الفريق علي محسن الأحمر ينعي أحمد مساعد حسين .. ويعزي الرئيس السابق ''هادي''    ما لا تعرفونه عن الشيخ عبدالمجيد الزنداني    وفاة ''محمد رمضان'' بعد إصابته بجلطة مرتين    «الرياضة» تستعرض تجربتها في «الاستضافات العالمية» و«الكرة النسائية»    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    بين حسام حسن وكلوب.. هل اشترى صلاح من باعه؟    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    السيول تقتل امرأة وتجرف جثتها إلى منطقة بعيدة وسط اليمن.. والأهالي ينقذون أخرى    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مدينة الزهرة الجديدة..
أيام
نشر في الجمهورية يوم 25 - 02 - 2007


اثيوبيا تنهض
من جديد
وأنا على متن رحلة اليمنية رقم «624» المتجهة إلى العاصمة الاثيوبية.. «الزهرة الجديدة» الإثنين 27 نوفمبر الماضي.. كانت تجول في ذهني خواطر مشتتة ومتعددة عن الصلات التي تربط ضفتي البحر.. وأسماء تدق مسمعي بقوة «الحبشة» «الجعيز» هيلاسلاسن منجستوهيلا ويام ومحمد عبدالولي وأشياء أخرى مشتركة «البن» و«القات» والملكة سبأ ودول تجمع صنعاء .. الذي تستضيف اديس ابابا قمته الخامسة..
وكنت قد زرت اديس ابابا قبل نحو أربعة أعوام في إحدى دورات تجمع دول صنعاء وحدث أن كنت قريباً من حديث يتسم بالحميمية بين الرئيس/علي عبدالله صالح، ورئيس الوزراء الاثيوبي/ميليس زيناوي في منطقة سولد ري حيث الشلالات الطبيعية ومضمون ذلك الحديث التجربة التي مرت بها اليمن في مجال التنمية الزراعية من خلال تقديم الدولة لقروض ميسرة للمزارعين في الحصول على المعدات والميكنة المتاحة والحديثة لتطوير أدوات الزراعة.
وكان ذلك الحديث بين الرجلين على خلفية الاستفادة من الإمكانات الطبيعية الهائلة من حيث الأرض وتوافر المياه في اثيوبيا.. بينما لازال بعض المزارعين يستخدمون في حرث الأرض على الابقار والحمير أو بالايدي !!
ولست أبالغ إذا ما قلت بانني عندما وصلت إلى اديس ابابا وزرت هذه المنطقة ذهلت لما يحدث فيها من تغيير جذري في كل شيء.. لقد انقشعت غيمة البيوت الصحفيحية التي كانت تقتطع اجزاء شاسعة من العاصمة واقيمت على أنقاضها مبان ضخمة وشقت الطرقات الواسعة وفتحت المحال التجارية والسوبر ماركت ومعارض السيارات وصوالين الحلاقة والكافتيريات وضجت أمسيات أديس ابابا بمهرجانات الرقص والمتعة وأضواء الفرح.
باختصار ورث الرجل القوي في اثيوبيا ميليس زيناوي اوضاعاً مأساوية جراء النظام الاشتراكي الذي قاده الرئيس الأسبق/منجستو هيلاويام طيلة خمسة عشر عاماً منذ الانقلاب الذي قاده ضد الامبراطور هيلاسلاسي الذي ظل رفاة جثمانه مدفوناً تحت أرسي حكم منجستو طيلة فترة حكمه حتى تم العثور على هذه الرفاه بعد الإطاحة بالنظام الاشتراكي بأشهر قليلة !
وأبسط صورة يمكن رسمها لاثيوبيا الناهضة اليوم مع الفارق بالنهوض الذي شهدته عدن منذ ما بعد صيف 1994م من حيث اقامة مشاريع البنية الاساسية والسماح للمستثمرين بإقامة مشاريعهم في كل ارجاء المدينة مما يعني خطاً بيانياً تصاعدياً في اتجاه تغيير نمط الأداء والنماء بصورة جذرية ولكنها ايجابية.
أقول مع الفارق بين عدن واديس ابابا.. فإن العاصمة الاثيوبية هي عاصمة دول القرن الافريقي بلا منازع.. واثيوبيا هي قلب افريقيا النابض، ولا ادري لماذا بعض العرب لايقرون بهذه الحقيقة؟!
وحسب مستثمرين يمنيين تعرفت إليهم في اديس ابابا قدموا من اليمن للاستثمار في اثيوبيا فان إجراءات الحصول على رخصة مزاولة العمل التجاري أو الاستثماري لايستغرق عدة ساعات بعدها يتم منح المستثمر قطعة الارض مجاناً مقابل دراسات عن جدوى المشروع، ويمكن في حالات كثيرة منح المستثمر قرضاً بنكياً بنسبة «75%» من قيمة المشروع بينما يمنح المستثمر اعفاء ضريبي يمتد إلى سبع سنوات.
وهو إجراء سليم لجذب الاستثمارات الخارجية تذكرته مع دعوة فخامة الأخ الرئيس/علي عبدالله صالح، مؤخراً إلى الجهات المختصة في مجال الاستثمار بإعادة النظر في إجراءات التعامل مع المستثمرين خاصة وأنها جهات يفترض أن تعنى بجذب الاستثمارات لاتطفيشها!
قصة (حبشات) و(الجعيز) اليمنيتين
قلت في بداية حديثي أن أشياء مشتركة كثيرة بين اليمن واثيوبيا.. فنحن نتقاسم نفس الرقعة الجغرافية التي قيل أنها كانت أرضاً واحدة قبل حدوث الأخدود الكبير الذي فصل اليابسة ليظهر البحر الأحمر.. ونتقاسم أىضاً نفس الحضارة السبئية التي لاتزال شواهد من هناك تؤكد دخول الخط السبئي المسند في تماثيل ولوحات يرجع تاريخها إلى ملايين السنوات.
كما أن للمؤرخين آراء في رصد السجال التاريخي بين شعبين أوشعب واحد وأرض واحدة.. تشطرت إلى قسمين.
وفي كتابه «ثغر اليمن» يقول المؤرخ أبومحمد عبدالله بن أبي مخرمه.. إن البحر الأحمر كان براً واحداً حتى عدن ووراء جبل سقطرى إلى أن جاء ذو القرنين في طوفاته الدنيا فحفر فيه خليجاً من البحر فجرى فيه البحر إلى أن وقف عند باب المندب فبقيت عدن في البحر وهو مستدير حولها.
وللمزيد من التعريف بقوة الصلات المشتركة فإن هناك من يرجع اسم «الحبشة» إلى إحدى القبائل اليمنية المعروفة باسم«حبشات» وهي من القبائل التي ترجع التقديرات دخولها إلى نحو ألف عام قبل الميلاد.
وينقل الباحث«ريتشارد جرينفلد» قوله «أنه مع دخول هؤلاء المستوطنين الجدد من اليمن إلى الحبشة فقد دخلت معهم لهجاتهم السامية وحضارتهم السبئية بما في ذلك الخط السبئي ومهاراتهم العمرانية والزراعية و سرعان ماتأقلم هؤلاء الوافدون مع محيطهم الجديد ،ونشروا الكثير من أوجه تراثهم السبئي الأصيل وزرعوا بذور حضاراتهم بين السكان الأصليين الذين لم يكونوا قد تجاوزوا طور الحياة البدائية وامتزج الدم السامي بالدم الحامي مع تعاقب الايام ،وأصبح هذا المزيج البشري المطعم يعرف فيما بعد ب«الاحباش».
ومن المعروف تاريخياً بأن اليمنيين هم من ادخل اللغة المكتوبة لغة «الجعيز» بحروفها السبئية والحميرية.. وهي اللغة المكتوبة الوحيدة التي ساعدت في تدوين منجزات الانسان في هذه المنطقة ،والا لكانت كغيرها من دول القارة السوداء التي تحكي لغات عدة ولكنها تفتقر إلى الكتابة.
فرص استثمارية مشتركة واعدة وبخاصة في مجالات الزراعة.. والانتقال التدريجي يحدث في الاستفادة من هذه المعوقات في ظروف يعاني منها الملايين في مناطق الجفاف من الجوع والفقر.. وهو مايتطلب تحركاً اكثر من مجرد الاستثمارات الفردية في البلدين.
لقد سمعت وانا هناك من يردد على لسان الامبراطور هيلاسلاسي قوله لابناء شعبه بأن النساء في اليمن يحملن الماء على ظهورهن من الوديان يعتلين به إلى قمم الجبال لزراعة المدرجات.. في ملاحظة على قسوة الطبيعة في اليمن وسهولة الموارد واهمها المائية في بلاده بينما الشعب يعيش في مجاعة !
صحيح الصورة مختلفة اليوم، لكن ثمة ماينبغي ان نستفيد منه في المنافع المشتركة خاصة وقد تجلت الارادة السياسية المشتركة في دعمها لكل مايُفعل هذه العلاقات...
الرئيس
علي عبدالله صالح من المشاهير في إثيوبيا
في مقيل قات لايختلف كثيراً عن اليمن التقيت في اديس ابابا بعدد من الشباب الاثيوبيين اتضح لي فيما بعد من خلال الاسماء التي دونتها أنهم من المسلمين والمسيحيين ،وكان قاسمهم المشترك الحديث عن مبادرة إنسانية للرئيس/علي عبدالله صالح استحق عليها حب وتقدير كل الاثيوبيين بمختلف انتماءاتهم الدينية والقومية.
والحقيقة إلى ماقبل ذلك الحديث لم أكن أعرف شيئاً عن تلك المبادرة.. أو اسمع بها ،ربما لأن الاعلام لم يتداولها أو لأنها صدرت خلال سفري!
وبعد معرفتي بها كنت ألمح إليها خلال احاديثي ولقاءاتي المختلفة مع أوساط اثيوبية متعددة ،وكنت أحس بالزهو والافتخار للأثر الواسع والطيب الذي تركته تلك المبادرة الانسانية الرائعة في قلوب كل الاثيوبيين.
ولقد كان أثرها لايوصف واتساعها داخل اثيوبيا لاحدود له.. فلقد كانت كالنهر المتدفق الذي يروي النفوس العطشى .. وماكان أحد من الرؤساء أو الزعماء يحلم بمثل هذا المجد في نفوس الشعوب الاثيوبية مثلما تبوأ الرئيس/علي عبدالله صالح هذه المكانة في قلوب أبناء اثيوبيا. والمبادرة الإنسانية على الرغم من كونها عادية إلا أنها تنم عن الروح الشفافة والقلب الكبير والفكر الناجح المتسامح الخالص من أية عقد أو أدران.
أما ماهي هذه المبادرة فتتلخص في التوجيهات الرئاسية التي تقضي بمنح الجالية الاثيوبية من الديانة المسيحية في اليمن قطعة أرض لإقامة مقبرة فيها.
والمبادرة على رغم بساطتها كما أشرت إلا أنها تركت آثاراً ايجابية ماكان لها أن تحدث حتى ولو رصدنا ملايين الدولارات للتعريف باليمن وقيادتها السياسية.. فلقد عبّرت هذه المبادرة عن اللمسات الإنسانية الحانية التي عودنا عليها فخامة الأخ الرئيس/علي عبدالله صالح دوماً ، ولقد تلمست ذلك وانا ألتقي بالمسؤولين والمثقفين والبسطاء من الناس في المؤسسة والشارع الاثيوبي خلال زيارتي الصحفية الأخيرة إلى اديس ابابا.
لقد كان الاثيوبي العامل في اليمن إذا ماجاءه الأجل يتكبد المشقة في نقل جثمان الميت إلى وطنه أو أنه يضطر أن يقبل بأسوأ الخيارات لديه «!» ولذلك كان لتلك المبادرة أثرها الطيب في نفوس كل الاثيوبيين.
هذه واحدة من الانطباعات التي تركت أثرها في نفسي ، ووجدت أنه من الواجب أن أشير إليها في هذه الخواطر المنداحة عن بلد يتلمس خطواته إلى المستقبل باقتدار وكفاءة . وواجب كل يمني أن يستفيد من هذه الفرص.. وكذلك المناخ المواتي والثقة المتبادلة بين قيادتي البلدين بزعامة فخامة الأخ الرئيس/علي عبدالله صالح ورئىس الوزراء الاثيوبي ميليس زيناوي.
الاثيوبيون يحتفلون بدخول الالفية الثالثة في سبتمبر
عندما أخبرني الأخ الزميل/عبدالرحمن الصامت ، مدير مكتب الشؤون التجارية بسفارتنا في أديس أبابا بأن موعدي مع رئىس الوزراء الاثيوبي قد تحدد في الساعة الثانية عشرة ظهراً طرت من الفرح لسببين الأول أنني سأعود في نفس الموعد بثمرة اللقاء ، والثاني أن هذا التوقيت مناسب لي من حيث موعد إقلاع طائرة العودة التي كان قد تحدد لها في العاشرة من مساء نفس اليوم.
ولم تستمر فرحتي طويلاً فقد اتضح أن تحديد موعد اللقاء في الثانية عشرة ظهراً لم يكن حسب التوقيت الدولي ،وإنما حسب التوقيت المحلي الذي يعادل السادسة مساء ، ولولا حظي وتعاسة غيري في تأجيل رحلة اليمنية من أديس أبابا إلى صنعاء من الساعة العاشرة إلى الحادية عشرة ليلاً لما كنت ظفرت بالعودة على نفس الرحلة بعد أن امتد اللقاء الصحفي برئيس الوزراء حتى التاسعة ليلاً.
أسرد هذه الحكاية الواقعية لأشير إلى أن ثمة أشياء مختلفة في هذا البلد الكبير الزاخر بالتاريخ التليد والحاضر الواعد حيث تمتزج فيه الاسطورة والخيال بالحقيقة ، وتتعانق فيه قباب المساجد بالكنائس ، والجبال الشاهقة بالأرض المنبسطة والمياه الغزيرة بنمط معيشي يميل إلى الحياة البسيطة.. ولاتزال فيها مناطق لم تعرف المدنية حتى اليوم ، وتعيش فيها أنواع من الحيوانات والطيور النادرة في العالم.
ومن الأشياء غير المألوفة أوالمختلفة مايرتبط بالتاريخ الاثيوبي ، حيث تقوم قاعدة هذه النظرية على احتساب عدد أيام السنة بنحو«360»يوماً ومازاد عليها يعد شهراً يضاف إلى أشهر السنة الاثني عشر شهراً كما فهمته وأنا هناك. ولذلك فإنهم سوف يحتفلون بدخول الالفية الثالثة في السابع والعشرين من سبتمبر القادم. أي أنهم يؤرخون اليوم بنسبة 1999م.
ويقام لهذه الاحتفالية أكبر المهرجانات في المدن الاثيوبية.
السباق على الجوهرة السوداء..
لم أستطع أن أدخل مباشرة إلى سرد انطباعاتي التي كونتها خلال زيارتي الأخيرة إلى اثيوبيا دون أن اعرج على حدث الحرب في الصومال التي تلقي بأعبائها على دول المنطقة وتحديداً اثيوبيا، حيث تمثل الحرب واحدة من عوامل إعاقة استكمال برامج التنمية التي تشهد انتعاشاً كبيراً في اثيوبيا، وذلك من خلال رصد السباق المحموم من قبل دول العالم للاستثمار في هذه البلاد وإقامة المراكز والمكاتب التي تمثل المصالح الاقليمية والدولية للقارة الافريقية.
ويكفي الإشارة إلى أن أديس أبابا تحتضن اليوم مكتب الأمم المتحدة للقارة الافريقية، وكذلك مقر الاتحاد الافريقي، ويقام على أرضها أكبر مركز تجاري على مستوى القرن الافريقي بمشاركة ثمانين دولة.
وعندما تطوف في العاصمة أديس أبابا يلفت نظرك تلك المباني الشاهقة التي تبرز في أنحاء كثيرة وتمثل مساحات واسعة وعندما تسأل عنها لا يتردد مرافقك في الإجابة بأنها استثمارات للقطاع الخاص .. ومن دول عدة.
واعتقد أن اثيوبيا ستكون خلال الأعوام القليلة القادمة بلداً يشار إليه بالبنان، ولقد اتخذت الحكومة قرارات عملية لاستقطاب الاستثمارات الخارجية من خلال منح العديد من الامتيازات، وهو ماجعل الدول والأفراد يتسابقون للاستثمار فيها ، فضلاً عن كون اثيوبيا تمثل البوابة الرئيسة للدخول إلى افريقيا التي تشكل سوقاً كبيراً للاستهلاك!
وعلى عكس المثل الشعبي الاثيوبي الذي كان يردده الاثيوبيون قبل عقود ماضية (تحت كل حجر يمني) فإن المثل استبدل (اليمنيين) بالصينيين الذين لن تحتاج إلى الكثير من الوقت لتعرف أنهم يتواجدون بقوة في هذا البلد، وفي كل مكان فيه.
ولقد روى لي العقيد ركن/محمد عيضة الملحق العسكري بسفارتنا في اثيوبيا - أنه خلال جولة له والملحقين العسكريين المعتمدين إلى محافظات نائية دهشوا للتواجد الصيني في تنفيذ مئات الكيلومترات من الطرقات على امتداد تلك المناطق النائية.
وعلمت وأنا في مكتب وزير الدولة لشئون الصناعة الاثيوبي أن الترتيبات قائمة لاستضافة وفد صيني كبير مكون من مئات الخبراء الاقتصاديين يمثلون الحكومة وعشرات الشركات الصينية، وكانت الصين قد خصصت قرابة 6مليارات دولار كمساعدات وقروض ميسرة للقارة الافريقية منذ عدة اشهر حصلت اثيوبيا منها على الشيء الكثير.
وتعتبر الهند ثاني دولة مانحة وداعمة لاثيوبيا بعد الصين، ولها أنشطة تجارية وصناعية عديدة في اثيوبيا، ولديها جالية كبيرة أيضاً تمارس مختلف الأنشطة الاستثمارية وخلال تواجدي في أديس أبابا توجه نحو عشرة وزراء اثيوبيين إلى الهند لدراسة تجربة نظام «الفيدرالية» التي توليها اثيوبيا اهتماماً متزايداً، وتعد الهند من أقدم الدول التي بدأت في تطبيق الفيدرالية.. كما بلغ حجم الاستثمار الهندي في اثيوبيا خلال العام الجاري نحو مليار دولار.
وتأتي أوروبا في المرتبة الثالثة خلال مارثون السياحة إلى اثيوبيا.. وقد خصص الاتحاد الاروربي نحو «11» مليون يورو خلال الأشهر الماضية لمساعدة اثيوبيا في مجابهة بعض المشكلات الوبائية.
ويلاحظ ديبلوماسي عربي في أديس ابابا خروج الاتحاد الأوروبي عن تقاليده العريقة في توجيهه للمساعدات التي تكاد أن تكون محصورة في المساعدات الإنسانية وقضايا البيئة والسكان.. وقد مثل تخصيصه قرابة ثلاثة ملايين يورو لإعمار وإصلاح الكنائس في اثيوبيا خروجاً عن تقاليده تلك!
أقول: إن التراجع في حجم وأداء الجالية اليمنية على الرغم من القواسم المشتركة يعود لأسباب كثيرة مثل تلك التي ارتبطت بإجراءات التأميم التي طبقها نظام منغستو الاشتراكي الذي فرض قوانين التأميم لتختلط فيها الاجتهادات ، وقد عانى اليمنيون لتطبيقات عشوائية في اجراءات التأميم.
ويستذكر الاثيوبيون أن اليمنيين قبل تلك الإجراءات كانوا لوحدهم يديرون الحركة التجارية والصناعية والاستثمارية ويشيرون إلى اثرهم في حياة المجتمع الاثيوبي هماً ومصاهرة ومشاركة.. حيث انتشر اليمنيون في العاصمة أديس أبابا وأقاموا الأسواق فيها.. وعندما نزور العاصمة فإن أثر اليمنيين واضحُ في سوق «ماركاتو» التي لم يعد فيها إلا عدد من احفاد الآباء الأوائل الذين قدموا إلى هذه البلاد، وكذلك الحال في «بياسا» أو في «هرر» المدينة ذي الكثافة المسلمة أو مدن صغيرة مثل «جما» و «دسي» و «سيدا».
والحقيقة فإن الجالية اليمنية التي قدمت إلى الإمبراطورية الاثيوبية والساحل الشرقي الافريقي بصورة عامة وكانت تتنازع هذه المنطقة الحروب الاستعمارية بين الايطاليين والبريطانيين وجد الآباء الأوائل أنفسهم وسط هذه الظروف فأبدعوا في أعمالهم وانخرطوا في معارك عديدة، ومنهم من ناصر الإمبراطور هيلاسلاسي الذي استعاد عرشه من الايطاليين عام 1941م وذلك بفضل عاملين ، الأول (الدعم البريطاني) والثاني (دعم اليمنيين) من أبناء الجالية الذين وفروا له المال والسلاح والرجال.
وحسب شهادات الكثيرين والوقائع التاريخية فإن ابناء الجالية اليمنية تمتعوا خلال فترة حكم الامبراطور بكافة الامتيازات والفرص المتكافئة.. وشجع ذلك طبيعة الشخصية اليمنية التي اعتبرت اثيوبيا بلدها وانصهرت هذه الشخصية بالواقع الاثيوبي.. إلى أن كانت حادثة الطائرة الاثيوبية التي اختطفها ثوار جبهة تحرير ارتيريا أواسط الخمسينيات واشعلوا فيها النيران وسط مطار دمشق فما كان من القوميات الاثيوبية إلا أن خرجت في مظاهرات حاشدة تطالب بخروج العرب من بلادها، وكان أن خرج كثير من اليمنيين الذين عادوا لاحقاً، ولكن نظام منغستو الاشتراكي قضى على أي أمل لبقاء اليمنيين في اثيوبيا إلا من قلة قليلة.
ورغم ذلك فلاتزال ثمة علاقة قوية بين الشعبين، حيث أن اليمن مرحب به في اثيوبيا بصورة خاصة.
وتبرز صورة الحاضر في الجسور الوثيقة التي تربط البلدين وتتعزز بفضل اهتمام ورعاية القيادتين السياسيتين بزعامة الأخ الرئيس/علي عبدالله صالح ورئيس الوزراء الاثيوبي ميليس زيناوي.
وعندما وضعت أمام رئيس الوزراء الاثيوبي قضية الممتلكات المؤممة للجالية اليمنية لم يتردد الرجل في القول أن هناك هيئة مختصة تعمل على معالجة هذه القضايا، وعلى كل يمني متضرر أن يلجأ إلى هذه الهيئة، وهذا التصريح يعد الأول من نوعه في شأن حساس يرتبط بقضايا التأميم التي تلامس ملايين الحالات في أديس أبابا وحدها.
طاهش الحوبان يظهر في أديس أبابا
ومن القصص التي لا تخلو من الإثارة وتجذب الناس إليها ما يحكى عن الوحوش والضباع التي لا تزال تعيش في مناطق مأهولة بالسكان وفي أطراف العاصمة أديس أبابا.
ولقد روى لي أحد أعضاء السفارة بأنه ذات يوم قام بإيصال عدد من الأشخاص اليمنيين القادمين من صنعاء إلى فندق على أطراف المدينة وكان الوقت ليلاً، وما أن همّ بالنزول حتى شاهد نحو ثلاثة ضباع كبيرة تحوم حول سيارته فما كان منه إلا أن سارع بالعودة إلى الخلف وايصالهم إلى فندق آخر لا تحوم حوله الضباع!
عرفت هذه القصة بعد أن اختار لي أحد الزملاء فندقاً في العاصمة قال إنه قريب من السفارة حتى لا اتجشم عناء المواصلات، وبعد ليلة واحدة من نزولي إلى هذا الفندق -واسمه «أديس أبابا جولف »
لاحظت أنه يعتبر مشفى لاتساع رقعته والأشجار الباسقة فيه، فضلاً عن الهدوء والسكينة، وبه اسطبلات للخيل وميدان لرياضة الفروسية، وكنت ألاحظ في الليلة الأولى أن الموظفين يتململون في إرسال أي طلب إلى غرفتي التي كانت تبعد عن المطعم بمسافة يضطر العامل معها المرور عبر منطقة طويلة من وإلى غرفتي!
وفي ثاني يوم وأنا أخبر السائق عن سكني نصحني بعدم الخروج ليلاً من غرفتي في هذا الفندق، وعندما لعب الفأر في عبي كما يقول المصريون سألته عن سبب ذلك، أشار إلى أنه أحياناً تجول بعض الضباع في أرجاء هذا الفندق لاطلالته على غابة في إحدى الجهات.. عندها لم أتمالك نفسي.. وقررت العودة إلى الفندق لتوظيب أشيائي.. والانتقال إلى فندق آخر.. ذلك أن مشقة المواصلات أفضل عندي من أن تلتهمني الضباع!
وعرفت بعد ذلك أنك عندما تقصد مدناً في الناحية الشرقية التي يقال إنه تم مؤخراً اكتشاف حفرية فيها يعود تاريخها إلى (5.8) مليون سنة قبل الميلاد جعلت من المؤرخين يطلقون على أثرها نظرية أن اثيوبيا هي مهد البشرية.
في هذه المنطقة وتحديداً «ديردوا» «وهراري» اللتين تقطنهما اغلبية مسلمة يمكنك أن تشاهد بأم عينك بعض الرجال الذين يطلق عليهم «هيينا» وهم يطعمون الضباع أو ما نسميه «الطاهش» وحيوانات مفترسة أخرى باليد واحياناً أخرى بالفم!
القهوة طقوس للشعوذة وإخراج الجن ومعالجة العقم
ويتميز الأثيوبيون على امتداد شعوبهم وثقافاتهم المتعددة وأجناسهم المختلفة ولغاتهم التي لا تحصى بأن يشتركوا جميعهم - سواء في مناسبات الأفراح أم الأتراح - بعادات تقديم القهوة التي ارتبطت بحياة الاثيوبيين.. وهناك طقوس لتقديم هذه القهوة، حيث يتم تحضيرها ابتداءً من قلي حبات البن إلى طحنها يدوياً ثم تحضيرها وتقديمها مباشرة للضيف.
وذات مرة قيل لي إثر استضافتنا لدى احدى أصحاب المطاعم - وتمتلكه امرأة اثيوبية - أن ثمة من يعتقد بطقوس تقديم القهوة في استحضار الاموات ودرء الحسد، ومعالجة العقم ، وترافق هذه العادات مع طقوس دينية سواء للمسلمين الذين يرددون الأذكار أم المسيحيين الذين يتلون بعض ما في كتبهم الدينية.. ومع ذلك تهمس المرأة الاثيوبية في أذني: لا أعتقد أن ذلك يأتي بفائدة!!
قصة هيلاسلاسي وبوب مالي
والشعب الاثيوبي مفتون بالرقص إلى حد انك لن تجد اثيوبياً واحداً لا يميل إلى هذا الفن الراقي.
وتختلف رقصاتهم بحسب انتماءاتهم الجغرافية والقومية، لكنهم يجتمعون على رقصة تقوم على تحريك الكتفين بقوة وسرعة مذهلتين.. وبعض الرقصات التي شاهدتها في احتفالاتهم القومية عبر شاشة التلفزيون قريبة جداً من حيث الحركات والملبس بتلك التي نشاهدها في تهامة، وتحديداً رقصة الزرانيق.. وهو ما يؤكد الصلات الوثيقة التي كانت ولا تزال باقية بين ضفتي البحر.
وعند حديثك عن عشق الاثيوبيين للغناء والرقص عليك ألاّ تنس معشوقهم الأبدي الفنان الجاميكي الأصل الذي سحر قلوب الملايين في العالم، وبخاصة في القارة السوداء، وعلى نحو الخصوص في اثيوبيا التي ترعرع فيها واسجي جثمانه فيها أيضاً بعد أن خرجت الملايين في وداعه.. وتم فيها - أيضاً - نصب تمثال لتخليده، حيث لا يخلو أي بيت من اسطواناته التي تحكي عذاب افريقيا وتنتقد الرأسمالية..
وللفنان العالمي الشهير (بوب مالي) الذي امتاز بإيقاعاته الافريقية وشعره المتدلي على شكل حلقات حلزونية صغيرة والذي يعشقه الاثيوبيون حتى الموت قصة تبني ارتباطه باثيوبيا.. فقد حدث أن حكت مشعوذة جاميكية قصة ملك يأتي البلاد بعد الجفاف فتهطل الأمطار وتعود الحياة إلى جاميكا.. وحدث أن قام الامبراطور هيلاسلاسي بزيارة جاميكا وصاحبت زيارته هطول الأمطار فاعتقد به الجاميكيون وامنوآ بكراماته حتى أنهم اطلقوا عليه «قوة الله في الأرض» وحتى يُعّبر الملك عن تقديره لتلك المشاعر منح الجاميكيين قطعة أرض كبيرة في اثيوبيا وطلب إلى الراغبين العيش فيها كمواطنين.. وكان من بينهم المغني العالمي (بوب مالي) الذي يحظى بحب وشعبية لا يمكن وصفها وهو ما حد بأحد المستثمرين اليمنيين إلى إطلاق اسم هذا المغني على سلعته التجارية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.