الظاهرة الأصولية ليست حكراً على الإسلام والمسلمين، بل إنها ظاهرة تشمل العديد من الأديان، ونستخدم هنا «كلمة الأصولية» بدلالة غير أيديولوجية، أي بدلالة تشير إلى كونها تمثل رؤية دينية راديكالية، ومصحوبة بنزعة تطهرية تفترض أن الحق يمتلكه طرف واحد بذاته فيما يذكرنا بتأويل حديث «الفرقة الناجية» الذي يفسره كل طرف كما يريد. بالأمس تابعت حلقة في التلفزيون الروماني تتحدث عن خلافات كبيرة بين الأرثوذكس والكاثوليك في رومانيا.. علماً بأن المسيحية الرومانية تتوزع على عدة فرق؛ غير أن الأغلبية المسيحية في رومانيا هم الأرثوذوكس، ولهذا السبب جاء القانون الروماني الذي تلى استيلاء الشيوعيين على الحكم بعد الحرب العالمية الثانية، واعتبر أن الأرثوذوكسية هي الدين الرسمي للدولة، الأمر الذي أرغم بعض الكاثوليك على الانخراط طوعاً أو فزعاً في الأرثوذكسية، فيما فقدت الكنيسة الكاثوليكية أملاكها وسلطتها الروحية الفعلية. دارت الأيام وجاء البابا «بينديكت الثاني» ليفجر مشكلة حقيقية حين طالب الكنيسة الكاثوليكة باستعادة مركزها الروحي وأملاكها من كنائس، وأراضٍ، ومقابر، فقامت قيامة الكاثوليك، وانتشرت الخصومات بينهم والأرثوذوكس حتى وصلت إلى داخل الأسرة الواحدة في بعض المناطق، بل وصلت إلى حد التقسيم الزمني للطقوس والصلوات في بعض الكنائس. يعتقد الأقلية الكاثوليكية أن الأرثوذوكس لا يعتنون بالكنائس ولايحترمون الطقوس العبادية ولا يهتمون بنظافة الأماكن المقدسة.. هكذا!! وفي إشارة تنم عن عقيدة طبقية مستأصلة عند الكاثوليك، وخاصة ذوي الأصول المجرية. وفي رومانيا مناقشات وخصومات ومشاريع قوانين تتعلق بهذه الخلافات المذهبية الدينية إنه الاشتباك غير الحميد مع الدين والتاريخ، ليس حكراً علينا نحن المسلمين، ولكنه يبرز متوغلاً في كل العالم، فالذي فجّر المشكلة هو الحبر الأعظم وبابا الكنيسة الكاثوليكية «بينديكت الثاني» والنتيجة كما نسمع أصوليات تنشأ في رحم القارة العجوز رغماً عن ملحمة الفلسفات المادية البرهانية، والعلمانية التي تفصل إجرائياً بين الدين والدولة. [email protected]