صناعة الموت، مهنة يتشارك فيها الكبار والصغار، آية ذلك أن الذين يتكسّرون بالموت لا يفترض أن يكون لديهم الإمكانيات المادية والعسكرية لفعل ذلك، بل المقدمة الأساسية المتعلقة بسديمية الرؤية وعدمية الثقافة. وإذا كان الأمر مُستهجناً بالنسبة للأفعال الفردية اليائسة للجماعات الانتحارية أياً كانت منطلقاتهم ومسمياتهم، فإن الأمر يبدو أكثر قتامة عندما يصدر عن مؤسسة تمتلك كامل القابليات للتدمير الشامل، فالذين يقتلون الناس باسم المذهب والدين لا يختلفون جوهرياً عن الّذين يقتلون الناس تحت ذرائع ومنطلقات واهية. وما يجري في العراق أفضل تعبير عن التقاطع الفاجر، بل التماهي بين المستويين، فالاحتلال قتل ومازال يقتل باسم أسلحة الدمار الشامل وغيرها من مبررات ثبت تهافتها وسقوطها، والمتعصبون الطائفيون يقتلون ضمن أجندة مفارقة لحكمة التاريخ ونواميس المكان والزمان، والباحثون عن جرجرة المستقبل لإيقاع الماضي يقتلون أيضاً تحت مختلف المبررات والذرائع المفارقة للعقل والمنطق. وهكذا تنخرط كل الأطراف في معزوفة الموت اليومي الذي لم يعد قاصراً على العراق، بل تمدد بأقدامه وصولاً إلى الصومال ومروراً بأفغانستان. لقد أثبتت الأيام أنه أينما وجدت المظالم، وأينما كانت هناك بيئات تساعد على تعميم الإحباط وعدم الوضوح والحيرة والقلق، تجد صناعة الموت أربابها ومريديها المأفونين بالتعصب وضبابية الرؤية، والذين ينتمون للتطرف هم وجه آخر لعملة يتشارك فيها الظلم العالمي مع الظلم المحلي، وتكون النتيجة إفرازاً صديدياً ينبثق من القنوات الثلاثة وبنسب مُجيّرة على أهمية وحجم كل قناة، فإذا كان الظلم العالمي يمثل القناة الأكبر لهذا الإفراز السام، فإن الظلم المحلي الذي تباشره الأنظمة ضد شعوبها يمثل الرافد الأول، فيما يمثل رد الفعل العدمي العبثي حصيلة منطقية، بل رافداً دراماتيكياً لتلك المظالم آنفة الذكر.