كان النقد الأدبي والفني يتابع بثبات التشريح الداخلي للنوع الداخلي الفني الواحد.. فقراءة الأدب تتم عبر التوغل في نسيج العمل الادبي فحسب، من خلال تفكيكه ثم إعادة تركيبه ذهنياً فيما يمكن ان نسميه نصاً على نص باعتبار ان النص الأول الذي وقعت عليه القراءة النقدية هو التابع للمبدع او الكاتب، اما النص الثاني فهو قرين للناقد. وان يكون النقد نصاً على نص او قولاً على قول أمراً غاية في الطرافة والروعة، لكن ما يحدث عادة هو عكس ذلك تماماً حيث يتقدم النقد المتخشب للعمل الادبي على خطى القراءة الميكانيكية للنص الاول ومحاكمته بصورة اجرائية ومتعسفة وتقديم ذلك النوع من النقد التقليدي الذي يضر اكثر ما ينفع وهذه الأسلوبية (الكفاحية) في قراءة النصوص وتقديمها او تقييمها واحدة من اسباب العثرة الرئيسة في النقد السائد في المنطقة العربية.. لكن ذلك لا يجرنا الى التعميم أبداً، فهناك قراءات ومقاربات نقدية متقدمة بل وطليعية تتوخّى النظر الى النوع الأدبي او الفني من خلال ذائقة معرفية وممارسية في التعاطي الجمالي مع هذه الأنواع، وهو الأمر الذي يجعل منها بحق نصوصاً ابداعية اخرى تتقدم على خطى التنويع في الإبداع الأصلي فيما تتقرَّاه بواسع النظر وحسن الفطنة. هذا النوع من النقد يقترب من تخوم علم الجمال لأنه لا ينظر الى النوع الواحد بمعزل عن محايثته للأنواع الأخرى، بل بالتكامل معها وبالتالي فإنه يرى في الشعر تشكيلاً، وفي التشكيل شعراً، وفي الموسيقى شعراً، والعكس ايضاً، وهكذا دواليك والى درجة تذوب فيها الجسور الحديدية والحواجز المصطنعة بين الانواع الفنية.. لذلك جاز القول بالشعرية البصرية، او بالموسيقى الشعرية، او بالتشكيل الموسيقي الاكثر غنائية.. كما ذابت الفوارق الصارمة بين ضروب الكتابة النثرية كالرواية، او السيناريو، والقصة دون ان يعني ذلك غياب الخصوصيات او التذويب المتعسف للأنواع في مزاج واحد ووحيد. [email protected]