- د. عمر عبد العزيز .. الشاعران العربيان المعاصران علي احمد سعيد (ادونيس) ومحمود درويش نالا جائزة التميز الثقافي. هذه الإشارة تأكيد على المكانة الاساسية لهذين الصوتين الشعريين في أساس المشروع الإبداعي المعاصر للبيان والبديع العربي. كلاهما خاض غمار الكتابة الابداعية منذ عقود خلت .. وكلاهما وضع بصمات واضحة على جيل بكامله من الشعراء المنتشرين في العالم العربي .. وكلاهما تميز بخصوبة تستحق التوقف قليلاً. ادونيس ومنذ بداياته المبكرة كان أميل للتجريب وتنكب مشقة البحث عن أدوات تعبيرية متجددة وعن محاولات متتالية لإكساء اللغة العربية أبعاداً غنائية وتشكيلية مغايرة لتلك المألوفة في الزمن الابداعي العربي .كما توازت ذائقته الشعرية مع تنظير للشعر تمثل في سلسلة كتاباته المتواصلة إلى يومنا هذا .. نذكر من تلك الكتابات التنظيرية للشعر (مقدمة في الشعر العربي ) و (زمن الشعر) و (فاتحة لنهايات القرن) وهو كتاب جمع في طياته سلسلة من المقاربات النقدية وبيانات الحداثة. أما آخر تجاربه الهامة فتتمثل في كتابه (أمس المكان .. الآن) والذي استقرأ فيه عتبات النص عند العرب محاولاً استعادة ذلك الوهج التشكيلي الذي وسم الكتب التاريخية العربية مع الإمعان في وضع متوازيات شعرية ودلالية تغوص في التاريخ العربي الإسلامي .. وبالمقابل يعتبر محمود درويش من أهم شعراء العرب المعاصرين لجهة غنائيته العالية حتى يمكن وصفه بأنه شاعر مطبوع كتب القصيدة العمودية بجمالية عالية منذ البدايات المبكرة .. ثم أبحر في القضية الفلسطينية مقدماً مشروعاً شعرياً عربياً جديداً مداه معاناة الإنسان الفلسطيني. كتابات درويش الشعرية تتناسخ متعالية سامقة .. وتنسكب على الأفئدة والقلوب كأنما هي الماء والهواء .. جميلة .. لمَّاحة وذات كثافة نوعية .. اشتغل درويش كثيراً على الثنائيات التصادمية باحثاً في تناغمها المبهر أو في تعارضاتها الموحية كأنما يقود أوركسترا سيمفونية من الحروف والكلمات. الدلالة الهامة في اقتران الاسمين في الجائزة الجديدة واضحة ومغزاها الخاص يكمن في مكانتهما الحاسمة في المشهد الشعري العربي المعاصر والذي يحضر في تضاعيف إبداعه أسماء أخرى أيضاً أمثال سعدي يوسف وسميح القاسم وآخرين. [email protected]