجلس يستطيع التكهن بأن القادم من السنين ربما تكون مملوءة بما هو أخطر وأعنف وأشد وخاصة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003 والاعتداء الصهيوني على لبنان في 2006م وهنا تكمن الأهمية الاستراتيجية لليمن بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي من خلال ماتحتويه من إمكانيات وقدرات قد تعزز من القوة الاستراتيجية والجيوبوليتيكية لدول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام.ولكي نتوصل إلى إبراز هذه الرؤية
سنقوم بمناقشة النقاط الآتية:
أولاً:المحددات الاستراتيجية لإنشاء مجلس التعاون الخليجي.
ثانياً:إمكانات اليمن الطبيعية والبشريةالمؤهلة للانضمام لمجلس التعاون الخليجي.
ثالثاً:القوى الداخلية والخارجية المؤثرة في صنع القرار في اليمن والخليج ونظرتها لانضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي.
رابعاً:الأوضاع الإقليمية والدولية منذ أحداث سبتمبر 2001وتأثيراتها المحتملة على مستقبل المجلس.
أولاً:المحددات الاستراتيجية لإنشاء مجلس التعاون الخليجي:
لقد ارتبط إنشاء وقيام مجلس التعاون الخليجي بمجموعة من الظروف وحزمة من الأحداث والمتغيرات التي كان لها دور كبير ومؤثر في نشأته كإطار للتطوير والتعاون والتكامل بين أعضائه«1»على المستوى العلني،لكن حقيقة انشاء المجلس على مايبدو كان بدوافع ومحددات أخرى سنشير إليها على النحو الآتي:
1 المحدد الأمني «الأمن القومي الخليجي»:
تكتسب قضايا الأمن القومي وتقنيات العمل السياسي أهمية بالغة ومتزايدة في عالم اليوم،وربما يعزى ذلك لإنعكاساتها على مجالات مختلفة داخل الدولة أو الإقليم السياسي.
فمن المعروف أن الأمن القومي يعني:تأمين كيان الدولة منفردة أو مجتمعة أي في ظل تكتل ماضد أي أخطار محتملة قد تهددها على المستوى الداخلي أو الخارجي .بالإضافة إلى تهيئة الظروف لتحقيق أهدافها الاستراتيجية القومية مع مراعاة المتغيرات الدولية وأخذها بعين الإعتبار.
ومن الثابت أن عموم دول مجلس التعاون تعاني من نقاط وهن وضعف جيوبوليتيكية عديدة أغرت القوى الأقليمية على استثمارها ضدها بشكل جدي وعملي، الأمر الذي جعل هذه الدول أي الخليجية تعمل على الحد من نشاط هذه القوى وتحجيمها عبر عدة سياسات أبرزها الانضواء ضمن تكتل إقليمي يلملم ويجمع مكنونات القوة في الدول الست في كيان اقليمي واحد هو المجلس.
لذا فمن الطبيعي أن تتخوف العديد من دول مجلس التعاون الخليجي من تدفق العمالة الإيرانية الباحثة «ظاهرياً» عن فرص العمل،كما أن من الطبيعي أن تتخوف هذه الدول من استمرار احتلال الجزر الإماراتية الثلاث«أبوموسى والطنب الكبرى والصغرى» و من المطالبة المستمرة بدولة البحرين الدولة العضو في المجلس لضمها إلى مجالها الحيوي،كما إن هذه القوى تسعى إلى فرض الهيمنة الإقليمية بأساليب وأشكال مختلفة ومتنوعة منها ماهو مباشر وآخر غير مباشر،والأمر الذي زاد من تجسيم الهاجس الأمني في أذهان الخليجيين هو رغبة الأطراف الدولية الفاعلة في الاستحواذ على النفط والغاز الخليجي واللذين يعدهما الغرب قضية استراتيجية في حياتهم بل وعصب الحياة بالنسبة لهم.
كل ذلك على مايبدوا قاد الزعماء والسياسيين وصناع القرار في الدول الست إلى الإسراع في إعلان قيام المجلس لتلافي التهديدات والتحديات والمخاطر قبل وقوع مالا يحمد عقباه.
وتجدر الإشارة هنا إلى القول إن الجمهورية اليمنية تستطيع الإسهام في توفير الأمن القومي الخليجي من خلال موقعها الاستراتيجي وإمكانياتها الأمنية.
وقد استشعر الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي عبدالله بشارة عام 1983 أهمية اليمن الاستراتيجة بقوله"أمن الخليج وأمن اليمن لايمكن فصلهما،لأن اليمن شمالاً وجنوباً امتداد طبيعي لهذا الخليج،وأنه مهما كانت الاجتهادات السياسية فإن منطق الأخوة ومنطق المصلحة المشتركة ومنطق المصير سيفرض نفسه".
2 المحدد العسكري:
لقد كان لخروج بريطانيا من الخليج العربي أثرٌ كبير على خلق مناخ تنافسي بين القوى العظمى على تأمين مواقع استراتيجية تؤمن مصالحها ونفوذها وفي مقدمة تلك القوى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي سابقاً وفرنسا.
ولقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى إلى حشد وتكثيف تواجدها العسكري في منطقة الخليج العربي من خلال أساطيلها وقواعدها وجنودها المتمركزة حالياً في الخليج وبأعداد كبيرة،وتجدر الإشارة هنا إلى الدور الذي قام به كل من كارتر وريغان في نشر القوات الأمريكية في المنطقة بالإضافة إلى انشائهم وحدات الانتشار السريع والتي سميت بعد ذلك بالقيادة المركزية، حيث يتابع الإستراتيجيون والعسكريون تحركات الأسطول الأمريكي في الخليج بشكل دائم بعد احتلال العراق وبروز مصطلح محور الشر والمقصود بها أساساً إيران وسوريا.
أما التواجد السوفيتي فقد ارتبط بأحداث عسكرية كبيرة منها احتلال افغانستان وقيام الحرب العراقية الإيرانية وقيام الثورة الإيرانية،الأمر الذي أتاح للاتحاد السوفيتي سابقاً نشر قطعه البحرية في تخوم الخليج وهو ماكان ترجمة لمقترحات برجينيف الرامية إلى الإسهام في تأمين منطقة الخليج الغنية بالنفط من التهديدات،الأمريكية والأوروبية.
إن دول مجلس التعاون الخليجي كانت قد استشعرت المخاطر الاستراتيجية العسكرية والتي كانت ترمي بالأساس إلى تطويقها بطوق عسكري محكم بصورة منفردة،وخاصة إذا ماعلمنا هشاشة المؤسسات العسكرية لدول المجلس في تلك الفترة من حيث عددها أو نوعها.
لذا جاء الرد على ذلك التواجد العسكري من خلال قيام هذا المجلس وبحثه عن صيغة دفاعية جماعية عسكرية تمثلت بعد ذلك بإنشاء درع الجزيرة،وبرغم الإعلان عن تشكل درع الجزيرة العسكري لحماية المجتمعات الخليجية من التهديدات العسكرية إلا أن كل ذلك لم يخلق الاستقرار النفسي والقدرة على صد أي عدوان محتمل من قبل القوات الاقليمية أو الأجنبية المحتشدة قبالة سواحل الخليج العربي وهو ما يشكل نقطة ضعف استراتيجية في الجسد الخليجي يصعب معالجته بدون اليمن،وخاصة إذا ما علمنا محدودية الحجم السكاني الذي تستطيع تلك الدول أن تستخرج منه جيشاً ضخماً ومجهزاً بشكل جيد في حماية الحدود والثغور.
3- المحدد الثقافي:
لم يكن المحدد الثقافي غائباً عند إنشاء المجلس فالدين الإسلامي،يحث معتنقيه على التوحد والتكاتف والعيش الجماعي،كماينبذ في الوقت نفسه فكرة الانعزال والعيش الأحادي ،من خلال كثيرمن الآيات القرآنية الرامية إلى ذلك.
وطالما أن فكرة توحد المسلمين اليوم أصبحت مطلباً عقائدياً واستراتيجياً لمواجهة التحديات والمخاطر الصهيونية والصليبية،فإن آلية تطبيقها مرحلياً يجب أن تتحقق أولا على المستوى الدولي،ومن المفترض أن تتبعها خطوات ضم دول جوارها الجغرافي إلى تكتلهم ليزداد المجلس قوة وصلابة وليكون أكثر قدرة وقوة على مواجهة التحديات.
4 المحدد الاقتصادي والسياسي:إن امتلاك دول المجلس لثروات نفطية وغازية كبيرة انعكس حتماً على الإطار الذي من أجله أنشئ المجلس،لذا كان تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس أحد دوافعه الرئيسية.
أما المحدد السياسي فقد كان يهدف إلى تحقيق انسجام في القرارات والمواقف والتوجهات العامةوفي السياسة الخارجية ،بحيث يكون الموقف موحداً ،وهو ما نلمسه من خلال التنسيق تجاه العديد من القضايا العربية والدولية،وبرغم حدوث بعض التناقضات التي قد تنشأ بين الحين والآخر إلا أن إجمالي المواقف الخليجية موحدة ومتطابقة.
ثانياً:إمكانات اليمن «الطبيعية والبشرية» المؤهلة للانضمام لمجلس التعاون الخليجي
إن مناقشة إشكالية من هذا النوع في غاية الأهمية من وجهة نظرنا المتواضعة .لذا سنطرح التساؤل الآتي:هل لليمن قدرات وإمكانيات تسمح لها في تعزيز قدرات وإمكانيات دول مجلس التعاون الخليجي وتؤهلها للانضمام؟وهل لليمن رؤية استراتيجية بهذا الخصوص؟وللإجابة على ذلك نشير إلى الآتي:
إن جغرافية اليمن السياسية ربما تكون قد أهلتها من الناحيتين الطبيعية والبشرية لأن تلعب دوراً مركزياً في تعزيز قدرات وإمكانات دول المجلس الست وذلك من خلال المزايا الآتية:
1مزاياالموقع الجغرافي لليمن:
للموقع في الجغرافيا السياسية مضمون شمولي،لأن هناك عدة أنواع من المواقع يفسر كل واحد منها حالة معينة ويخدم هدفاً معيناً،وتقع اليمن في الركن الجنوبي الغربي من آسيا العربية،فهي تحتل الزاوية الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة العربية وقد أتاح لها هذا الموقع إمكانية تقديم فوائد جمة لدول مجلس التعاون الخليجي من ضمنها الآتي:
أأصبحت همزة الوصل بين القارة الافريقية ودول شبه الجزيرة العربية.
ب أصبحت ظهيراً آمناً لكل من السعودية وسلطنة عمان بدرجة أساسية، وبقية دول المجلس بدرجة ثانية، وذلك من خلال مساهمتها في حمايتهما لحدودهما البرية الجنوبية بالنسبة للسعودية والغربية بالنسبة لسلطنة عمان.
ج أسهم انفتاح اليمن عبر السواحل المطلة على البحر العربي وخليج عدن والمحيط الهندي والبحر الأحمر في تفادي العديد من المشكلات الجيويولتيكية التي قد تواجه دول المجلس مستقبلاً ومن تلك المشاكل المحتملة الآتي:
مشكلة تأمين طرق نقل النفط الخام الخليجي للأسواق العالمية: فمن المعروف أن الخليج العربي هو المعبر الرئيسي بل الوحيد لتصدير النفط الخليجي إلى الأسواق العالمية، وفي ضوء اعتبار النفط أهم سلعة تمثل مصدراً أساسياً للدخل القومي بالنسبة لاقتصاديات دول الخليج المنتجة له والمصدرة أيضاً، وفي ضوء أعتبار هذا المورد يمثل القاطرة التي قادت الاقتصاد الخليجي إلى مستويات غير معهودة من الرفاهية والتنمية، فإن أي أذى يلحق به وبتهديد طرق نقله سيعرض دول مجلس التعاون الخليجي، لاسمح الله، إلى كارثة وخاصة في ظل تزايد مصادر التهديدات المحتملة لهذا المورد والمتمثلة في الوجود العسكري الأجنبي المكثف في مياه الخليج العربي والمنطقة البرية الخليجية.
والخطر الصهيوني المحدق بالمقدسات الإسلامية في الخليج وبالشعوب الإسلامية عامة.
وتأسيساً على ماسبق فإن اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي على صادرات النفط الخام والذي بدون شك سيسهم إسهاماً فاعلاً في تمويل تلك الدول بالعملات الأجنبية وسيجعل من حدوث حصار إقليمي أو دولي عليها أو نشوب حرب محتملة في المنطقة له تأثيره المباشر على تدفق واستمرار التصدير لهذه السلعة الاستراتيجية، وخاصة إذا حدثت حرب ضد الناقلات النفطية في الخليج العربي بين القوى المتحاربة، كالتي حدثت سابقاً بين العراق وايران، عندما بدأ كل طرف بتفجير ناقلات نفط الآخر، وفي ظل التصعيد السياسي الأخير بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران حول مفاعلاتها النووية يصبح الأمر أكثر خطورة.
ويتمثل دور اليمن في تجنيب دول المجلس هذه المخاطر عبر تقديمه تسهيلات تسمح بإنشاء خطوط أنابيب لتصدير النفط الخليجي عبر الموانئ والسواحل اليمنية التي تقع قبالة السواحل الجنوبية لليمن في كل من محافظتي المهرة وحضرموت، اللتين تسمح ظروفهما الطبيعية بتحقيق هذه الاستراتيجية الحامية للنفط وبذلك يأمن الخليجيون على أنفسهم وعلى نفطهم من تلك المخاطر والتهديدات، والتي واجهت بالفعل العراق في السابق حيث لجأ حينها إلى تجاوز تلك الأزمة عبر مد خطوط متعددة من أنابيب النفط عبر الموانئ السورية والأردنية والتركية والسعودية في وقت متأخر لكن المشروع مع السعودية لم يكتمل بسبب احتلال العراق للكويت ودخول الاقليم كله في أزمة مازالت تداعياتها إلى الآن.
وتجدر الإشارة إلى أن مبادرة مدروسة كهذه من قبل اليمن ستعزز من وضعه الإقليمي وستجعل الخليجيين يشعرون أن استمرار تدفق نفطهم إلى الأسواق العالمية في حالة الأزمات لن يتم إلا عبر البوابة البحرية لليمن.
2 مزايا تنوع الموارد الطبيعية في اليمن:
إن مساحة اليمن البالغة أكثر من نصف مليون كم 000.555كم، قد تؤدي إلى تزايد احتمالات توفر أكثر من مورد طبيعي وهذا ماهو موجود بالفعل، ولما كانت اليمن غير قادة على استثمار تلك الموارد لظروف موضوعية وذاتية فإن الفرصة كبيرة أمام رؤوس الأموال الخليجية لتعويض ذلك الخلل والاستفادة من تلك المزايا التي تقدمها بيئة اليمن الطبيعية.
وإذا كانت الفترات السابقة قد هيأت الفرصة أمام رؤوس الأموال الخليجية للخروج إلى أقاليم كانت تبدو أكثر أمناً واستقراراً فإنها أصبحت اليوم غير ذلك تماماً، بل إن الشيء الجدير بالاهتمام أن المستثمر الخليجي لم يعد قادراً على استرداد أمواله التي في الخارج متى شأ وحينما يريد.
وهنا يثار تساؤل ماذا لو خصص المستثمرون الخليجيون جزءاً من استثماراتهم في بلد مجاور لهم كاليمن في الوقت الذي تتهيأ العديد من الظروف لتلك الاستثمارات، وتجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من الفرص المتاحة التي تحقق ذلك ومنها الآتي:
أ الاستثمار في القطاع الزراعي:
تسهم الأرض الزراعية إسهاماً فاعلاً في حل مشكلة العجز بتأمين الغذاء، وتشكل المساحة الصالحة للزراعة في اليمن حوالي 3% من إجمالي مساحتها العامة بينما تشكل المساحة الصالحة للزراعة في دول مجلس التعاون الخليجي الستة مجتمعة حوالي 3% أي نفس النسبة تقريباً وهنا تبرز القيمة الحيوية والفعالة للأرض الزراعية في اليمن في حالة استثمارها من الممكن إذا ما توافرت الظروف المناسبة فإنها ستسهم في التقليل من الفجوة الغذائية الخليجية.
والشيء الجدير بالذكر أن أغلبية دول المجلس تعاني من نقص في المواد الغذائية لكونها منطقة صحراوية مناخياً وذات مساحة قليلة من الأرض الصالحة للزراعة، كما أنها تعاني من نقص في الموارد المائية، وهذا الأمر الذي ينبغي أن يفكر فيه الخليجيون ملياً، أي عبر الاستفادة من الإمكانات الطبيعية «الزراعية» التي تتوفر في اليمن.
كما يجب أن لايغيب عن بالنا أن الميزان التجاري للسلع الزراعية في جميع دول المجلس على الدوام يسجل عجزاً كبيراً بسبب زيادة الطلب على الغذاء دون أن يقابله زيادة مماثلة في الإنتاج .
إذاً هناك أزمة غذائية كبيرة تعيشها دول المجلس وتزداد هذه الأزمة حدة عندما يتم استيراد المواد الغذائية من دول تناصبها العداء في العقيدة واللغة والتاريخ والقومية والوطنية، ولكي تتخلص دول مجلس التعاون من هذا الارتهان والاستلاب يمكنها التوجه نحو الدول العربية ومنها اليمن للاستثمار في هذا المجال أو ذلك.
ب الاستثمار في القطاع السمكي والتعديني والسياحي:
من المعروف أن اليمن تطل على سواحل بحرية تتجاوز أطوالها ال 2000كم.
ويعد الساحل الجنوبي لليمن والمطل على كل من خليج عدن والبحر العربي من بين أغنى مناطق العالم بالأسماك، وبالذات سواحل محافظتي المهرة وحضرموت، وتوفر هذه الثروة إمكانية قيام صناعات متعددة أصبحت اليوم في غاية الأهمية للمواطن والدولة على حد سواء.
وعلى الرغم من توجه اليمن إلى الاستثمار في هذا القطاع، وتوفيرها لفرص كبيرة للاستثمار أمام رؤوس الأموال المحلية، إلا أن محدودية تلك الأموال وتخلف طرق الاستثمار تجعل من هذه الثروة مجالاً بكراً أمام الاستثمار الخليجي، وخاصة إذا ما علمنا أن الاستثمار الخليجي قد يستطيع الانتقال بهذا القطاع إلى آفاق رحبة مما يحقق الفائدة والربح له ولليمن على حد سواء، كما تجدر الإشارة إلى أن طبيعة التركيب الجيولوجي لليمن يؤشر إلى وجود ثروات معدنية كبيرة، ومن الممكن أن تهيئ مجالات جدية للاستثمار الخليجي بحكم توفر عنصري الخبرة والوفرة المالية لدى رجال المال والأعمال في دول المجلس.
أما فيما يتعلق بالاستثمار بالقطاع السياحي فيمكن القول أن السياحة تمثل أحد أهم الموارد الاقتصادية في عالم اليوم، وإن عائداتها تصب في مصلحة الدول أو المؤسسات أو الأشخاص التي تديرها سواء كانت سياحة داخلية أو خارجية، واليمن مهيأة للفرص السياحية المتنوعة، من خلال تمتعها بمناخات ملائمة للسياحة قياساً بالمناخ السائد في دول مجلس التعاون الخليجي الأمر الذي يؤهلها لأن تكون مصيفاً رائعاً للخليجيين بسبب قلة تكلفتها قياساً بالتكلفة التي يتكبدها السائحون الخليجيون في كل من شرق آسيا وغرب أوروبا؛ فضلاً عن توفر جميع أنواع السياحة في اليمن كسياحة السهل، وسياحة الجبل، وسياحة الصحراء، والسياحة الأثرية والترابط.
ومما يزيد من أهمية الاستثمار في هذا المجال بالنسبة للخليجيين هو القرب بل والتلاصق الجغرافي لبعض الدول الخيليجية الأكثر سكاناً، الأمر الذي يجعل استثمارها في غاية الأهمية من قبل صانع القرار السياسي اليمني.
وتجدر الإشارة إلى القول، إذا كانت السياحة الخليجية قد اتجهت في فترات سابقة إلى أقاليم جغرافية معينة «كشرق آسيا، والولايات المتحدة، وغرب أوروبا» لتوفر الإمكانات المالية الكبيرة لسكان دول المجلس وللاستقرار الأمني الذي كان سائداً في تلك الأقاليم وفي المجتمعات الخليجية على حد سواء، إلا أن الأمر قد تغير في الوقت الراهن، سواء مايخص الوضع الاقتصادي لسكان الخليج أو الوضع الأمني أو الاستقرار النفسي الأمر الذي يجعل من الأفضل للسياح الخليجيين خاصة الذين لايستطيعون الاستغناء عن بلد السياحة والترويح عن النفس والبقاء في الصيف القائض الشديد الحرارة في بلدانهم تحقيق تلك الرغبة في بلد كاليمن الذي تتوفر فيه كل المتطلبات الطبيعية لتلك الشريحة الهائلة من سكان الخليج، الأمر الذي سينعكس هو الأخر على ميزان المدفوعات اليمني وسيعزز من قدراتها المالية.
3 ميزة حجمها السكاني:
مازال الحجم الكبير للسكان في أية دولة يشكل العمود الفقري الذي تعتمد عليه في نشاطها الاقتصادي ومن ثم من قوتها السياسية، وقد ظلت أهمية عدد السكان باعتباره مصدراً لقوة الدول ظل أمراً معترفاً به منذ وقت طويل ومازال الحجم السكاني الكبير يولد شعوراً بالقوة، بينما الوحدات السياسية الأقل حجماً وعدداً تشعر بالضعف والخوف السياسي على مستقبلها، وقد يؤدي هذا الخوف إلى خلق نوع من عدم الاطمئنان على الدوام بل وهاجس يلاحق الوحدات السياسية الصغيرة «10».
ومن الجدول رقم «1»، يلاحظ أن إجمالي سكان دول المجلس بحدود 24638481 نسمة، أما بالنسبة لليمن فقد بلغ اجمالي سكانها عام 2004م 21421643 نسمة، الأمر الذي يؤكد لنا الدلالات الاستراتيجية لسكان اليمن من النواحي كما هو موضح في الجدول رقم (1)
أ تستطيع كل من قطر والبحرين والامارات والكويت وسلطنة عمان تعويض نقصها من السكان من خلال تشجيع سكان اليمن على الهجرة إلى دولهم في ظل التوافق الكبير بين سكان اليمن وسكان هذه الدول.
ب بانضمام اليمن إلى دول المجلس سيصبح الحجم الكلي لسكان هذا التجمع الإقليمي أكثر من 46060124 نسمة وهو ماسيشكل قوة بشرية استراتيجية يحسب حسابها في ميزان القوى الإقليمية والدولية على حد سواء.
ج يوفر حجم سكان اليمن البالغ أكثر من 21000000 نسمة سوقاً استهلاكية كبيرة للسلع والمنتجات الخليجية وخاصة في ظل الثقة الكبيرة التي تتمتع بها تلك السلع والمنتجات في الأسواق اليمنية.
د إن إضافة عدد كبير من السكان والذين يندرجون ضمن الفئة العمرية 18 35 سنة وهي الفئة العمرية لسن التجنيد الإلزامي الصالحة للالتحاق بالجيش، سيعزز من القدرات العسكرية لدرع الجزيرة والخليج الذي أنشأته دول المجلس لمهام عديدة ومتنوعة.
ه يشكل رخص العمالة اليمنية والتزاماتها واجتهادها ووفائها لأرباب العمل ميزة أخرى تضاف إلى ماسبق.
وهكذا نجد أن حجم سكان اليمن سيقدم مكاسب استراتيجية لدول مجلس التعاون، من خلال معالجتها لعدة قضايا أهمها وضع العمالة في دول الخليج الست والتي يوضحها الجدول رقم (2)
ومن هذا الجدول يتبين ضخامة قوة العمل الوافدة وتفوقها العددي على القوى العاملة الوطنية في كل دول الخليج، وتزداد الصورة سوءاً عندما نجد أن نسبة عالية من هذه العمالة هي أجنبية شرق أسيوية، الأمر الذي يعكس الصورة السلبية لهذه العمالة من خلال تأثيرها على الأمن القومي الخليجي بمفهومه الشامل
وهنا يجب أن يدرك صانعو القرار السياسي الخليجي هذه الخطورة وذلك التحدي الذي سيواجه شعوبهم في المستقبل، مما يحتم عليهم ضرورة مراجعة حساباتهم تجاه هذه القضية من خلال إعادة تركيب القوى العاملة مما يوفره الحجم السكاني الكبير في دولة اليمن.
أما بالنسبة للشق الأخر والمتمثل بالأتي: هل تمتلك اليمن رؤية استراتيجية للانضمام نقول: يجب أولاً التعرف على مدلول الاستراتيجية ومن ثم تتبعها على أرض الواقع؟
يشار إلى أن الاستراتيجية: بكونها مجموعة السياسات الاقتصادية والسياسية والثقافية التي يتبناها نظام سياسي ما للتطبيق خلال عقدين قادمين .
وانطلاقاً من ذلك التعريف يمكن القول أن اليمن لديها رؤية استراتيجية للانضمام للمجلس لكن هذه الرؤية غير مكتملة للأسباب الآتية:
1 إن أول مرة تتقدم فيها اليمن بطلب رسمي بالانضمام لمجلس التعاون كان عام 1996 وتحديداً في قمة الدوحة من العام نفسه.
2 كان ينبغي على اليمن أن تنسق أولاً مع الكويت وتعيد ترتيب أوراقها التي كانت قابلة للاحتراق وخاصة بعد عام 1990، كما كان عليها أن تنسق مع بقية دول المجلس.
3 لم تقم اليمن بطرح رؤية دقيقة وشاملة وفاحصة لطبيعة انضمامها للمجلس بحيث تقنع بها صناع القرار في المجلس.
الأمر الذي يتطلب من اليمن بذل جهود حقيقية في بلورة تفاصيل رؤية استراتيجية تتبع من إدراكها لإمكانياتها وقدراتها الإستراتيجية في تعزيز المجلس بقدرات وإمكانيات إضافية من شأنها منح المجلس ثقلاً جيويوليتيكيا واستراتيجيا يحسب حسابه إقليمياً ودولياً.
ثالثاً: القوى المؤثرة في صنع قرار انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي:
إن أي قرار سياسي استراتيجي لايستند إلى رؤية مؤسسية هو قرار سطحي وهامشي ويعد في نظر الكثيرين قراراً غير قابل للتنفيذ ولا للاستمرار، ويمكن القول في هذا الصدد إن هناك عدة قوى داخلية وأخرى خارجية يمكن إن تؤدي دوراً مؤثراً في انضمام اليمن لمجلس التعاون ومنها القوى الآتية:
أولاً: رئاسة الدولة بمختلف تشكيلاتها في المنطقة: وعند تتبع دور رئاسة الدولة في صنع قرار الانضمام لوحظ إن اليمن بذلت «ومازالت» جهوداً كبيرة من خلال رئيسها علي عبدالله صالح في الدفع بهذا الموضوع إلى الأمام إدراكاً من فخامته للأهمية الاستراتيجية لكل من اليمن والخليج على حد سواء وذلك من خلال زياراته المتكررة لدول المجلس وإرسال مبعوثين عنه لمناقشة الموضوع على كافة الأصعدة والمستويات الرسمية والشعبية، وبالمقابل أيضاً يبذل الملوك والأمراء الخليجيون أدواراً لايستهان بها هي الأخرى في التسريع بالانضمام، وهنا نلمس أن هناك إحساسا بالمسؤولية من جميع الأطراف تجاه هذا الموضوع، لكل مانود أن نشير إليه هو إن تلك الجهود تحتاج إلى رفع وتيرتها على هذا المستوى، وخاصة في ضل الظروف والمستجدات الاقليمية والدولية.
ثانياً: مجلس الوزراء «الحكومة»:- بطبيعة الحال للحكومة دور محوري في صناعة قرار من هذا النوع وتأتي الحكومة في الأهمية بعد رئاسة الدولة ،في كل دول الخليج واليمن.
وتجدر الاشارة إلى أن الخطة الخمسية الثالثة التي أقرتها الحكومة اليمنية قد استهدفت هذا الموضوع من خلال تركيزها على تطوير أشكال التكامل الاقتصادي المختلفة، وتأهيل اليمن على المدى المتوسط للانضمام إلى دول المجلس وشملت هذه الخطة الآتي:
1 توسيع التبادل التجاري بين اليمن ودول المجلس وتذليل الصعوبات وإزالة العوائق التي تعترضه.
2 إعطاء الحوافز والضمانات لتشجيع الاستثمارات والسياحة من تلك الدول إلى اليمن.
3 مواصلة التنسيق والتشاور مع دول المجلس لتنظيم انتقال الأيدي العاملة اليمنية إلى أسواق تلك الدول.
4 مواصلة العمل المشترك في إطار هذا التجمع ومجالسه المختلفة لتنسيق السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبرامج المختلفة مع اليمن، بما يحقق التقارب المنشود ويفتح الباب لعملية الانضمام والتكامل.
وبالرغم من أن هناك خطوات ملموسة بذلتها الحكومات الخليجية واليمنية بالدفع بهذا الموضوع إلى الأمام، إلا أن الدور المطلوب بحسب اعتقادنا مازال مفقوداً يتطلب ممارسة أدوار أقوى.
ثالثاً: المؤسسات التشريعية: أي المجالس المنتخبة أو ا لمعينة،وتتمتع هذه المجالس بصلاحيات واسعة وكبيرة من خلال مشاركتها في مجال التشريعات والقوانين في المجال التجاري والجمركي، والتصديق على الاتفاقيات الثنائية الأمنية ومكافحة التهريب.
رابعاً: الرأي العام: لا أحد ينكر دور الرأي العام اليمني والخليجي في قدرته على الاسهام في التسريع بدمج اليمن ضمن المجلس، وبرغم دور العديد من النخب في دعم هذه الرؤية، إلاّ أن الواقع يشير إلى حاجتنا إلى توسيع هذا الدور.
خامساً: منظمات المجتمع المدني: لقد تزايدت هذه المنظمات في جميع دول المجلس واليمن ولاسيما خلال السنوات الأخيرة، وينبغى أن يخصص جزء كبير من نشاطها في تنشيط الروابط التاريخية والاجتماعية والثقافية بين اليمن ودول المجلس فضلا عن توجيه تقاريرها وإصداراتها بهذا الاتجاه، ولوحظ في الفترة الأخيرة في اليمن توجه بعض من هذه المنظمات في الاهتمام بهذا الموضوع ومنها على سبيل المثال مركز الدراسات السياسية والاسترايتجية صنعاء في عقد ندوتين عن اليمن والخليج، بالإضافة إلى عقد ندوة في مركز دراسات المستقبل صنعاء، كما تأتي هذه الندوة التي تعقدها وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية لتؤكد على الهدف نفسه.
سادساً: أساتذة الجامعات والباحثون: هناك عدد لابأس به من أساتذة الجامعات اليمنية والخليجية الذين تناولوا في رسائلهم وأطروحاتهم وأبحاثهم لهذا الموضوع الحيوي والهام، كما إن الزيارات العلمية التي قامت بها الجامعات السعودية ممثلة في نخبة من أساتذتها وأكاديميها إلى الجامعات اليمنية وإقامة أنشطة علمية مشتركة لهي دليل على الدور الذي من الممكن أن تؤديه هذه المؤسسات في تهيئة أجواء الاندماج وقد جاءت أيضاً زيارة وزير التعليم العالي والبحث العلمي مع رؤساء الجامعات الحكومية والأهلية «جامعة العلوم والتكنولوجيا والجامعة اليمنية» لتعزز من هذا التعاون البحثي، ونتوقع أن يتوسع هذا الدور ليشمل زيارات متبادلة لأساتذة الجامعات اليمنية والخليجية، وإيجاد فرص للتفرغ العلمي والأساتذة الزائرين «من الطرفين» بحيث تحدث هذه الفئة تغييرا جوهرياً وحقيقياً في حياة الشعبين الخليجي واليمني.
سابعاً:المؤسسة العسكرية: من الطبيعي أن تؤدي هذه المؤسسة دوراً ايجابياً وفاعلاً في صناعة القرار السياسي والخارجي في كل من اليمن ودول الخليج، لذا فالمطلوب أن تقوم الجامعات بواجبها في هذا الاتجاه من خلال عدة مجالات .
ثامناً: الوجهات الاجتماعية :المجتمع اليمني و الخليجي متشابه في تركيبته وفي بنيته، بل ان أصول كثيراً من القبائل الخليجية تنحدر من أصل يمني خالص، الأمر الذي يشير إلى قدرة هذه الفئة على التأثير على مستوى صناع القرار.
تاسعاً:التنظيمات السياسية وجماعات الضغط الاجتماعي: التي بدأت تأخذ مكانها ضمن تشكيلات المجتمع المدني ومن الممكن أن تؤدي دورا محوريا ومركزيا في القضايا الاستراتيجية ومنها قضية اندماج اليمن ضمن دول الخليج.
القوى الخارجية: لايمكن إغفال الدور الخارجي ومدى تأثيره في الوقت الراهن ولاسيما إذا ماعلمنا أن التداخل بين الوطني والعالمي أصبح شديدا ويصعب تغييبه أو فصله.
وهنا ينبغى على اليمن أن تنسق مع الدول ذات الحضور الدولي والاقليمي كالولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا بالدرجة الأولى، وعلى اليابان والصين وماليزيا بالدرجة الثانية، من خلال سفرائها ودبلوماسييها لبث الثقة لدى الاخوة الخليجيين، بإمكان اليمن في تخطي مشكلاتها التنموية التي غالباً ماتطرح كقضية مفصلية في هذا الصدد.
رابعاً:الاوضاع الاقليمية والدولية منذ أحداث 11 سبتمبر 2001م وتأثيراتها المحتملة على مستقبل المجلس
من غير شك بأن الولايات المتحدة الأمريكية نظرت إلى أحداث 11 سبتمبر 2001م على أنها تمثل فرصة ذهبية، ولحظة فارقة يجب استغلالها لمصلحة طموحاتها العالمية ومشاريعها الكونية الجديدة، التي انفتحت أمامها، ولم تحققها بعد، منذ تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار الكتلة الشرقية أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي.
أي تلك الطموحات المتمثلة بالإنفراد بقيادة العالم، إن لم يكن الهيمنة عليه ورسم سياساته والتحكم بمصائر شعوبه، بما يعني من جانب آخر، الحيلولة دون نجاح المشاريع الدولية الصاعدة أو المناوئة للتوسع الأمريكي، التي منها تلك التي بدأت تتشكل وتنمو في إطار دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك تلك التي بدأت في الظهور والتوسع في الشرق الاسيوي بقيادته الصينية.
وفي هذا الإطار، ومن خلال مفهوم «الحرب على الإرهاب» الذي ابتدعته الولايات المتحدة الامريكية، غطاءً أخلاقياً لسياستها الدولية الجديدة، كانت الحرب الأمريكية الغربية على أفغانستان واحتلاله عام 2002م وفي الإطار نفسه، وإن بذريعة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، كانت الحرب الأمريكية البريطانية على العراق والقضاء على نظامه السياسي، واحتلاله منذ مارس 2003م،وقد لايكون من المبالغة القول كذلك بأن جملة الأوضاع والأحداث التي جدت في المنطقة العربية وما جاورها في السنين الأخيرة،مما له علاقة بالسياسة الأمريكية، إنما تندرج في ذات السياق، أي سياق المشروع الأمريكي، المنسجم بالتأكيد مع المشروع الصهيوني في الشرق الأوسط، وذلك بدءاً بالضغوط الأمريكية الشديدة على السودان حول مشكلة دارفور، وعلى ليبيا وتفكيك برنامجها النووي وعلى سوريا كذلك والعربية السعودية، ثم العدوان العسكري الصهيوني اليومي على منظمات المقاومة الفلسطينية، بما فيها حركة حماس التي فازت بالأغلبية في المجلس التشريعي وشكلت الحكومة، ومروراً بالعدوان العسكري الصهيوني الأخير على لبنان ومقاومتها، الذي استمر لأكثر من الشهر، وانتهاءً بما تتعرض له إيران في الوقت الراهن من ضغوط أمريكية وأوربية حادة بسبب برنامجها النووي.
والأمر المؤكد أن سياسة «الحرب على الإرهاب» التي تنتهجها الولايات المتحدة من ناحية، والاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق من ناحية ثانية، قد فرضاً على العراق ودول الخليج العربي خاصة والدول العربية عامة، تحديات لاسابق لها في الزمن المعاصر، وسيكون من المنطقي في ضوء هذه التحديات أن يتساءل المرء عن مستقبل المنطقة، ومستقبل دول الخليج خاصة بوصف هذه الدول هي الأقرب إلى العراق ومخاطر المحتل،وإيران ومخاطر النفوذ والتوسع والتأثير الاقليمي، وبوصفها كذلك الأكثر عرضة للضغوط السياسة الأمريكية الجديدة بسبب مواردها النفطية الهائلة ولأبعاد ايديولوجية أخرى في المعركة الجارية، وربما كذلك لإسهام أبناء هذه الدول المتميز في أحداث سبتمبر، وغيرها من الأحداث.
لقد كان لأحداث 11 سبتمبر وماتبعها من احتلال أمريكي بريطاني للعراق، انعكاسات وتأثيرات استراتيجية واقتصادية وثقافية واسعة على الدول العربية عامة، ودول مجلس التعاون الخليجي خاصة، نشير إلى أهمها في الآتي:-
من الناحية الاستراتيجية والسياسية يمكن القول بأن التحولات والأوضاع التي شهدها العالم والمنطقة العربية في السنوات الأخيرة وبخاصة الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق قد أدت إلى خروج العراق من دائرة القوى الاقليمية، ومن ثم حدوث خلل في ميزان القوى الاقليمي لمصلحة كل من إيران والكيان الصهيوني، وبالتأكيد على حساب الأقطار العربية والنظام الاقليمي العربي عموماً، ودول الخليج العربي ومجلس تعاونها بوجه خاص، فمع أن النظام السياسي الذي كان يحكم العراق قبل احتلاله لم تكن علاقته ودية مع دول المجلس أو مع معظمها، وخاصة منذ احتلال قواته الكويت عام 1990م، إلا أن قوة العراق، مع ذلك، كانت تضاف عند الحسابات العسكرية إلى رصيد العرب الاستراتيجي والأكثر من هذا أن الولايات المتحدة تسعى من خلال احتلالها العسكري للعراق لأن يصبح هذا الأخير مركزاً للهيمنة والتحكم على منابع النفط في دول الخليج العربية جميعها ومن ثم منطلقاً لتنفيذ مشروعها على المستوى العالمي وكذلك منطلقاً لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنته لإصلاح أوضاع المنطقة،والذي يهدف بين مايهدف إليه، إلى دمج الكيان الصهيوني في المنطقة وتمكينه من ممارسة دور القيادة والهيمنة على دول المنطقة من خلال بناء ترتيبات وعلاقات جديدة بين هذه الدول ترتكز على أسس جغرافية واقتصادية بالدرجة الأولى بدلاً من النظام الاقليمي العربي القائم على الأسس القومية الثقافية . صحيح أن الاحتلال الأمريكي أنهى نظاماً سياسياً في بغداد كان ينظر إليه البعض بأنه يمثل مصدراً لتهديد دول الخليج لاسيما بعد احتلاله الكويت عام 1990م، إلا أنه استبدل تهديداً بتهديد آخر، هو بدون شك أكثر خطورة، ونعني به تهديد الاحتلال ذاته وقواته وقواعده المنتشرة في العراق وفي بعض دول الخليج، فضلا عما نجم عن الاحتلال الأمريكي من حالة عدم الاستقرار، والفوضى، والتوتر العرقي، والطائفي، الأمر الذي قد يؤدي إلى تصدير هذه الأوضاع والمشاكل إلى دول الخليج، ذاتها ويهدد وحدتها الوطنية، لاسيما أن ثمة اقليات شيعية في بعض دول الخليج تطالب بمزيد من الحقوق والتمتع بأوضاع مشابه لمثيلاتها في العراق، إضافة إلى ذلك يمكن أن تفضي أوضاع عدم الاستقرار في العراق إلى إثارة العمالة الأجنبية الهائلة في دول الخليج نحو ترتيب وتحسين أوضاعها القانونية والسياسية مما قد يكون له أخطار كبيرة على هوية هذه البلدان وانتمائها العربي.
وعلى الصعيد الاقتصادي شهدت الاقتصاديات العربية والخليجية بعد أحداث سبتمبر تأثيرات سلبية متفاوتة تمثلت في تراجع البورصات العربية بسبب العوامل المعنوية السلبية التي خلفتها الأزمة وتوقعات الخسائر ونتيجة لما تعرضت له شركات السياحة والطيران والصناعات والخدمات المرتبطة بها من خسائر،كما تعرضت الاستثمارات العربية في الخارج لخسائر كبيرة، فضلا عن هروب بعض رؤوس الأموال المستثمرة في الخليج إلى دول ومناطق أخرى، فيما اتجهت بعض بلدان الخليج إلى زيادة الانفاق على شراء الأسلحة الأمر الذي أثر سلباً على خطط التنمية وتحسين أوضاع المواطنين في هذه البلدان وفي السياق ذاته أفضى احتلال العراق إلى سيطرة الولايات المتحدة على ثروة العراق النفطية الهائلة سعيا منها في تحقيق جملة من المكاسب أهمها: تأمين حاجاتها المتزايدة من النفط وتعزيز مكانتها الدولية، والتحكم في المصالح الاقتصادية للدول الكبرى،وكذلك السيطرة على أسعار النفط، وإن كان هذا الهدف الأخير قد فشل حتى الآن لعدم استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في العراق ولأسباب أخرى عدة حيث ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير في السنوات الأخيرة مما زاد في حجم العائدات النفطية لدول الخليج العربي.
على الصعيد الثقافي، يمكن الاشارة إلى أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت تزايد الضغوط الأمريكية السافرة على الحكومات العربية بهدف حملها على تغيير مناهج التعليم وبرامج التربية والتضييق على المعاهد والمدارس الدينية على نحو يتلاءم مع ماتعتقد الولايات المتحدة أنه كفيل بالقضاء على الكراهية والعنف، ويمنع التطرف والإرهاب المنسوبين بحسب الزعم الأمريكي إلى الإسلام. مستقبل مجلس التعاون الخليجي:-
يمكن القول بأن التأثيرات المحتملة للأوضاع والأحوال التي جدت بعد أحداث سبتمبر 2001م، على مجلس التعاون الخليجي، تتحدد بدرجة كبيرة بمستقبل التفاعلات والعلاقة بين القوى الدولية والاقليمية الراهنة في الخليج وبالذات بين كل من مجلس التعاون الخليجي، وإيران، والعراق، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت منذ حرب الخليج الثالثة عام 90/91م،وبصورة أشد منذ احتلالها العراق عام 2003م طرفاً أساسياً، إن لم يكن مهيمناً في معادلة العلاقات الاقليمية الخليجية.
وبكلمة أخرى إن تأثير الأوضاع الدولية والاقليمية الجديدة على مجلس التعاون الخليجي، يتحدد في ضوء عدد من المتغيرات والعلاقات أهمها الآتي:
1 مستقبل الوجود الأمريكي في العراق:-
مايمكن قوله في هذا السياق أن الولايات المتحدة الأمريكية احتلت العراق لتغيير أوضاع عالمية واقليمية قائمة بأوضاع عالمية واقليمية جديدة يكون بإمكانها أن تحقق أو تؤمن مصالحها الاستراتيجية والجوهرية بعيدة المدى، والتي تجعلها إذا ماتحققت في مأمن من مخاطر المنافسة على زعامة العالم وقيادته على الأقل لعدة عقود قادمة،وحيث إن الأمر على هذا النحو، وطالما أن هذه الغايات لم تتحقق بعد أو حتى شيء بسيط منها بسبب أساسي هو تصاعد، وتيرة الرفض والمقاومة المسلحة وغير المسلحة للاحتلال والمحتلين،ومايعني ذلك من عجز القوات الأمريكية تحديداً عن الوفاء بما كانت قد بشرت به من الحرية، والحياة الديمقراطية الحقيقية، واحلال المساواة وتحسين أوضاع المواطنين العراقيين، وبما يعني أيضاً فشل المشروع الأمريكي في العراق برمته، فإن ذلك ربما يفضي إلى أحد احتمالين:إما استمرار قوات الاحتلال لسنين عدة قادمة أملاً منها في تحسن الأوضاع الأمنية تحديداً، أو اعتقاداً منها بأنها ستكون قادرة على تحقيق الأهداف التي سعت إليها، أو بعضاً منها، وأما أنهاستعجل الانسحاب من الأرض العراقية، وبما يعني وفاة المشروع الأمريكي العالمي برمته.
2 مستقبل العراق ذاته
وموقفه المتوقع من بقية القوى الثلاث المؤثرة في الخليج، أي الولايات المتحدة الأمريكية، ومجلس التعاون الخليجي، وإيران، والأوضاع الراهنة في العراق بعد مرور ثلاث سنوات من الاحتلال، تشير إلى أن الأمور تسير في غير مصلحة العراق والشعب العراقي، وإلى أن الأوضاع تتجه إلى مزيد من عدم الاستقرار وتفجر الأحوال الأمنية، والتوتر العرقي والطائفي، الأمر الذي يمكن أن ينتشر ويهدد بالخطر دول مجلس التعاون الخليجي جميعها.
3 مستقبل العلاقات الايرانية الأمريكية:
حيث تشهد العلاقات بين الدولتين توتراً حاداً في الفترة الراهنة وهي مرشحة للتدهور على نحو أشد في المرحلة القادمة بسبب إصرار إيران على المضي في برنامجها النووي من ناحية، وسعي أمريكا للحد من طموحات ايران في هذا الجانب من ناحية أخرى، ثم بسبب طموحات ايران الاقليمية وسعيها للتغلغل والنفوذ إلى الشرق العربي، وبالذات في العراق الجديد، مستخدمة في ذلك وسائل عدة، منها دعم بعض الجماعات العراقية الشيعية، وإسنادها بالمال والسلاح، بموافقة امريكية أحياناً، وبغير موافقة أمريكية أحياناً أخرى.
وفي رأينا أن طموحات ايران الاقليمية وإسناد هذه الجماعات وغيرها، ومضيها في برنامجها النووي، إذا كان في غير مصلحة المشروع الأمريكي في العراق وفي الشرق الأوسط وفي غير مصلحة المشروع الصهيوني كذلك، فإنه لايصب بالضرورة في مصلحة النظام الاقليمي العربي، أو مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي، بل قد يكون على حسابهما.
4 مستقبل العلاقات العراقية الايرانية
وإذا كان الواقع الراهن يشير إلى أن ايران أصبحت لاعباً أساسياً في أوضاع العراق ومؤثراً فاعلاً في رسم سياساته وعلاقاته، من خلال تأثيرها في معظم القوى الشيعية العراقية، التي أصبحت تمسك بزمام المبادرة ومعظم مفاصل الدولة العراقية الراهنة، فإنه من المؤكد أن مستقبل هذه العلاقة، واستمرار التأثير الايراني في العراق سيؤثر بصورة مؤكدة على مجلس التعاون ومستقبل هيكليته واستقرار الأوضاع في دوله ومجتمعاته وليس مستبعداً في هذا الصدد أن تتوتر العلاقات بين ايران والعراق في ظل استمرار الاحتلال الأمريكي، وفي حال تدهور العلاقات الأمريكية الايرانية إلى مستوى الأزمة الساخنة وربما يحدث العكس كذلك.
5 مستقبل العلاقات بين مجلس التعاون وايران
وما إذا كانت هذه العلاقة ستستمر على حالتها الحسنة الراهنة، حالة التعايش أم أنها ستكون عرضة للتدهور والتراجع في حال تدهور العلاقات الأمريكية الايرانية.
والأمر المؤكد بأن دول المجلس الخليجي صارت تشعر بالارتياب والخوف من المصالح الايرانية في المنطقة ومحاولتها مد نفوذها وتأثيرها على دول المجلس غير أن السياسة الايرانية الحالية تسعى سياسياً إلى تخفيف هذه المخاوف الخليجية وتطمين الدول بشأن برنامجها النووي في محاولة لتحييد هذه الدول في معركتها مع الولايات المتحدة، أي بغرض التفرغ لمعركتها مع الولايات المتحدة حول البرنامج النووي، وليس هنالك من ضمان يحول دون مد ايران لنفوذها وهيمنتها على المنطقة مستقبلاً أي عند معالجة ملفها النووي وإنهاء التوتر إزاءه، وخروجها من هذا التوتر منتصرة أو بالأقل دونما خسائر كبيرة، واستمرارها في تعزيز قوتها ونفوذها، أو حافظت عليهما.
6 مستقبل النظام الاقليمي العربي
وهو ربما يرتبط بدرجة معينة بمستقبل المشروع الأمريكي المسمى مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يرتبط بدوره بمدى نجاح مشروعها في العراق، ومن غير شك بأن نظام مجلس التعاون لدول الخليج العربي بتأثيره بصورة أو بأخرى، سلباً أو ايجاباً، بالنظام الاقليمي العربي وتحدياته وذلك بالنظر إلى أن الأول يعد نظاماً فرعياً للثاني وأحد تجلياته ومظاهره.
مرت ثلاث سنوات أو تزيد على الاحتلال الأمريكي للعراق، ومازال مجلس التعاون الخليجي محافظاً على هيكليته وعدد أعضائه التي كان عليها قبل الاحتلال، على خلاف ماكان يتوقع البعض من أن الأمريكان سيدفعون باتجاه انضمام العراق إلى دول المجلس، وقد يعزى ثبات هيكلية المجلس حتى الآن إلى ماواجهه المشروع الأمريكي في العراق وفي المنطقة والعالم من إخفاق وتعثر وعدم قدرته على السيطرة على الأوضاع خلافاً لما كان يتوقعه أو يتمناه، وربما يعزى الأمر أيضاً إلى أن الإدارة الأمريكية أساساً لم تمارس حتى الآن أية ضغوط على مجلس التعاون لغرض فتح العضوية للعراق لأنها في الأساس لاترغب في ذلك،لاسيما أن المصالح الأمريكية والصهيونية الحقيقية، وماينسجم كذلك مع مشروع الشرط الأوسط الجديد، يقتضي عزل البلدان العربية بفصلها عن بعضها، وإضعاف الروابط الدينية والثقافية، والقومية بين هذا القطر العربي والآخر وفي المقابل تشجيع الروابط والعلاقات مع الكيان الصهيوني مثلاً أو مع أية دولة أخرى متوسطية أو غير متوسطية لاتمت إلى المنطقة وثقافتها بصلة.
وقد يعزى عدم انضمام العراق حتى الآن إلى عوامل أخرى كعدم رغبة القوى العراقية التي تمسك بزمام السلطة، أو معظمها من الانضمام إلى مثل هذه التجمعات العربية لماهو معروف عن معظم تلك القوى الحاكمة اليوم من غلبة التحزب الطائفي المذهبي في تفكيرها وسلوكها على التحزب للوطن أو الهوية العربية أو الأمة الإسلامية.
وإذا كان الصحيح بأن انضمام العراق واليمن إلى مجلس التعاون سيؤدي إلى جملة من التحولات بخصوص هيكلية المجلس، وأنماط التفاعلات بين دوله، فإنه ليس صحيحاً ماذهب إليه البعض من أن هذه التحولات التي يمكن أن يفضي إليها دخول اليمن والعراق.
لن يكون في مصلحة الدور القيادي للعربية السعودية، بمعنى أنه سيؤدي إلى التحويل من إطار القطبية الأحادية إلى نظام القطبية المتعددة، ففي اعتقادنا أنه لايجوز أن ينظر إلى هذه المسألة من زاويتها الضيقة هذه، فإذا كان انضمام الدولتين سيؤدي ربما إلى تغير واختلاف في أنماط التفاعلات، وهو أمر منطقي طبيعي، فأنه لايعني بالضرورة أنه لايصب في مصلحة المجلس أو مصلحة أي عضو من أعضائه، بمافي ذلك السعودية ذاتها وذلك إذا أخذنا في الاعتبار أن انضمام هاتين الدولتين سيؤدي إلى تعزيز قوة المجلس ودوله سياسياً واستراتيجياً واقتصادياً..الخ كما أنه سيجنب المجلس ودوله مخاطر الاختراق الدولية والاقليمية، وكذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار بأن ثمة توجهاً جديداً للولايات المتحدة في علاقتها بالسعودية بالذات بعد احتلالها العراق،والذي يتلخص من قبل الولايات المتحدة لمراجعة علاقتها بالسعودية والانتقال بها من مستوى التحالف والعلاقة الوطيدة والاستراتيجية إلى مستوى العلاقة العدائية، وفق توجهات تيار المحافظين الجدد داخل الإدارة الأمريكية، وفي مقابل ذلك ميل أمريكي واضح نحو توطيد علاقتها مع الدول الصغيرة في الخليج.
الاستنتاجات:
هناك عدد من الاستنتاجات يمكن أن نخرج بها في هذه الورقة ومنها الآتي:
1 لقد كانت المخاوف الأمنية والعسكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية من أبرز المحددات الاستراتيجية التي دفعت بالقادة الخليجيين إلى التفكير بإنشاء تكتلهم المعروف بمجلس التعاون الخليجي.
2 يشكل الوجود العسكري الأجنبي البري والبحري والطموحات الاقليمية في منطقة الخليج العربي خطراً حقيقياً يهدد الأمن القومي الخليجي، الأمر الذي يتعذر مواجهته في المستقبل بدون اليمن.
3 هناك قوى مجتمعية حقيقية في اليمن لم تلعب الدور المطلوب في بلورة الرؤية الاستراتيجية لانضمام اليمن إلى مجلس التعاون كالاكاديميين والاستراتيجيين والسياسيين المتخصصين، وربما يعزى ذلك إلى وجود قناة للأستفادة من هذه القوى.
4 تتمتع اليمن بقدرات بشرية وطبيعية «إذا مااستثمرت»، يمكن من خلالها أن تعزز نقاط الوهن في الجسد الخليجي وخاصة في ظل تعاظم المخاطر والتحديات على دول الخليج العربي.
5 من الممكن أن تسهم القوى الوطنية والدولية بشكل فاعل في التسريع بموضوع اندماج اليمن ضمن دول مجلس التعاون الخليجي شريطة استيعاب هذه القوى للدور الذي يمكن القيام به.
6 لاتشكل من وجهة نظرنا المادة رقم 5 التي حددت العضوية في المجلس من النظام الأساسي لمجلس التعاون «والتي تنص على الآتي: الدول الست التي تشكلت في اجتماع وزراء الخارجية في الرياض بتاريخ 4/2/1981 وهي الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والبحرين وقطر» أي اشكالية في انضمام اليمن إذا توفرت قناعة حقيقية وبحاجة كل طرف للآخر وبالأهمية الاستراتيجية لليمن ضمن دول المجلس.
7 التأثيرات المحتملة للأوضاع والأحوال التي جدت بعد أحداث سبتمبر 2001 على مجلس التعاون الخليجي تتحدد بدرجة كبيرة بمستقبل التفاعلات بين القوى الدولية والاقليمية الراهنة في الخليج وخاصة بين كل من دول المجلس وبين ايران والعراق من جهة وبين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى.
التوصيات: هناك جملة من التوصيات أبرزها الآتي:
1 مطلوب من دول الخليج الست الوقوف بجانب اليمن لتأهيلها وتوفير التمويل اللازم لتعزيز التنمية البشرية واستكمال حلقاتها حتى لاتشكل الفروقات في التنمية حجرة عثرة أمام دخول اليمن مجلس التعاون.
2 من الأفضل لليمن أن تعيد رسم استراتيجيتها للانضمام بناءً على إمكانياتها وقدراتها الطبيعية والبشرية، كما يتوجب عليها أن تفعل سلكها الدبلوماسي بحيث يصبح رؤية وعملاً استراتيجياً يكشف لها معالم وملامح وخطوات الانضمام.
3 مطلوب من اليمن أن تؤهل نفسها داخلياً وأن تقطع شوطاً معقولاً في التنمية البشرية أسوة بماهو حادث في جوارها الجغرافي البري حتى تلقى قبولاً وترحاباً حقيقياً من قبل المجتمعات الخليجية مجتمعة.
- أستاذ الجغرافية السياسية المساعد جامعة ذمار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.