على مسامع الرياح يعلو قرع الطبول ليتنبأ ببدء الاحتمالات الصيفية مبكراً ليتجمهر الأهالي في باحة القرية لينثرون ألوان الفرح والمرح، وفي هذه الأوقات تطلق بعض الأجراس رنيناً حاد لتشهد وفاة والد شيماء المقعد بمرض مزمن أثقل كاهلها فتعالت صرخات شيماء حزناً وألماً وكأنها تنازع حياتها فعلت صرخاتها قرع الطبول ليسقط جسدها أرضاً فوصلت صرخاتها لمسامع الأهالي حتى زالت ألوان البهجة والسرور فعلموا بما صار لشيماء تلك الفتاة التي تحدت كل مقاييس الإرادة لأنها كانت عمياء لاترى إلا بمشاعرها وأحاسيسها، رافضة شفقة الآخرين متحدية إعاقتها لتكون ممرضة لوالدها والكل كان يفتخر بها ولكن موت والدها جعلهم يشكون بقوتها على الاحتمال، لأن بسبب وفاة والدتها في الصيف الماضي كان حزنها عميق وكثيرة البكاء حتى غسلت دموعها بصرها وبعد خروجها من المشفى عادت شيماء وإلى دارها مع بعض الأصدقاء وبعد رحيلهم مكثت شيماء في دارها وعلى مقعدها الذي يشرف على البحر عبر شرفة غرفتها فرحلت متأملة مع نسائم البحر لتصل إلى أعماقه لتستكشف أسراره ، فترى حياة جميلة عائمة في أعماقه فكان هناك مخلوق لأول مرة تشعر بوجوده لمافيه من رقة وحنان ، كانت لاتراه ولكن تلمسه بمخيلتها أنه أملس ناعم كالحرير وصوته دافئ كخرير المياه وحنون كوالديها الراحلان وكان ذلك الحيوان هو «الدلفين» وفي الوقت نفسه تعالت أصوات مشابهة لماتراه بمخيلتها ففتحت عيناها فترى البحر أمامها والدلفين يناديها فتجهمت وقالت: أني أرى لا أتخيل فأغمضت عينيها مرة أخره وفتحتهما بسرعة فرأت البحر كالمرآة والنجوم المعكوسة عليه تحت ضوء القمر يجعلان البحر كإرادة فضي المرصع بلؤلؤ والدلفين يناديها لتحضر الحفل الذي أعد لها تحت ضوء القمر في ليلة البدر فسارت شيماء بخطوات مسحورة تجاه الدلفين حتى شعرت بمياه البحر الباردة فاقتربت منه فاختفى الدلفين فهمهمت وقالت: إني أحلم وفجأة شعرت بشيء يلامس ساقيها بدفئ وحنان فغمرت رأسها وجسدها بمياه البحر وأخذت تداعب الدلفين وتلعب معه كطفلة فمضى الليل ولم تشعر بشروق الشمس وعند الصباح رأى الصيادون شيماء تطفو على سطح البحر كوردة الزنبق بلونها الفضي وابتسامتها الساحرة وبين يديها الدلفين ولكنها ميتة.