في مجموعته الشعرية الجديدة " صدى الإيمان " يعيد الشاعر الدكتور الأستاذ بهجت الحديثي تأصيل غنائيته الموصولة بالبيان والبديع الشعريين العربيين الراكزين، مع انزياحات مؤكدة صوب الدلالات المضمونية المتواشجة مع نبرة غنائية تعيد وهج التفعيلة والقافية بوصفهما الصروح المكينة لقواعد الموسيقى الشعرية العربية التي حدت بالرائي الكبير الخليل بن احمد الفراهيدي إلى أن يتوسل الموسيقى بحثاً عن شفرة الفرادة الغنائية للشعر، ذلك أن موسيقى الشعر اندياح صوب تلك اللوغاريتمات الرياضية الجبرية التي تُحاصر لُعبة اللغة وفوضاها الناعمة بطريقة تؤطر تلك الفوضى الإبداعية، وتدوزنها ضمن قواعد النظم والبديع، تماماً كما يدوزن الموسيقي مفرداته اللحنية في السلالم الأبدية للموسيقى وكأنه يُماهي بين خيار إبداعه وجبرية انتمائه لقوانين الكون والوجود، وهكذا يفعل شاعرنا وهو يكتب الشعر بوصفه ترجماناً آخر للموسيقى الكلية التي تنتظم في الأكوان قبل أن تكون معياراً للشعر . هذا المنطلق المفهومي يتجلّى من خلال اللغة الغنائية الآخذة بتآليف المتنافرات، والجامعة لوحدة المتناقضات، والرائية لنبرة الإيقاع الرصين، ودونما تنكٌّب لمشقة " المُغايرة الاستنسابية " التي كثيراً ما تميد بأرجل البعض وتضعهم في لجة لغة تنثُر الشعرية ولا تُشعرن النثر، وبموسيقى متفلتة تتوسل تنظيم القلق الإبداعي فتقع في وهدة الغموض غير الشفاف . هذا الانتظام الدلالي المفهومي يتجلّى في النمط الشعري المأخوذ بالعمارة العتيدة للشعر العربي، بل أيضاً، وبصورة واضحة في المضامين الأخلاقية العروبية الإسلامية الآخذة بمجامع المعاني، وأحوال الأماني، وتداعيات الثواني، فإذا بالمضمون طائر فريد جناحاه من الشكل المُنوْرس بعلياء القافية والتفعيلة الخليلية، ومضمونه تواشج الرؤية مع معارج الإيمان الذي قال فيه القائل : للعلم أهل وللإيمان ترتيب وللعلوم وأهليها تجاريب فالعلم علمان مطبوع ومكتسب والبحر بحران مركوب ومرهوب وبهذه المثابة المعنوية الأخلاقية نتوقف أمام العنوان اللمّاح " صدى الإيمان " لندرك أبعاد الخطاب، ولنسافر مع البيان في مدارج الإحسان، ولنتلمّس الطريق إلى معالم الافتتان بكريم الخصال وتصاريف الزمان، وبهذا القدر من الإمعان نستشف أصل المقال من العنوان، وندرك بهاء الحال ، ومعنى المآل.