- د. عمر عبد العزيز .. هيمنة الشعر سمة عربية شاملة، فالعرب أمة صادرة عن البيان والبديع الموصول بالغنائية اللغوية سواء كانت شعراً أو نثراً، والقرآن الكريم ترجمان خلاق لهذه الحقيقة التي كانت سمة البيان العربي قبل الإسلام، حيث نقرأ زهيراً وعنترة وامرأ القيس والنابغة شعراً، وأيضاً أمية بن الصلت وكعب الأحبار نثراً. وفي الخارطة الشعرية العربية تناص ابداعي تاريخي لا يمكن تجاوزه بحال، حتى أن الخارطتين القطرية والسياسية الماثلة تمثلان تلفيقاً مؤكداً للخارطة الثقافية التاريخية العربية، وسنأخذ مثلاً واحداً للتدليل على ما نذهب إليه، وسننطلق من اليمن موطن العرب الأول، ففي اليمن لم يكن الشعر وحيداً في ساحة التعبير، فُكتّاب القصة القصيرة والرواية حضروا بسخاء منذ عقود خلت، وأمثل لهؤلاء حصروا لا تقصيلاً بأسماء من أمثال زيد مطيع دماج ومحمد علي لقمان ومحمد عبدالولي وعبدالمجيد القاضي وحسين سالم باصديق وآخرين مما لا يتسع لهم المقال.. غير أن الشعر كان سمة التعبير الأميز لارتباطه بفنون الغناء التاريخية، فالشعر اليماني «الحميني» كان مموسقاً بالضرورة متواصلاً مع البنى اللحنية التراثية، وشعراء الإحياء كانوا متساوقين مع الزمن الشعري العربي، نذكر منهم ايضاً محمد محمود الزبيري الذي تساوق مع النص الصوفي في معارضاته الشعرية، وقدم ايضاً نفساً شعرياً بطولياً كذلك الذي نراه عند المتنبي، ومحمد عبده غانم الذي يعتبر واحداً من فحول شعراء النصف الأول من القرن العشرين مثله مثل محمد سعيد جرادة الذي نافح كثيراً عن بيان العرب الشعري التاريخي وإن كان كتب مرة نثرية شعرية من باب الرد الضمني على جيل التحديث الأكثر صعقاً والذي كان في مقدمتهم الشاعر المطبوع عبدالرحمن فخري. ايضاً لطفي جعفر امان الذي تساوق مع شعراء الوجدان الرومانسي العرب أمثال التيجاني البشير من السودان وأبو القاسم الشابي من تونس وايليا أبو ماضي من لبنان. الخارطة الابداعية التاريخية للشعر اليمني غائبة ومغيبة، والمشكلة تكمن في أن شعراء اليمن كغيرهم من شعراء «الأطراف العربية» لا يعرفون خارج اليمن، ومازالت هذه المحنة الثقافية قائمة ليس في اليمن فقط بل ايضاً في السودان والمغرب العربي الكبير وكامل الجزيرة العربية. [email protected]