العليمي يؤكد المضي قدما في إجراءات توحيد وتكامل القوات المسلحة والأمن    ضيوف الرحمن يواصلون توافدهم إلى مكة المكرمة استعدادا لأداء مناسك الحج    اليويفا سيمنح برشلونة 50 ألف يورو    التصفيات قادمة.. صراع أجنحة داخل مليشيات الحوثي وفشل ذريع وراء مسرحية شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية    اليمن يرحب باعتماد مجلس الأمن الدولي قراراً يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    البنك المركزي يوضح سبب صرف مرتبات مايو عبر البنوك الموقوفة    النائب حاشد يغادر مطار صنعاء الدولي    مول سيتي ستار في عدن.. سوق تجاري بمضمون خيري إنساني مراعاة لظروف الأسر الاقتصادية    «كاك بنك» يسلم ثانوية لطفي جعفر أمان مواد مكتبية ومعدات طاقة شمسية    بكر غبش... !!!    عملاء الوحدة اليمنية في شبوة يتخوفون من اجتماع الجمعية الوطنية في عتق    عفاش وبضاعته المزيفة ومن يحلم بعودة نجله    بطعنات قاتلة.. شاب ينهي حياة زوجته الحامل بعد فترة وجيزة من الزواج.. جريمة مروعة تهز اليمن    بالفيديو.. رئيس ''روتانا'' يفاجئ الفنان محمد عبده عقب عودته من رحلته العلاجية .. وهذا ما فعلته ''آمال ماهر'' مع فنان العرب    صواريخ حزب الله الجديدة تهدد تفوق الطيران الحربي الصهيوني    موراتا يطلب الانتقال إلى الدوري السعودي    مفاجأة رونالدو.. السعودية تتجاوز الفخ الصيني    الإطاحة ب''نصاب'' جنوبي اليمن وعد مريضًا بالفشل الكلوي بالتبرع بإحدى كليتيه وأخذ منه نحو مليوني ريال    مساء اليوم.. المنتخب الوطني الأول يواجه النيبال في تصفيات آسيا وكأس العالم    بشكل "سري" تجار ورجال اعمال يفرون من صنعاء لتجنب سطو وانتهاكات الحوثيين    مليشيات الحوثي تسيطر على أكبر شركتي تصنيع أدوية في اليمن    منظمة حقوقية: سيطرة المليشيا على شركات دوائية ابتزاز ونهب منظم وينذر بتداعيات كارثية    بعد تأجيله يوم أمس.. الإعلان عن موعد فتح طريق ''الحوبان جولة القصر الكمب مدينة تعز''    بعد إعلانها ضبط شبكة تجسس.. رئيسة منظمة حقوقية في صنعاء تتنبأ بنهاية المليشيات الحوثية    حسام حسن: البعض يخشى نجاح منتخب مصر.. والتحكيم ظلمنا    انهيار جنوني .. محلات الصرافة تعلن السعر الجديد للريال اليمني مقابل العملات الأجنبية صباح اليوم    عن جيراننا الذين سبقوا كوريا الشمالية!!    أطراف الصراع في اليمن وحرب المصالح    هل فقدت مليشيا الحوثي بصيرتها؟!    الحوثيون يوقفون عشرات الأطباء والعاملين الصحيين في صنعاء تمهيدًا لفصلهم من وظائفهم    حكم التضحية بالأضحية عن الميت وفق التشريع الإسلامي    إتلاف كميات هائلة من الأدوية الممنوعة والمهربة في محافظة المهرة    تشيلسي مهتم بضم الفاريز    ساني متحمس لبدء يورو 2024    إعلان مفاجئ من بنك الكريمي بعد قرار البنك المركزي بعدن وقف التعامل معه!!    مجلس الأمن يتبنى مشروع قرار يدعم مقترح بايدن لوقف إطلاق النار بغزة    الحكومة تندد باستمرار التدمير الحوثي الممنهج للقطاع الصحي    "صنعاء على صفيح ساخن.. الرعب يسيطر على المليشيا الحوثية و حملة اعتقالات واسعة"    أكبر عملية سطو في تاريخ الأدوية اليمنية: الحوثيون يسيطرون على مصانع حيوية    بوتين يهدد بنقل حرب أوكرانيا إلى البحر الأحمر    السلطات السعودية تكشف عن أكبر التحديات التي تواجهها في موسم الحج هذا العام.. وتوجه دعوة مهمة للحجاج    النفط يرتفع وسط توقعات بزيادة الطلب على الوقود خلال الصيف    آخر ظهور للفنان محمد عبده عقب تلقيه علاج السرطان .. شاهد كيف أصبح؟ (فيديو)    الحوثيون يمنحون مشرفين درجة الماجستير برسالة واحدة مسروقة وتم مناقشتهما(أسماء)    فضل الذكر والتكبير في العشر الأوائل من ذي الحجة: دعوة لإحياء سُنة نبوية    مانشستر يونايتد يسعى لتعزيز هجومه بضم المغربي يوسف النصيري    وزارة المالية تعلن إطلاق تعزيزات مرتبات شهر مايو للقطاعين المدني والعسكري والمتقاعدين    ارتفاع في تسعيرة مادة الغاز المنزلي بشكل مفاجئ في عدن    خلال تدشين الخدمة المدنية للمجموعة الثانية من أدلة الخدمات ل 15 وحدة خدمة عامة    افتتاح جاليري صنعاء للفنون التشكيلية    افتتاح معمل وطاولة التشريح التعليمية ثلاثية الأبعاد في الجامعة اليمنية    "هوشليه" افتحوا الطرقات!!!    وفاة واصابة 4 من عمال الترميم في قبة المهدي بصنعاء (الأسماء)    عالم آثار مصري شهير يطالب بإغلاق متحف إنجليزي    أحب الأيام الى الله    السيد القائد : النظام السعودي يتاجر بفريضة الحج    النفحات والسنن في يوم عرفة: دلالات وأفضل الأعمال    ما حد يبادل ابنه بجنّي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحراب..المحراث..الشراع..القيثارة
أربعة أشياء كتبت مجد تهامة
نشر في الجمهورية يوم 20 - 01 - 2007


- عبدالرحمن طيب بعكر ..
1 المحراب
في التحقيق لا سبيل إلى التفريق بين العالم الحق والصوفي الحق لأنهما مظهران لشيء واحد هو دين الله، فعلى حين يكون جانب العالم جامعاً راسخاً في علوم الشريعة وعلوم اللغة وبقية المعارف فإن جانب الصوفي هو الذي ينقل ذلك الكم المعرفي إلى ممارسة راشدة متجردة لوجه الحق سبحانه ومخلصة في عطفها على بني الإنسان والأخذ بأيديهم إلى دروب الخير وآفاق الجمال والكمال، ومخطئ جدّ الخطأ من يحرص على الفصل بينهما وإثارة الزوابع في عطائهما وقديماً قالوا: من تفقه ولم يتصوف تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه تزندق، ولأمر ما غصت جنبات تهامة بذلك الطراز الفذ الجامع بين علمي الشريعة والتزكية المربية فرأيتهم وأنت تقرأ مثلاً كتاباً كطبقات الخواص للشرجي وقد ملأوا السهل المبارك مابين البحر والجبل وشمالاً من حلى ابن يعقوب وشرجة حرض إلى منتهى الجنوب في موزع مروراً بالمحالب وأيبات حسين وبيت عطاء بالزيدية والضحي والمراوعة والشويراء برأس وادي سهام محل آل زكريا الذين قال عنهم الولي المصلح قاضي قضاة اليمن إسماعيل بن محمد الحضرمي إنَّ لهم منة على كل ذي محبرة في اليمن تواصلاً مع بيت الفقيه ابن العجيل وفشال وزبيد وقد ظهر كبار أعلامهم في القرن السابع وأطلنا البحث عن تفسير تلك الظاهرة في كتابنا «كواكب» فتقاطر قطارهما الكريم من أمثال علي الطواشي في حلى ابن يعقوب وانتهاءً في الجنوب بصاحب الشاذلي في المخا تواصل مددهم المبارك عبر القرون متألقين علماء أولياء يجاهدون في مساجدهم وزواياهم وأربطتهم لنشر مايمكننا تسميته بالتعليم الخاص للمريدين الراغبين في كل مجالات المعرفة إلى جانب التعليم العامة الذي كانوا يبثونه بين الناس عامتهم وخاصتهم ويستعينون في نشر ذلك بإحياء المناسبات العامة إسلامياً أمثال: ذكرى رأس السنة الهجرية، وذكرى المولد النبوي وأول جمعة من رجب دخل فيها اليمن الإسلام،وذكرى الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، أما رمضان كله فهو بحر القرآن والإحسان والتزكية والرضوان والتربية، والغفران، وإني لأعجب اليوم من المتضايقين من إحياء تلك المناسبات بحجة أنها بدعة وماعلموا أن رجال الله جعلوها مهرجانات خير لعلاج المجتمع وتطبيب جراحه والعودة به إلى باب الله سبحانه، وقد برز رجال منهم في العطاء حتى قام الفرد الواحد منهم بدور دولة محلية أو منظمة عالمية فكان ابن العجيل وأولاده وأحفاده يطعمون في سنوات الجدب ثلاثة آلاف جائع يومياً، ووقف أحمد بن موسى العجيل عمره لقضاء حوائح الناس حتى إنه في آخر ساعة من عمره كان يكتب شفاعة لأحدهم فوافاه الأجل وهو يكتبها وحفظ الشعر ذلك له فقال الكناني أمير حلى بن يعقوب:
أتاني كتابُ ابن العجيل فبسته ثلاثاً وقابلت الكتاب بإسعاف
ثلاثين ديناراً يريد حطيطها فياليتها كانت ثلاثة آلاف
وكان محمد بن الحسين البجلي يقوم بمفرده مقام منظمة في الدفاع عن حقوق الإنسان ومن تمثَّلاته:
ولو أننَّي أسعْى لنفسي وجدتني كثير التواني في الذي أنا طالبه
ولكننَّي أسعى لأنفع صاحبي وشبع الفتى عار إذا جاع صاحبه
وقام سفيان بن عبدالله الأبيني بدور دولة مستقلة في الدفاع عن بلاد الإسلام فشارك في إنقاذ مصر من الصليبيين في حملتهم بقيادة لويس التاسع وقد فصلنا كل ذلك مع جهود غيرهم كابن علوان والمقري في كتابنا «دعاة من اليمن» فلا عجب أن يحتفظ الضمير الشعبي بحبهم عبر القرون، ولاعجب أن يفيض الشعر في تخليد مناقبهم ومقاماتهم،فإذا كان كثير قال تائيته المشهورة في حبيبته «عزة»، فإن اسماعيل بن محمد الحضرمي كان ينتزع من أبياتها ويضيف إليها وهو مضطجع جوار قبر ابراهيم بن زكريا في الشويرا ليمس بجلده شيئاً من بركة ذلك التراب مردداً:
خليلي هذا ربع عزة فاعقلا قلوصيكما ثم احللا حيث حلت
ومسا ترابا طالما مس جلدها وبيتا وظلا حيث باتت وظلت
ولاتيأسا أن يعفو الله مامضى إذا أنتما صليتما حيث صلت
ونرى الولي الجمال الصامت، يبالغ بإعزاز مسجد الأشاعر بزبيد وملازمته ومواصلة العبادة فيه ويقول مضارعاً بيتي تقي الدين السبكي في دار الحديث بدمشق حيث كان يقيم الإمام النووي، فقال صاحبنا هذا الزبيدي:
وفي هذا الأشاعر لطف معنى به بين الأنام أظل ساجد
لعلي أن أمس بحُرّ وجهي مكاناً مسه قدم لعابد
ومن آدابهم في تسليم الأمر كله للمولى سبحانه هذه الأبيات الحكيمة وقد كانت قوام تربية المجتمع وبوصلة سلوكياته:
كن عن همومك معرضاً وكل الأمور إلى القضا
فلربما أتسع المضي ق وربما ضاق الفضا
ولرب أمر متعب لك في عواقبه رضا
وابشر بعاجل فرجة تنسى بها ماقد مضى
الله يفعل مايشاء فلا تكن متعرضا
ونسمع ابن المقرئ في الأبيات التالية التي انتقيناها من قصيدة طويلة له يعرض تعلق الأمة بشهر رمضان الكريم وكيفية إحيائهم له وتحسرهم على فراقه مخاطباً الملك الرسولي:
جمعت على الصلاة تصف فيه ذوي الألباب والهمم السوامي
فمن بحر من العلماء طام ومن ليث من العظماء حامي
وقامت للصلاة بهم صفوف تغص بها الأماكن في الزحام
وقامت حولك القراء تتلو حكيم الذكر والآي العظام
مرجعة بأصوات حسان مغردة كتغريد الحمام
وقد أبكت مواعظهم وأمست جراحات القلوب بها دوام
مواعظ وقعها في القلب يحكي بما ضمنه وقع السهام
وذكرى لايضل بها وحكم يبين به الحلال من الحرام
فوأسفا على تلك الليالي وطيب العيش فيها والمقام
طواها في يديه الدهر طيا فكانت مثل أحلام المنام
رضعت ثديّها وفُطمت عنها فما أدنى الرضاع من الفطام
فيا شهر التلاوة قدر تدانى فراقك وانقضى عقد الزمام
وهذي ليلة القدر اقترينا مواهبها بآيات الختام
مباركة يفك الله فيها رقاب مكبلين من الأثام
فكم من دعوة رفعت لداع فقد نال البعيد من المرام
وقد خرجت تواقيع ببشرى على أيدي الملائكة الكرام
وأبواب السماء مفتحات لمن يدعو الإله من الأنام
فمدوا بالدعا الأيدي إليه فليس ترد دعوات الظلام
وكم كان ملوك بني رسول وأمراؤهم ونساؤهم ومن بعدهم الطاهريون وصالحوا العثمانيين موفقين حين كانت هداياهم للشعب تتمثل في نشرهم للمساجد العامرة بطلبة العلم والركع السجود إلى جانب مناهل الشرب وخانات الإيواء للمسافرين في المفازات المخوفة والصحاري المقفرة ممالايزال باقيا إلى اليوم شاهداً لأولئك الحكام الموفقين.
2 المحراث
ماالتقى العنصران المباركان ماء دافق وتربة خصبة إلا قامت عليهما وفي جوارهما حضارة، إذ لا حضارة إلا بعمران ولاعمران إلا باجتماع ولا اجتماع إلا بتأمين غذائي، وهو مايتحقق واقعاً في حياة الناس حين ينضم إلى العنصرين السالفين عنصر ثالث فعال هو أداة الحرث ووسيلتها «الثور» من أجل ذلك رأينا الحضارات الكبرى تمجد بل تقدس ذلك الحيوان الرامز إلى اكتمال الخير والنماء، فمجده الهنود ومجده المصريون ومثلهما أو قبلهما مجدت حضارة أرض الجنتين ذلك الحيوان المبارك، فلم سكت عنه الشعر ولم يشد بدوره كما ينبغي؟ لعل ذلك يعود إلى أن الشعر العربي تفجر ينبوعه من أرض صحراوية لاتعني بالزرع قدر عنايتها بالترحال طلباً للنجعة وارتياداً للمرعى فكانت عنايتها منصبة على تمجيد دور سفينة الصحراء «الجمل» فانصب شؤبوب الإبداع عليه مسجلاً مختلف أحواله وكيفيات أدائه المتنوع وصمتوا عن الثور ولرب قائل يقول: إنَّ أحاديث التحذير من ملازمة أذناب البقر ومن السكة التي مادخلت داراً إلا دخل الذل معها هي التي ألقت ظلها على هذا، فأوجبت التناسي أو النسيان وعلى كل حال، فإن الزراعة واستخراج الرزق من خبايا الأرض فريضة من فرائض الكفاية في هذا الدين وقد تكاثرت في الصحيحين وغيرهما أحاديث الندب إليها والحث عليها حتى وإن كان في يد أحدهم فسيل وقامت القيامة فليغرسه، وحتى إن موسوعتنا الفقهية أفردت كتاباً خاصاً باسم احياء موات الأرض وأنها لمن سبق إليها وأن للزارع أجر كل ماأكلته ذات كبد حراء من طيور أو سباع أو دواب أو هوام الأرض وقد رأينا أكابر الصوفية المحمدية يباشرون إحياء الموات وتنشيط عملية الحرث كما كان يفعل الولي محمد بن أبي بكر الحكمي في عواجه وكما كان يفعل «بامعبد» في أراضينا الجنوبية وقد عني كبار علماء الاجتماع الإسلامي بتوضيح أهمية توفير الرغيف تحقيقاً لرفاه العمران حتى إن أحدهم وأحسبه حجة الإسلام الغزالي ذكر أن صناعة الرغيف الواحد يشترك في تحقيقها منذ كانت في مبدئها بذرة وإلى أن تصير في معادها ثمرة فرغيفاً ثلاث مائة وخمسون فرداً، وبعد كل هذا يؤسفني أن أضطر إلى تسجيل صمت شعرنا المعرب عن الإشادة بمجد الثور وندرة ماورد منه في شعرنا الملحون وكان لعلي ابن زايد حكيم منكث في أرض يريم بل حكيم كل أرض اليمني زراعياً.
ياثورنا طال عمرك عمر الهلال اليماني
يشيب في آخر الشهر يصبح هلال يوم ثاني
لولا العتب والملامة لا قول لثور وآبه
يابوي يابوي عيالي
وكان من ألصق نصوصنا العربية بالفلاح خالق مجدنا الزراعي ورافع حضارتنا على محراثه قصيدة للأخطل الصغير بشارة الخوري يحضرني منها عند املاء هذا.
أسمرُ مما لذعته الشمسُ في كفه لكل نفس نفس
فقل لمن يحاولون قتله العدل يقضي أن تموتوا قبله
إن المحراث في واقعنا يشغل حياة 70% من أهلنا انتاجاً ويغمر حياة الجميع حتى أولئك الذين في ناطحات السحاب وأصروا على مزيد من الغياب عن معاناة أهلهم في سيولتهم النقدية وأرصدتهم البنكية فمتى ياترى يقوم ميزان العدل بتصحيح هذا الجانب الهام والأساسي في حياتنا، لم يبق إذن ماأقدمه من رذاذ شعري هنا غير أبيات لشاعر تهامة المعاصر عبدالله حسن غدوه «وإن لم يكن وابل فطل»:
ومر في الدرب ليلاً يقول بعض المواشي
لم يبق لي بين بيتي يارب حتى فراشي
طالبت شرعاً بحقي وجدت ظلماً وراشي
رباه قد ضاق عيشي حتى كرهت معاشي
فالعدل ولى طريداً والليل يغشاه غاشي
حقي سحابة صيف تمر دون رشاس
من نص آخر له:
ياناشرات الجناحين على بواسق تهامة
حيث القطوف الدواني طابت جنى والغمامة
سقتها في ليل دانٍ ففاح عطر البشامة
غنين بالله غنين لمن يعاني غرامه
مختتمين إيرادنا لنصوص غدوة بهذا النص الجميل الطويل «وزبة»:
وامسيل هد وامسيل هد من بعد ما أبرق وأرعد
يسقيك يايمن السد هتان جاري سرمد
وامسيل هد وامسيل هد
قم يامزارع بالجد وازرع لأرضك تسعد
فيها وعيشك أرغد فاعمل ولاتتردد
وامسيل هد وامسيل هد
أرض السدود والوديان والحب ثم الريحان
والرزق يأتي الإنسان إن كان يعمل بالجد
وامسيل هد وامسيل هد
ماأحلى مقيل وامسمره لما تكون قي امطره
وامطير يعلن سره على أمنخيله غرد
وامسيل هد وامسيل هد
وامعذق مكسي خضرة كساه رب القدرة
دخن وزعر وذره واماي عرفه خمره
مبخر بين أمكد
وامسيل هد وامسيل هد
3 الشراع
إذا عرفنا أن الساحل اليمني على البحر الأحمر والمحيط الهندي يزيد على ألفي كيلو متر وعرفنا أن الجزر اليمنية تزيد على خمس وأربعين جزيرة وعرفنا أن المواقع السكانية الساحلية اليمنية المتفاوتة بين كبر العاصمة وصغر القرية تبلغ عشرين موقعاً، وعرفنا أن مجموع المدن الكبرى اليمنية يبلغ ست مدن يتمتع الساحل منها بثلاث هن: الحديدة، وعدن والمكلا، استبان لنا أهمية الخط الساحلي الحيز الضخم الذي يملأه مواطن الثغر ويضاعف أهمية هذا المكان والإنسان بالنسبة للشأن اليمني العام أن فيه أهم الثروات وأغزر الموارد إلى جانب مراكز التحصيل الجمركي، ومع استخدام الثروة النفطية ازدادت أهمية الساحل باعتباره المصب ومركز الشحن والتصدير لهذا المورد النفيس مع استمرارية الدور التقليدي، للموانئ استيراداً وتصديراً وفيه تقوم أهم مصافي الجمهورية في البريقة «عدن الصغرى» ومن وراء كل ذلك المحطات المركزية للطاقة التي تغذي أكبر قطاع من الجمهورية ثم يأتي دور الجزر المتفردة أمنياً وسياحياً ذلك أن اليمن عبر تاريخها الطويل لم تغز غزواً قاتلاً إلاَّ عن طريق البحر إذ تصبح هذه الجزر عند خلوها من الحراسة العسكرية القادرة منصات وثوب للغازي إلى الداخل، تكرر ذلك مع المصريين القدماء ومع الأحباش ومع الانجليز، وتزداد أهمية هذه الجزر كلما عرفنا تزايد سيطرة الدول الكبرى على سائر الخضراء واتخاذها مراكز نفوذ لمحاصرة واستغلال من تشاء، ويكفي أن نعرف ماضحت به بريطانيا في حرب الفوكلاند بجوار الأرجنتين وهي تبعد عن بريطانيا الأم بأكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر ولايزيد سكانها عن ثلاثة آلاف مواطن فجردت من أجل الاحتفاظ بها حملة عسكرية بحرية وجوية كلفتها غالياً من المال وألفاً وخمسمائة نفس من الرجال، وهانحن نشهد إسرائيل تصول وتجول في المداخل الجنوبية للبحر الأحمر لتتخذ منها مركز ضغط لا على اليمن وحدها وإنما على سائر الجزيرة العربية بعد أن تمكنت من السيطرة على حكومة أسمرة واتخذتها مركز ضغط ضد كل أفريقيا وظهر مؤخراً بعد مضي عامين على الاحتلال الاريتري لجزيرة حُنيش مايدعى «بجمعية الصداقة الإريترية اليمنية» تجاهر في صنعاء بكل وقاحة إلى إقامة كونفدرالية بين اليمن ودول القرن الأفريقي:
إريتريا، أثيوبيا، الصومال، وتهاجم التعاون القومي العربي والإسلامي، ولقد أهاجت هذه التجاوزات المعادية في النفس شجوناً وشئوناً أفرغتها في نصين من خطاب المطوق:
خطاب المطوق «1»
«إلى مطوق نخيل السحاري عجل الله خلاصه»
على نسمات ذا الفجر الربيعي وفي تيجان باسقة الجذوع
أطالت شدوها والصبح يحدو ويلهو في أراجيح السجوع
وفيروز من الألوان يزهو مع الأنغام في مرح بديع
سألنا يامطوق عنك خبتا وودياناً مشعثة النجوع
وأنت هنا على هام السحاري وفي ردهات شاطئه الوديع
تذوب على أرائكه التياعاً وتكتب بالدماء وبالدموع
لعل عيون صنعا حين تصحو تترجمها إلى نصر رفيع
لقد ضجرت نوارسنا ب «دوما» «1» يسيطر في الذهاب وفي الرجوع
ويبصق من حنيش لجارتيها على أنف المدافع والدروع
ويفزع حضرموت ومرفئيها فكيف برأس عيسى والقُطيع
«خطاب المطوق» «2»
عاد المطوق بعد الفجر يصبيني كأنه دون خلق الله يعنيني
ماذا نقول لوادينا وساكنه ومالدينا سوى عزف وتلحين
ياصاحبي إن خلق الله غارقة حتى الأنوف بمعدود وموزون
على الرخام وحول النفط أعينهم هناك في أرض سلحين ودمون
وماحنيش وألف من شقائقها ليست لديهم سوى فرشاة معجون
الأرخبيل سنهديه بلا أسف من شأن خاطر «جيكوب» و«شمعون»
ومايبالون «بكلاناً» وإخوتها إلا لجمركة أو عند تعيين
يهوون أرجاءها كسبا وتسلية بلاج سائحة أو أرض تعدين
ومادروا أن باب العز أجمعه والذل مابين بكلان وميون
إنسان ذا الشط لم تنضج عجينته مثل «الأميبا» ثوى في السلّم الدوني
ويبدوا أن شاعر الشط التهامي حديثاً هو الأخ الشاعر المعاصر عبدالله غدوة وقصائده البحرية المصورة معاناة الشراع وأبطاله، ومن ذا الذي لم تهزه قصيدته «واصياد» وقد اخترنا من ديوانه: «أغاني البحر» النصين التاليين:
وازيب قر وازيب قر مال أمبحر مااستقر
ماله هياجُ استمر واليوم مركبي شمر
وامبتان له حزر ياخوفي إذا عبر
يقلب به على أمحجر وازيب قرّ وازيب قرّ
ليلى طال واستمر لا نجمه ولا قمر
وازيب قر وازيب قر طال العزف بالوتر
ياحنيش يازفر وازيب قر وازيب قر
وأنا عاشق أمبحر حبيته من أمصغر
في حلي وفي امسفر ألقى فيه ماأمر
وأقبل منه ماخطر حتى لو يكون خطر
غويت في باحة القدوم وامساعيه جارية فيها
جاوشت فيها سنين واليوم ضاعن عليَّ مجاريها
وعادها جحبن في كوم في شعب عرى مراسيها
شراعها وأمد قل مقسوم قسمين الله ينجيها
وطال ليلي وأشرق أميوم وكم كوتني مكاويها
بر الأمان أموهان معدوم كيف أوصلك في دياجيها
بقين ظلام وأنا مظلوم مافيش وهان يجليها
أنا من نسيم الصباح محروم وضحكة الصبح غطوها
4 القيتارة
لأمر ما نسبوا عبقر إلى مكان ما من أرض بجيلة الممتدة مساكنها من جنوبي الطائف ومكة إلى وادي مور وتفننت أخيلة الشعراء كما فصله فوزي معلوف عن كائنات هذا المكان الفياض بالغريب والأغرب من المواهب والقوى الخارقة وكان لتهامة أن تنال على الأقل رشحات من ذلك من باب بركات الجوار، والشعر فيها ليس منقبة خاصة بالأعلين من ذوي الثقافة والتبريز العلمي، وإنما هو منحة شائعة بين الأميين والمتعلمين على السواءً، وليس المدهش هنا ظهور أصحاب الصدارة في ديوان الشعر اليمني ممن أحرزوا مكانة عالية في علوم اللغة وفنون القول، وإنما المدهش حقاً هو شيوع الإجادة الشعرية في صفوف الأميين من رجال ونساء حيث تتفحص نثار قرائحهم ورذاذ سحائب مواهبهم الشعرية فيذهلك ماتراه من دقة في تبويب أنواع الشعر لديهم حتى لكأنه علم مكتوب ومعرفة مدونة يتلقاها الأحفاد عن الأجداد دراسةً وتحصيلاً وليس سليقة مطبوعة تفوق إصابات الدارسين وإبداعات المتخصصين فهذا «وزبة» وذاك «شعر يماني» وآخر شعر شامي، ورابع موال وخامس يدعونه الشعبي نسبة إلى الشاعر المبدع من أهل المراوعة شعيب الأهدل وتراهم قد تفننوا في أنماط كل ذلك ومذاهبه، فهذا موال يقال في البحر وهذا وزبة وهي نوع من الرجز يقال في المناسبات العامة وينشد جماعياً يأتي فيه البداع بشطرة ثم الشطرة بينما ترجز الجماعة وراءه بتفعيلة من تفعيلات الوزن حتى يكتمل من ذلك قصيد طويل محكم ونمط يقال في المزارع وهجلاتها تلاماً وحصاداً ونمط آخر يكون في الأعراس ذلك عند الرجال، وللنساء تفصيلات طويلة وأنماط متفرعة من طرائق القول، خاصة في أحفال الأعراس ولهن عند الطحين وعند غسل رأس العروس صباح يوم الزفاف ثم عند جلستها استعداداً لزفافها ثم جلستها عند جلوة عريسها لها وقد تم زفافها إلى بيته، لهن في كل ذلك أغاريد وسجعات تأخذ بلبك إن أنت فقهت مفرداتها وتابعت صورها ومشاهدها وقد تأتى لهن كل ذلك في قالب فني رفيع على بساطته وإشراقه وأكثر مايسترعي انتباهك منهن مقدرتهن الفائقة على التزام الوزن وبناء القافية والإتيان بالصورة بعد الصورة مشبعة بالتشبيه البليغ والرمز الأنيق ممالاتجده لدى الكثيرين من أدعياء الشعر عمودياً أو تفعيلياً وسنرى في الإطلالات القادمة أنماطاً من ذلك وأسماطاً تقدم نفسها إلى كل النفوس المتذوقة وتستولي على المشاعر والألباب، ومن كل ماسلف نعرف أن الشعر مطلقاً هو في هذا المكان ولدى إنسانه ضروري كالهواء، أساسي كالقوت وعنصر من عناصر الحياة يلازمك في غير فكاك منه أو استغناء عنه.
«1» دوما: الضابط الإسرائيلي الذي قاد الهجوم على حنيش.
من آخر كتبه «هكذا غنَّت تهامة»!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.