منذ أمد بعيد تستعر حرباً مستترة بين مختلف البلدان وفي داخل البلدان أيضاً، وتتصل هذه الحرب بمنابع الحياة كما لو أنها حرب حياة أو موت بامتياز، ولقد كشفت الشواهد أن إدارة هذه الحرب تسير على أساس من الاستقواء الواضح وشريعة الغاب، فالكبير يلتهم الصغير، والقوي يأكل الضعيف، فلا مكانة لمن لا يمتلك معادلتي القوة والمال بالمعاني العلمية والعسكرية والديمغرافية، والموضوع الأساسي لهذه الحرب يتعلق بالمياه، فالمعروف أن منابع المياه في العالم كانت ومازالت تعم بخيرها على عديد من البلدان التي تمر فيها الأنهار، وجداول المياه، والسيول، وحتى الأمطار الموسمية التي تشكل رافداً مطلقاً لتلك المياه الجارية لصالح الإنسان أينما كان، فنهر النيل يربط بين تسعة بلدان تستفيد من مياهه ، ونهر" كولورادو" يربط بين الولايات المتحدة والمكسيك، ونهر " أورانج" يربط جنوب افريقيا بعديد من البلدان الإفريقية، ونهر" الدانوب" يربط بين كثرة كاثرة من البلدان الأوروبية، ونهري دجلة والفرات يربطان بين تركيا وسوريا والعراق، أمّا مياه نهر الاردن فتستأثر به دولة المفارقة السافرة لنواميس الوجود والحكمة " إسرئيل " من خلال سلسلة السياسات المائية التي تُمعن بتجفيف أي فائض في هذا النهر يمكنه أن يشكل فائدة للبلدان العربية في المنطقة . منطق الاستقواء والتعامل وحيد الجانب مع هذه الحقائق تشمل الجميع، ولعل اسرائيل تقبع في قلب معادلة الظلم الجاري بحق الآخر الإنساني، فاسرائيل تمثل النموذج الأكثر تقطيراً في استخدام ثمار العلم والتكنولوجيا، للاستحواذ على كل قطرة ماء متاحة في المياه الجارية والجوفية والانهار، ليس فقط من خلال مياه نهر الاردن، بل كامل البحيرات المائية والروافد المائية الفرعية القادمة من لبنان وسوريا، والمياه الجوفية التي تمثل خزانات مشتركة بين مساحات الجغرافيا الجيولوجية لبد الشام الكبير، وتتفنّن إسرائيل في أساليب حرمان الفلسطينيين من إعادة انتاج حياتهم المادية بطريقة طبيعية، مُعتبرة الحرب السافرة ضد العرب في هذا المستوى أكثر أهمية من حروب النيران الحامية، والحق أنها حرب بشعة لا تقل بحال عن بقية الحروب المعلنة إسرئيلياً ضد الفلسطينيين وبقية العرب.