كتب - سميح الكايد : رأى عدد من المشاركين في مؤتمر تأثيرات الاحتلال على العراق أن انعكاسات الاحتلال الأمريكي هدمت الدولة العراقية من الداخل ووضعت العرب أمام تحديات صعبة .. مؤكدين أهمية تحقيق العدالة والحرية للشعوب العربية من قبل الأنظمة الحاكمة قبل أن تهب العاصفة على هذه الأنظمة التي لا تراعي حقوق الشعوب. ورأى المشاركون أن الاعتماد على الغرب خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية والابتعاد عن الشعوب لن يكفل للأنظمة حياة كريمة، لأن أمريكا والغرب أثبتوا عبر تجارب تاريخية أنهم لا يهمهم ذهاب حليفهم في ساعة السفر، مستشهدين على ذلك بأمثلة كثيرة، أحدثها ما جرى مع الرئيس المصري السابق حسني مبارك من قبل الولاياتالمتحدة. كانت أعمال مؤتمر "عشر سنوات على احتلال العراق .. التداعيات والتأثيرات" الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على مدى يومين اختتمت فعالياتها أمس، حيث شهد اليوم الثاني عقد أربع جلسات في سلسلة الجلسات الأكاديمية للمؤتمر، تناولت عددًا من الموضوعات الهامة التي أثرت في المشهد العراقي خلال العقد الماضي. وقال الباحث يحيى الكبيسي، خلال الجلسة الأولى بعنوان "المقاومة العراقية ودورها في إجبار الولاياتالمتحدة على الانسحاب"، إنّ المقاومة أسست استراتيجيتها على استهداف العسكريين، ممّا قلّص حجم الخسائر بين المدنيين، وسلّط الضوء على طبيعة المقاومة العراقية منذ الأسبوع الأول للاحتلال الأمريكي، وحلل أهم البيانات والأرقام المرتبطة بأعمال المقاومة وعملياتها الميدانية .. مشيرًا إلى دور الفكرة الإسلامية في المقاومة، إذ أنّ مظلّة المقاومة كانت إسلامية حتى عام 2007، ثمّ تراجع الطابع الإسلامي للمقاومة بعد ذلك عندما انفض عنها الكثير من الأتباع غير المؤدلجين. وعدّ الباحث زهير حامدي، في الورقة الثانية المعنونة "النفط والطاقة دوافع ما قبل الغزو وما بعده"، فالنفط هو السبب الأساسي لاحتلال العراق، من دون أن يكون السبب الوحيد. وتحدث عن دور الاحتلال الأمريكي في توجيه سياسة صناعة النفط في العراق، والتي تولّت الحكومة العراقية الجديدة تنسيقها داخليًا، مشيرًا إلى معارضة المجتمع المدني العراقي لكل محاولات الهيمنة الغربية على النفط. من جهته، أشار الباحث منقذ محمد الداغر في الورقة الثالثة المعنونة "الرأي العام العراقي .. عشر سنوات بعد الاحتلال"، إلى أنّ نتائج استطلاع للرأي أجراه في بداية الاحتلال أكدت أنّ أكثر من 80% من العراقيين كانوا مقتنعين بكون قوات التحالف هي قوات محتلة وليست محرِّرة. كما أكدت نتائج استطلاع آخر أجراه بعد عشر سنوات أنّ الموقف العراقي المجتمعي يرى أنّ ما حصل هو احتلال وكذلك استهداف للإسلام. واختتم الباحث لقاء مكي الجلسة بورقة معنونة ب "من تداعيات الغزو .. صورة العرب عند الغرب"، أشار خلالها إلى الصورة النمطية السلبية السائدة في الغرب عن العرب، وكيف جرى تعميم هذه الصورة من خلال وسائل الإعلام الغربية، وكيف سُحبت هذه الصورة على الإسلام، ثم تطوّرت أخيرًا إلى الربط المباشر بين الإسلام والإرهاب. واستهل الدكتور محمد المسفر الجلسة الثانية لليوم الثاني بورقته عن "تداعيات الاحتلال على الوطن العربي"، مشيرا إلى التداعيات العسكرية والسياسية والاقتصادية للحرب على العراق، وتوصل إلى نتيجة مفادها اتساع دائرة النفوذ الأمريكي في المنطقة من خلال وجود عسكري مخيف؛ فاحتلال العراق لم يكن فاتحة خير على الأمة العربية، وأحدثت فراغًا استراتيجيًا زاد فيه الوزن النسبي لإيران على حساب دول المنطقة، وأصبحت تركيا مستعدة لاستعادة دورها التاريخي في الإقليم، ما أدى إلى تعزيز الوجود الغربي في المنطقة بطلب من النخب السياسية الحاكمة فيها. ورأى أنّ الحرب على العراق ولدت فرصًا واحتمالات لوقوع حرب جديدة أشد تدميرًا من غزو العراق واحتلاله، وهو ما انعكس في صورة صفقات تسليح ضخمة أبرمتها دول الإقليم، وسط جو محموم من صراعات المصالح الدولية. وفي الورقة الثانية بعنوان "الخيارات الاستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي بعد احتلال العراق"، رأى محمد السعيد إدريس أنّ من أهمّ التداعيات التي نتجت عن غزو العراق واحتلاله فرض معادلة المحاصصة السياسية على مكونات العراق، وتمكين القوى المعارضة الموالية للغزو من السيطرة على النظام الجديد، وهي نتائج شديدة الخطورة - في نظره - على هيكلية الدولة والمجتمع بالعراق، وامتدت إلى جوار العراق الإقليمي والخليجي على وجه الخصوص. وأشار إلى أنّ البعض كان يعتقد أنّ غزو العراق وسقوط صدام حسين سيحقق الأمن بالمنطقة، لكن العكس هو الذي حصل؛ إذ تفجّرت تحديات للأمن في دول مجلس التعاون، مثل دخول الإسلام السياسي وتزايد دور القاعدة والظهور القوي للشيعة سياسًيا في العراق، وفي بعض دول الخليج، والذين أصبحت لهم مطالب سياسية. وأشار الباحث أنطوان شلحت في ورقته "انعكاسات غزو العراق على القضية الفلسطينية" إلى أنّ الغزو الأمريكي للعراق كان بالنسبة لإسرائيل، ذروة أخرى في "عهد جديد" يتعلق بتاريخ هذا البلد، وبموجب قراءته التاريخية، سلّط شلحت مزيدًا من الضوء على التحليلات التاريخية والأمنية الإسرائيلية التي ترى أنّ العراق دولة مواجهة مع إسرائيل، وأنّ العراق أرسل المرة تلو الأخرى - وفي ظل حكومات متعددة - جيوشًا لمحاربة إسرائيل. وباستناده لتقديرات استراتيجية إسرائيلية، لفت الانتباه إلى عوامل كثيرة ارتبطت بالانسحاب الأمريكي من العراق، وبقول إن هذه العوامل لا تصب في مصلحة إسرائيل، لعدة اعتبارات، أهمها : تنامي النفوذ الإيراني في العراق، واحتمال تحوّل العراق إلى دولة مصدّرة للإرهاب، إضافة إلى تراجع مكانة الولاياتالمتحدة الدولية والإقليمية. وعرفت الجلسة الثالثة من اليوم الثاني مشاركة أربعة باحثين، هم مروان بشارة، أسامة أبو ارشيد، كيكو ساكاي ومثنّى حارث الضاري. كانت الورقة الأولى بعنوان " الأسرلة .. الغزو والاحتلال الأمريكيّ للعراق"، للباحث مروان بشارة الذي حاول من خلالها استعراض أهمّ العناصر الموجّهة للذهنية الأمريكيّة في قرار احتلالها العراق، وهي العناصر نفسها التي تحكم رؤية إسرائيل للعالم والمنطقة، وهي الحالة التي انتهت بالأمريكيّين إلى تقمّص الشخصية الإسرائيليّة. ودعم بشارة عرضه بمقدّمة تاريخية أبرزَ من خلالها تجذّر هذه العناصر في التاريخ السياسيّ الأمريكيّ. وأشار إلى أنّ الأسرلة التي تعرّضت لها أمريكا دفعت بها إلى التصرّف كدولة مارقة، بينما دفعت إسرائيل إلى التصرّف كإمبراطورية، وهو ما انتهى بالولايات المتّحدة إلى الفشل. ويعتقد الباحث أنّ مساعي أوباما الأخيرة تعبّر عن رغبة الأمريكيّين في التحرّر من أسر الرؤية الاستراتيجية الإسرائيليّة. وقدّم أسامة أبو ارشيد الورقة الثانية بعنوان "تأثير الانسحاب الأمريكيّ من العراق في أولويّات الاهتمام الأمريكيّ في العالم"، التي تناول فيها التقدير الأمريكيّ للانسحاب من العراق، وهو تقدير لم يأخذ في حسبانه العامل الأخلاقي، بل اعتمد على الخسائر والتحدّيات التي تطرحها المنافسة الصينيّة، وعدم ارتداع إيران وكوريا الشماليّة. وبعد تحليله الوضع الأمريكيّ بعد الانسحاب من العراق، ختم أبو ارشيد ورقته بالإشارة إلى الأولويّات الأمريكيّة اليوم، والتي جاءت واضحةً في خطاب أوباما عن حالة الاتّحاد الأخير، والتي تأسّست على إعادة بناء الاقتصاد الوطني، والاهتمام بالخارج من منظور اقتصادي. أمّا الورقة الثالثة، فكانت للباحثة اليابانية كيكو ساكاي بعنوان "تدخّل القوى الدوليّة غير الغربيّة في غزو العراق .. اليابان نموذجًا"، اهتمّت الباحثة في ورقتها بمقاربة المشاركة اليابانيّة في الغزو الأمريكيّ للعراق، إذ استعرضت في البداية العلاقات التاريخيّة التي ربطت بين اليابانوالعراق، وبعد ذلك أشارت ساكاي إلى الدور اليابانيّ الجديد في العراق بعد الغزو، والذي زاوجت فيه بين الحرص على المصالح الأمنيّة والمصالح الاقتصاديّة. وأشارت في ختام ورقتها إلى أنّ احتلال العراق كان فرصةً لحدوث تحوّلٍ في العلاقات اليابانيّة الأمريكيّة. واختُتمت المداخلات بكلمة للباحث مثنّى حارث الضاري، والتي ركّز فيها على دور المقاومة العراقيّة في مواجهة الاحتلال الأمريكيّ، متناولًا طبيعة المكوّنات الأساسية لهذه المقاومة وتوجّهاتها. وأشار إلى أهمّ المراحل التي مرّت بها المقاومة. وفي الجلسة الأخيرة من المؤتمر، قدّم سلام مسافر قراءته للمحدّدات الداخلية والخارجية للموقف الروسي من غزو العراق عام 2003 ؛ مشيرا إلى أن الكرملين سعى للحفاظ على موقف مستقل وصف في حينها بأنه غير مريح للاعبين الرئيسيين؛ لكنه وبعد سنوات من احتلال العراق، بدا منسجمًا مع النهج البراغماتي لرجل روسيا القوي فلاديمير بوتين. وحسب مسافر فإنه رغم تصريحات الروس التي لم تؤيد العمل العسكري ضد العراق إلا أنها لم تقف حائلا دونه. من جهته اعتبر حميد دباشي أستاذ كرسي "هاكوب كفوركيان" للدراسات الإيرانية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا أن الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001 وللعراق عام 2003 جاء ليصب كلياً في مصلحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ويحقق لها فائدةً استراتيجيةً كبيرة، عبر إزاحة اثنين من أبرز أعدائها صدام حسين في الغرب وطالبان في الشرق. أما سرهاد ايركمان وفي ورقته " نتائج غزو العراق في الشرق الأوسط: الحالة التركية" رأى غزو العراق تسبب بحدوث حالة أمنية جديدة بالنسبة إلى تركيا، وشخّص آثار الغزو على العراق وتداعياته على أمن تركيا .. مشيرا إلى أنه في أعقاب الغزو الأمريكي على العراق، تنامي نشاط حزب العمال الكردستاني الذي استخدم الأراضي العراقية قاعدة انطلاق لهجماته ضد تركيا، إضافة إلى ذلك، اعتبرت تركيا والدول الأخرى ذات الأقليات الكردية في سعي أكراد العراق نيل استقلالهم تهديداً سافراً لوحدة أراضيها.