في بداية القرن العشرين اشتهر في هذه الفترة الرواد الأوائل للأغنية الشعبية الحديثة التي استعملت فيها الأدوات الحديثة وبالذات في الفترة من منتصف القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين الميلادي . والأدوات المستعملة حينئذ على بساطتها كانت القنبوس أي العود المصنوع محلياً والدف والدنبق . وبذلك نشأت حالة الطرب ، وهي الساعات المخصصة لراحة الإنسان يتغنى بقنبوسه ودفه ويطرب لنفسه ولزملائه في أوقات معينة غير أوقات العمل والإنتاج كما كانت من قبل . ولم تنته أغاني ساعات العمل بل استمرت تغنى في أوقاتها دون توقف حاملة اسم الأغنية الشعبية القديمة الذي يميزها بمنشأ اسم الأغنية الشعبية . أما الحالة الحديثة أو السمة الحديثة للأغنية الشعبية فهي ( الطرب ) . والمغني الشعبي الذي يمسك بالقنبوس دعي بالمطرب وقد يكون هو المغني أو قد يصطحب معه شاباً صغيراً صوته جميل ، فيكون صاحب القنبوس هو المطرب وذلك الشاب هو المغني . ثم تطورت الحالة فصارت جماعة الطرب تشمل صاحب القنبوس ،وكما قلنا قد يكون هو المغني وقد لا يكون ، ومعه شاب صغير هو المغني وآخر يحمل الدف ورابع يحمل الدنبوق ، ويدير المطرب عملية الطرب وهو يتغنى بألحانه في قنبوسه . وقد اشتهر من هؤلاء الفنانين الشعبيين في المرحلة الأولى كما ذكرهم الفنان اليمني المعروف محمد مرشد ناجي :-محمد سعد عبدالله ، سلطان بن علي ، أحمد فضل القمندان،علي أبوبكر العدني ، أحمد عبدالله ، السالمي ، محمد الماس ( الأب ) ، قاسم الأخفش ، مسعد أحمد حسين اللحجي ، فضل محمد اللحجي ، عوض أحمد الجراش وغيرهم كثيرون . وفي المرحلة الثانية اشتهر الفنانون التالية اسماؤهم :- صالح عبدالله العنتري ، محمد جمعة خان ، إبراهيم محمد الماس ، عوض عبدالله المسلمي ، أحمد عبيد القعطبي ، عمر محفوظ غابه ، عبده عجين ، عبدالقادر عبدالرحيم بامخرمة وغيرهم كثيرون . وقد سجلت أغانيهم في أسطوانات أو ديون وغيرها . ونلتقط من هذه الأسطوانات الأغنية الجميلة التالية للفنان المرحوم إبراهيم محمد الماس الذي قال فيها : ياضبي صنعاء خل البعاد واسمح لصبك بزوره شافيه وخل تيهك وعجبك والعناد ورد تلك اليالي الماضيه واعطف على رق مملوك القياد مدامعه من فراقك جاريه كحلت جفنه بأميال السهاد فبات يرعى النجوم الساريه وكيف يلتذ عاشق بالرقاد وأدمعه كل ليله باكيه ومن عشق باع روحه واستفاد نظره من الخل هي له كافية وللفنان الشعبي علي ابوبكر العدني اغنية شعبية قال فيها: قال ابن الاشراف من هجري بكيت حتى اشتكت من نحيبي أضلعي من الذي في محبته ابتليت بالوجد حتى تدامت أدمعي لو كنت من ورد خديه اجتنيت لصرت في الدهر مثل الأصمعي أو كنت من فمه الحالي اشتفيت لقيت للعين قري واهجعي أو كنت من بين نهديه استويت لقيت للنفس من هذا ارتعي إن المحبه بلية لو دريت أحوال اهل الهوى تبكي معي ويذكرنا الفنان مسعد احمد حسين اللحجي في اغنيته الشعبيه التاليه : ابديت بك ياالهي ياخالق البيض والسود تغفر ذنوب المولع بفضل طه ومحمود شوفوه قتلني وقفا من غير شاهد ومشهود ما باعذره طول عمري ما دام المهر مشدود هذه الأغنية الشعبية الحديثة التي عرفت بأغاني الطرب كنت تسمعها في المخادر التي كانت تقام اسبوعيأ تقريباً بأعداد كبيرة في أماكن عديدة وهي غالبا للأعراس أي لزواج الذكور اما النساء فكانت لهن أغاني طرب خاصة بهن أو كن يستمعن الى أصوات المغنيين الرجال من وراء حجاب كما كنت تسمعها ايضا في مبارز القات الخاصة والكبيرة وكان كثير من الفنانين يتبارون في تلك المخادر وخاصة اذا عقدت في المنطقة الواحدة وكان بعض الأعيان وأصحاب الذوات يقيمون مخادر كبيرة ويحشرون فيها اكثر من فنان فياخذ كل فنان موقعه ومعه صحبه ويغني كل منهم متتابعين ويعتبر ذلك التتابع تبارزاً فنياً فيحاول كل ان يتغلب بفنه وسحره ولذلك كانوا يختارون الأغنية ويختارون معها اللحن الأنسب والشاب صاحب الصوت الأعذب والضارب على الدنبوق أو الدف الذي يلعب بالألباب فينتصر الفنان ويكسب الرهان . فلأولئك الفنانين الشعبيين سنردد ما قاله الفنان الشعبي المرحوم عبده عجين : عيني لغير جمالكم لا تنظر وفراقكم في خاطري لا يخطر فإذا نطقت ففي الحديث جمالكم وإذا سكت ففيكم أتفكر غبتم فغاب الوجد عني وناظري وكذا معاشي بالفراق مكدر حبي لكم طبعاً بغير تكلف والطبع في الإنسان لا يتغير صبرت قلبي عنكم فأجابني لا صبر لي لاصبر لي لا أصبر لا صبر لي حتى يراكم ناظري وعلى محبتكم أموت وأحشر كانت المخادر وعلى شاكلتها المبارز ، وفي كلتيهما يخزن الناس القات ويدخنون التمباك بواسطة المداعة أو السيجارة ويشربون القهوة المسكرة أو المزغولة أو الشاي ، كانت هذة أداة فعالة في إبراز أغاني الطرب إلى الوجود وفي نشرها وفي تطورها . كما كانت أيضاً أداة حادة في الفصل بين أغاني الطرب الشعبية وبين الأغاني الشعيبة ذات الصبغة القديمة التي كانت تغني في العمل وأصبحت تعرف بتسمية مميزة تلك هي أغاني المهاجل أو أغاني المهايد وسنأتي عليها في الفصول القادمة ، وهي لم تمت ولم تنهزم ولكنها ظلت باقية ما بقي الإنسان يعمل ويكدح ليحيا وهو يحتاج لما يدفعه في عمله من صوت شجي وأغان دافئة ومشجعة ومثيرة . أما أغاني الطرب الشعبية الحديثة فقد انفردت لتبقى طرباً شعبياً مسلياً أو دافعاً للحماس . وقد لعبت دورها الأول والأساس من خلال المخادر والمبارز في ما يقرب من قرن كامل منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين الميلادي. وفي أوائل النصف الثاني من القرن العشرين الحالي أفرزت التراكمات الكمية في مجال الفنون والطرب تغيرات كيفية جديدة كان من ثمارها ظهور ندوتين للموسيقى في عدن هما ندوة الموسيقى العدنية على رأسها الفنان خليل محمد خليل ثم رابطة الموسيقى وعلى رأسها الفنان سالم أحمد مرهف ومعهما عدد من الفنانين والشعراء سواءً أعضاء فيهما أو مؤيدين لهما أمثال الفنانين محمد مرشد ناجي ومحمد سعد عبدالله وياسين فارع وأخيه أبي بكر فارع . وقد قال الفنان اليمني المعروف أحمد بن أحمد قاسم في مقابلة له مع صحيفة 14أكتوبر يوم 15يناير 1988 إن أغلب أولئك الفنانين كانوا هم الذين أرسوا بدايات النشاط الغنائي في مطلع الخمسينيات . وإلى جانب هاتين الندوتين الموسيقيتيين كانت هناك فرقة موسيقية بقيادة الأستاذ يحيى محمد مكي ترفد المجال الفني في المجتمع بفنانين حملوا على عواتقهم مهمة تطوير الفن الموسيقي للأغنية اليمنية وكان على رأس هؤلاء الفنانين الفنان اليمني المعروف أحمد بن أحمد قاسم والفنان محمد عبده زيدي وغيرهم ثم برز من فرق أخرى بقية الفنانين ومعهم محمد صالح همشري وطه محمد فارع وأحمد علي قاسم وتوارد غيرهم عدد كبير من الفنانين كما ظهرت ندوات موسيقية مماثلة في لحج والمكلا والشحر وصنعاء وتعز والحديدة وزبيد في نفس الوقت مما أعطى الدلالة أن الأغنية اليمنية الجديدة ساهمت كما ساهمت قبلها الأغنية القديمة . وقد تميزت الأغنية الشعبية الجديدة بتجرد ألحانها وتعدد نغماتها الراقصة في هذه الفترة التي ظهرت فيها التوترات الاجتماعية . وأبرزت الاغنية الشعبية الوعي والإدراك الفنيين في مثل ما ورد في الأغنية التالية : يا ريح يا ريح يا للي ترحلي في الخبوت مري على بيت خلي دون كل البيوت با تعرفيه وجه أبلج فوق قامه بلوس وبالأمارة جوار البيت بستان توت وفي أغنية على ( ساحل أبين ) التي تقول يا ساحل أبين بناء العشاق فيك مشهد كم من فتى يعشق ويحن للرملة حتى ولو يغرق تكفيه فيك ليلة وأخيراً في أغنية ( هات يدك على يدي ) التي تقول:- ضاع عمري وأنا وحدي ما بينك وبين اشكي لو يدك على يدي لاببكي ولا بشكي هات يدك على يدي الامنا وأمالنا تواسينا وتجمعنا هات يدك وعاهدنا قوتنا في وحدتنا هات يدك على يدي مهما بلغت وتبلغه الأغنية اليمنية المتطورة فإن الفضل لجهود فننا الماضي والأغنية الشعبية القديمة لثباتها واستمراريتها وليس من حقنا نسيان ذلك أو نكرانه . ومن الضروري أيضاً أن نحتفظ نحن اليمنيين بكل ما قد أنجزناه في مجال الفنون والأدآب ومن ذلك تراثنا الشعبي . أغاني المهد وهناك بعض ترانيم أغاني المهد ( الطفولة الأولى ) التي كانت تنشدها الأمهات على اختلاف ألوانهم وطبقاتهم كيفما تنوعت ويهدفن من ترنيماتهن هذه تنويم الاطفال الصغار في الهندول فالطفل يظل يبكي وأحياناً يصرخ بشدة وحالما تسمعه أمه ترأف به فتقعد على السرير وتأرجح رجليه على الهندول . مثل هذه الترنيمات العذبة تريح الطفل حتى ان لم يفهمها ولكنه يحس بذبذباتها ويشعر بذبيبها وينغمر في عذوبتها ولذلك يغوص في نومة حالمة . وترتاح الأم نفسها فتكثر وتنوع قائلة مع تمنياتها الطيبة له : ألا ، أرقد يا ابني رقدة السلامة وجارية خدامة تبكر بك المعلامة بالعز والحشامة أو قائلة حالمة هي نفسها : وامرحبا بالليل وامرحبا به وامرحبا بالهاشمي واصحابه وامرحبا بالليل لو قالو دنا دنى على الحجاج لا وادي منى ثم تقول ترنيمة أخرى مطمئنة : وساري الليل وساري عدن قل للغريب ما مع أمه من شجن مرته حبلى وزادن وضعن جابت وليد وسمنّه حسن