قبل سنين أعلنت إدارة اليمين الجمهوري الأمريكي حرباً عالمية ضد الإرهاب، وتمثّلت تلك الحرب بالهجوم الشامل على افغانستان طالبان، والتوجيه الصريح لعديد من الدول العربية والاسلامية بالعمل على أن يكونوا شركاء في محاربة الارهاب وذلك عطفاً على عبارة بوش الشهيرة : «من ليس معنا فهو ضدنا»، وهذا ما كان ، فقد انخرطت الدول العربية بغالبيتها في الحرب العالمية المعلنة ضد الإرهاب، وكانت النتيجة مانراه ماثلاً اليوم، فالارهاب العدمي الذي يستدعي الميتافيزيقا السوداء والصادر عن غرف ظلامية مغلقة ومستغلقة، والتصرفات المفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها قتل المدنيين أينما كانوا إشارة مفجعة لهذا النمط من الارهاب الذي ينفذه المراهقون المُظللون، فيما يخطط له الدهاة السريون الذي لا نعرف من أين جاءوا وماذا يريدون. غير أن هؤلاء الخفائيين المجرمين ما كان لهم أن يفعلوا ما يفعلون لولا المقدمات التي توفّرت في تلك البيئات التي كانت حقلاً مناسباً لاستزراع الإرهاب والتطرف ، ولقد وجد هؤلاء المناخ المناسب في كثرة كاثرة من بلدان المتاهات «العربسلامية» حيث مثّل الفقر والإحباط والتعليم الديني غير السوي روافع حقيقية لنمو ورعاية ثقافة القتل والتدمير، وهو الأمر الذي يحدو بنا الى القول بأن على الحملة العالمية لمكافحة الارهاب ان تستكمل وجهها الآخر بحرب موازية ضد بيئات الإرهاب، ومناخات الفقر والمظالم والتوهان . على الادارة الأمريكية ومن يعاضدها في هذا الجانب ألاّ يقفوا عند تخوم الأعراض، بل عليهم ان يباشروا سياسة واضحة تستهدف الأسباب الحقيقية التي ساعدت على نمو ثقافة القتل والموت إن كانوا حقاً يريدون محاربة الارهاب، وعليهم ان يقولوا لبلدان المتاهات «العربسلامية»: إن المشكلة لا تكمن في الإرهابيين الذين يفخخون أنفسهم فقط، بل ايضاً في الذين يُسهمون في تقديم الأسباب لنمو الارهاب، وفي المقدمة منهم تجار الحرب والفاسدين المأفونين، والخلط بين الدين والدولة، والإصرار على الاقامة في الزمنين السياسي والمجتمعي اللذين استنفدا أسباب بقائهما . الحرب العالمية ضد الإرهاب لا تكتمل إلا بحرب موازية ضد بيئة الإرهاب ومقدماته .. بل إن بيئة الإرهاب أخطر من الإرهاب المُجسّد لأنها كفيلة بتعويض قتلاها وتدمير مالم يدمر .