لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    نقابة الصحفيين تدعو إلى سرعة إطلاق الصحفي المياحي وتحمل المليشيا مسؤولية حياته    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    السوبرمان اليهودي الذي ينقذ البشرية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحجية تبعية في رحم الأرض
ذمار ..
نشر في الجمهورية يوم 13 - 05 - 2007

محافظة ذمار المدينة والريف .. السهل والجبل .. لوحة سريالية اختزلت حضارة اليمن ، وتنفست يمن الحضارة .. ذمار .. عروس خلقت في مايو مجدداَ .. وأحجية يمانية لا تنتهي .. عن آثارها وأبرز معالمها نمضي معاً في هذا الاستطلاع رحلة من الأشجان :
ذمار علي
تعود تسمية محافظة ذمار نسبة إلى الملك الحميري (ذمار علي وابنه ثاران يهنعم) مؤسسي الدولة السبئية الحميرية الموحدة أو ما عرف في الموروث العربي واليمني بدولة (التبابعة) حسب ما تشير إليه كتب التاريخ وتحدد الفترة الزمنية لذلك في الربع الأول من القرن الرابع الميلادي وكان قد سبقهما «شمر يهرعش» الذي حكم اليمن من أدناه إلى أقصاه تحت اسم : ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات وبعده ببضع سنين كرس ذمار علي ثم ابنه ثاران ذلك الواقع الذي استمر حتى غزا الأحباش اليمن عام (525)م.
النخلة الحمراء
وقد عثر على تمثالي «ذمار علي وابنه ثاران يهنعم» عام (1931)م في منطقة أثرية من قرى مديرية الحدأ بذمار اسمها «النخلة الحمراء» كان ذلك بتكليف ولي العهد الأمير / أحمد حميد الدين للباحث «راثينس» حسب ما جاء في كتاب «اليمن ماضيها وحاضرها» للدكتور/ أحمد فخري وزاد الاستاذ / عبدالله الثور في كتابه «هذه هي اليمن» أن ولي العهد أعقب ذلك بالتنقيب عن الآثار في الموقع عام 1939م.
وخرجت منه عدة تماثيل برونزية وهي المعروضة حالياً في المتحف الوطني بصنعاء .. كما هو حال تمثالي ذمار علي وابنه ثاران يهنعم اللذين أعيد ترميمهما في ألمانيا عام 1977م وعادا إلى المتحف الوطني بصنعاء.
وإلى قرية النخلة الحمراء قطعت بنا سيارة الأخ/ أحمد الحرورة مدير عام مديرية الحدأ المتهالكة مسافة 35 كم وأشار الحرورة بسبابته إلى حدودها فمن الشمال قرية الزيلة ووادي وجبال النقيل ومن الجنوب قرية الحذفة ووادي الجهارنة وجبال الصنيمة ، ومن الشرق جبال الحيد ووادي الحرورة ، وغرباً قرية رياش ووادي وجبال علان.
ويورد الهمداني في كتابه «صفة جزيرة العرب» ان الاسم القديم ل(النخلة الحمراء) هو «يكلي» ضمن مخلاف ذي جرة وتنسب إلى يكلي بن مالك بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان بن حمير.
وتكسو أعالي حصن النخلة الحمراء صخور ملساء تشع بياضاً يطلقون عليها «البلق» كما تتوزع سفوح الحصن ووسطه أطلال وشواهد بناء قديم غاية في الإبداع المعماري.
وعن تسمية : «النخلة الحمراء» سألت الأخ/ علي السنباني مدير عام الآثار في ذمار فقال : بأن هناك إشارات تاريخية تقول أن المنطقة كانت تنشط بنخل «غربلة» التراب «أو الرمل لأغراض البناء ، ويضيف السنباني أن لتمثالي ذمار علي وابنه ثاران يهنعم» المصنوعين من البرونز ، دلالة حضارية وتاريخية بالغة الأثر لملكين عملا على توحيد اليمن آنذاك وصد الطامعين والغزاة.
الجامع الكبير
من العيب أن نخرج من مدينة ذمار إلى باقي مديرياتها وأريافها قبل زيارة الجامع الكبير ، هذا الجامع الذي يشير بعض المؤرخين إلى أنه بني متزامناً مع الجامع الكبير بصنعاء وتم تحديد بنائه في عهد سيف الإسلام «طغتكين بن أيوب».. وفي ذلك خلاف بين المؤرخين.
أما الطابع المعماري للجامع فقد بني بأحجار الحبش والبلق وله بابان غربيان وثالث جنوبي وفي وسطه فناء مرصوف بأحجار الحبش ويتوسط جدران المسجد كتابات جصية بارزة معظمها بالخط الريحاني الذي تطور فيما بعد إلى خط الثلث في تلك الحقبة الزمينة، أما منارة الجامع فتعد تحفة بديعة في فن العمارة الإسلامية ، حيث تبدأ من الأسفل بأحجار الحبش وتنتهي تدريجياً بأحجار الآجور المرصوصة بنمط زخرفي هندسي بديع.
أما منبر الجامع فهو من أقدم المنابر الخشبية في اليمن وقد أخذ طابعه الزخرفي طراز الزخارف التي ظهرت في القرن الرابع الهجري وعرفت باسم طراز «سامراء الثالث»
المدرسة الشمسية
هي جامع يتسع لحوالي (3000) مصلي وقد بنيت المدرسة الشمسية في العام 1544م وقد سميت المدرسة الشمسية بذلك نسبة إلى الإمام شرف الدين بن يحيى بن شمس الدين الذي بناها في عام (950)ه أيام الدولة العثمانية ، كما يحيط بالمسجد أكثر من (20) غرفة لسكن الطلاب الذين كانوا يسكنون فيها ويتلقون التغذية من جيران المسجد بشكل منتظم إلى نهاية فترة الحكم الإمامي وبداية قيام الثورة والمسجد مزود بأكثر من (15) حوضاً للاغتسال لايزال يستخدم إلى اليوم.
وقد تخرج من المدرسة الشمسية كبار علماء اليمن ورواد الفكر والأدب والتاريخ أمثال الراحل البردوني وإبراهيم الحضراني وقبلهم بعقود كثيرة علماء الفقه واللغة والعلوم ممن أرسوا كرسي الزيدية في ذمار.
حصن هِرَّان
بكسر الهاء وتشديد الراء هو حصن يقع إلى الشمال من مدينة ذمار بمسافة (2) كم ويشير المؤرخون إلى أن حصن هران تعاقب عليه الملوك منذ العصور البرونزية واحتله الحميريون ومن جاء بعدهم ، وأول إشارة تاريخية للحصن كانت سنة (292)ه عندما سار «علي بن الفضل» إلى ذمار فوجد جيشاً عظيماً في هران لم يقدر عليهم فاستمالهم ومن ثم قام بنشر المذهب الاسماعيلي ونشره على اليمن بأسره ، وحول حصن هران شواهد تاريخية متعاقبة لا تتسع السطور لحصرها لكن المهم فيه أنه مازال يؤدي مهمته الدفاعية ويطل على قاع جهران وشمال مدينة ذمار ومعبر وغيرها.
بينون
تقع قرية بينون في الشمال الشرقي من مدينة ذمار وتبعد عنها مسافة (54) كم وعلى قمة مستطيلة من قمم بينون حصن شهير يتوسط المنطقة التي ذكرها الهمداني بأنها «هجرة عظيمة وكثيرة العجائب وفيها قصر الصبايا وان الملك الحميري : أبو كرب أسعد الكامل كان يتخذها واحدة من قواعد حكمه.. وفي ذلك الجبل «بينون» معالم طريق غائرة في وسطه.
أما أبرز المعالم الأثرية والتاريخية لموقع بينون فيتصدرها بقايا وأطلال قصر ملكي في قمة الحصن المبني بأحجار ملونة ومتفاوتة الأحجام يصل بعضها في الحجم إلى حوالي 120سم * 50 سم ، ويقول الأخ/ علي السنباني مدير عام الآثار بمحافظة ذمار إن العديد من الحفريات الأثرية تعاقبت على الموقع وقطعاً ولقى أثرية لاحصر لها تم استخراجها من المواقع وإيداعها في متاحف صنعاء وذمار وبينون ذاتها.
النفقان
وما يميز موقع بينون التاريخي ذلكما النفقان المنحوتان في صدر الجبلين المجاورين لجبل حصن بينون ، وحسب الأخ/ أحمد الحرورة مدير عام مديرية الحدأ الذي اصطحبنا إلى هناك بأن الغرض من وراء خرق الجبلين بقناتين هو التحكم بمجرى اتجاه السيول من أودية إلى أخرى وحتى لا تذهب المياه وتتوزع بلا فائدة.
وبسبابته أشار الحرورة إلى مصدر تلك السيول وقال :
المياه تأتي من وراء جبل «النقوب» وعبر هذا النفق تصب بإحكام إلى وادي الجلاهم لتجري إلى النفق الآخر المحفور في جبل بينون ومنه تتوجه لتغذي مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية ثم تستقر معظم المياه في سد يقع أعلى وادي (نمارة).
وأضاف : أحمد الحرورة أن طول نفق جبل «النقوب» يبلغ حوالي (150) متراً وعرضه 3 أمتار وارتفاعه (4.5) أمتار وفي داخل النفق من الجانبين فتحت ثقوب يقال أن الواحاً خشبية كانت مغروسة لتخفف وتنظم سرعة تدفق السيول قبل أن تخرج من النفق السواقي المارة إلى الوادي خوفاً من انهيارها .. بفعل قوة الاندفاع.
أهم النقوش واللقى
وبالانتقال إلى تاريخ وعمر نفق جبل النقوب تقول المراجع التاريخية أن العام (525) ميلادية شهد نهاية استخدام اليمنيين للنفق وتزامن مع انهيار دولة حمير بسبب غزو الأحباش.
أما أهم النقوش التي استخرجتها البعثات الأجنبية المتعاقبة على الموقع «بينون» فقد ورد فيها اسم «شمر يهرعش» ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات كما تقول النقوش أن الإله «عثتر» كان معبودهم وله ذبحت القرابين بمناسبة افتتاح النفق حسب ما ترجمت النقوش المكتوبة على مدخله الذي لا يزال ممراً للسيول إلى اليوم ، .
أما النفق الآخر «نفق جبل» بينون فقد تعثر الباحثين من قراءته لانهيار الصخور في مدخله وتهدم معظمه إلى اليوم ، لكن الباحثين استنتجوا أن النفقين انشئا في فترة واحدة.
جبل حيد الكميم
ولا تزال مديرية الحدأ غنية بمواقعها الأثرية والانتقال إليها «نهضل» سيارة مدير عام المديرية أحمد الحرورة ، وها نحن في جبل حيد الكميم «الصورق» يرتفع عن السهول المحيطة به حوالي (100) متر ويقع جنوب موقع «النخلة الحمراء» بمسافة (3كم) في رأس الجبل حصن منيع فيه أطلال لجدران بنايات حميرية وسد مياه واحد أعلى الحصن «الجبل» والثاني في الأسفل ، وبشأن الحصن يقول الأخ/ علي السنباني مدير عام الهيئة العامة للآثار بذمار : ان العثمانيين استفادوا منه كموقع عسكري دفاعي وعملوا على تأهيله من جديد على أنقاض حصن قديم ورصفوا إلى قمته أحجاراً في طريق متعرجة من الناحية الغربية أما سور الحصن فلا تزال شامخة أبراجه الدفاعية وفتحات موزعة للقنص ، منها مازال مكسياً بالقضاض إلى اليوم.
أما في الجهة الشرقية لحصن «جبل الكميم» أو «حيد الكميم» فهناك آثار لبقايا «كريف» له سواق ملبسة بالقضاض.
مواقع أخرى
ولأن مديرية الحدأ غنية بالمواقع الأثرية والقلاع والحصون فقد وجدنا صعوبة في الترحال إليها جميعاً كقرية الحصمة في بني حُديجة وسد العقم وقريتي يفعان والعمارية ومصنعة بني براء وقرية شعيل وحيد «قنبة» وزراجة ، لكن هذه الأخيرة استقررنا فيها بعد يوم طويل من السفر بصحبة مدير عام المديرية الذي أخذنا إلى :
متحف الرئيس الصالح
قال لي مدير عام المديرية ان هناك متحفاً جديراً بالزيارة في قرية «الأحساء» التابعة ل(زراجة) وفي الطريق إليها من مركز المديرية «زراجة» قطعنا حوالي عشرين دقيقة خلالها تركت لمخيلتي ترسم تفاصيل ذلك المتحف من غرف ومكاتب إدارية وموظفين وأجنحة ولوحة إعلانية تحوي ديباجة «الجمهورية اليمنية وزارة الثقافة الهيئة العامة للآثار متحف الرئيس الصالح» وما انفك المسير الترابي ينتهي بنا في طريق مسدود حتى نزلنا من سيارة مدير المديرية وترجلنا بضع خطوات ، فإذا بالمفاجأة !
التفت إلى مدير عام المديرية أسأله أهذا هو المتحف؟.
قال : نعم. ومن المسئول عنه أو مديره؟
فرد عليّ رجل في السبعين من العمر تقريباً ذو وجه مرح ولسان سريع الإجابة اسمه (حسين) بالقول : أنا مدير المتحف ضرب على كتف رجل ممتلئ بجانبه .. وقال : وهذا عالم الآثار (عبدالله الفقيه) صافحتهم فلم يتركوا يدي إلاّ وأنا في داخل المتحف .. وهو عبارة عن ديوان يزيد طوله على (18) متراً تقريباً وعرضه 3 أمتار، وفي جدرانه أو مداميكه العريضة تركت مساحات فارغة من الداخل كخزانات مقفلة بالزجاج والألمنيوم بمغالق وأقفال محكمة تماماً كما في بقية المتاحف.. تحوي الخزانات الزجاجية عشرات الأختام المنقوشة بالمسند دائرية ومستطيلة متفاوتة الحجم أصغرها من الدائري بقطر 1سم مصنوعة من الاحجار والبرونز وبعض الخامات التي أجهلها..وفي المتحف مئات اللقى والقطع الأثرية لتماثيل برونزية ونحاسية وفضية وصخرية لوجوه وأجساد وحيوانات واقعية وخرافية تعود جميعها إلى عصور حميرية وإسلامية و...و.. المهم أن المتحف بالفعل كان جديراً بالزيارة وإن لم يكن بمستوى بقية متاحف ذمار وبينون الحكومية، لكنه يحمل خصوصية تميزه عنهم تكمن في ملكيته لمواطن لا لدولة أو هيئة للآثار !
يا ترى من يملكه ومن مديره ؟
ذلك ما عرفته بعد خروجي من المتحف المسمى ب«متحف الرئيس الصالح» من أن مالك ذلك الديوان هو الأخ/ عبدالله الفقيه المبين يساراً في صورة التقطتها لهما مع صاحبه (حسين) الذي أطلق على نفسه بأنه مدير المتحف الفعلي وترك لعبد الله الفقيه المالك الحقيقي للمتحف صفة «عالم الآثار» حسين وعبدالله الفقيه أعطياني نسختين من نشرة مطبوعة بالألوان شهرية ربما فيها صور لبعض محتويات المتحف عدت إلى مدينة ذمار وأعطيت احدى النسختين للأخ / علي السنباني مدير عام الآثار بالمحافظة فجُن جنونه وعلق قائلاً : هذا المدعو عبدالله الفقيه يعمل منذ سنين على الحفر الذاتي والتنقيب العشوائي في المواقع الأثرية في منطقته «زراحة» وقرية (الأحساء) كما شجع آخرين على ذلك وباع تلك القطع حتى كون من ذلك ما أسماه «متحف الرئيس الصالح» ولأنه يرفض تسليم فرع الهيئة العامة للآثار بذمار تلك المقتنيات والتعاون معنابأي شكل من الأشكال ويعتبرها ملكه الشخصي لا ملكاً لأمة بأسرها فإني قد شكوته إلى الجهات الأمنية وطالبت ايقافه عن ذلك العبث بالآثار ولكن وللأسف الجهات الأمنية في ذمار لم تحرك ساكناً.
وهكذا انتهى تعليق السنباني وعندما نقلت الحكاية إلى آخرين من الأصدقاء والمواطنين في ذمار علق بعضهم:
هذا الرجل سمخ ونشيط يدفع من جيبه منذ سنوات حتى كوّن متحفاً .. لقد عمل ما عجزت عنه الهيئة العامة للآثار وكان بإمكانه بيعها وتهريبها إلى الخارج لكنه فضل بقاءها تحت ملكيته ومعروضة للزوار من كل مكان .. لذا ينبغي التفاهم معه رسمياً بشكل يرضيه ويحفظ جهوده.
بعد ذلك هاتفت صاحب متحف الصالح الأخ/ عبدالله الفقيه ونقلت كلام المدير العام لا لأفتن بل لأنقل موقفه رسمياً فأجاب بأنه نادم على تسليمه خمسمائة قطعة أثرية من متحفه للأخ مدير الأثار بذمار وبمحاضر رسمية وذلك حسب قوله لأن مدير الأثار لم يتعاون معه ولم يثمن جهوده مما اضطر الفقيه إلى التواصل مع رئاسة الهيئة العامة للأثار مباشرة ووعدوه على حد قوله بأنهم سيفتتحوه رسمياً في هذه الأيام القريبة خلال أعياد مايو.
سد العجمي
كما أشرت سلفاً أن المواقع الأثرية في مديرية الحدأ كثيره والتنقل بينها لا يكفيه أقل من (3) أيام لذا اكتفيت بآخر محطة في متحف (الصالح) ! انتقلت إلى مديرية عنس حسب خطة رسمها لي الاستاذ/ محمد الغربي عمران وأعطاني رقمي الهاتفين الجوالين للأخوين / صالح ومحمدبغاشه.
الحارسين الأمينين والدليلين المحنكين لكل إعلامي وسائح يزور مديرية عنس.
مصنعة مارية
استقللت حافلة قطعت مسافة من مدينة ذمار إلى مصنعة مارية حوالي (15) كم وبمجرد نزولي من الحافلة أمام مدرسة قرية «مارية» حتى عرفني الأخ / صالح بغاشة من حقيبتي وكاميرا التصوير الملتصقة بخاصرتي ، صالح بغاشة هو مدير إدارة الآثار في المجلس المحلي بمديرية عنس وابن عمه محمد بغاشة ناشط في مجال الآثار ومكلف بالحراسة والاشراف على حماية مصنعة مارية .. صالح ومحمد ثنائي رائع حوالي في الاربعين من العمر ، أحسنا استقبالي ومضيا بي صعوداً إلى مصنعة مارية العجيبة الواقعة غرب مدينة ذمار ، صعدنا المصنعة أو الحصن أو الجبل .. لا فرق بالزمن إلا حوالي ربع ساعة ، وقيل ان ارتفاع المصنعة من أسفل الوادي من الناحية الغربية والشمالية الغربية إلى قمتها يصل إلى الفي متر وسطح المصنعة أو الجبل مستوي يمتد من الجنوب إلى الشمال بطول يزيد على «5»كيلو مترات وعرض متفاوت من كيلو إلى 2 كيلو في المساحة العريضة والعجيب في المصنعة أو الحصن أن لها سوراً إلهياً طبيعياً منيعاً من معظم جوانبه لاسيما الغربية والشمالية استغلها الحميريون وربما سكان العصور البرونزية حسب أبناء بغاشة في تشييد قصر ملكي وموقع عسكري وأضافوا عليه سوراً مازالت آثاره باقية من جهة الشرق.
وللمصنعة أربعة أبواب قدت من الصخر العصي تسلقته الى القمة ورصفت من تلك الأبواب طرق إلى الجوانب الأربعة للمصنعة حسب قراءة ترجمها الدكتور/ يوسف محمد عبدالله عندما زار الموقع قبل عامين ، وزاد الدكتور/ يوسف أن تلك النقوش الحميرية تقول أن مارية كانت مدينة عامرة على هذه الهضبة العريضة الحصينة .
واسم مارية قديماً حسب تلك النقوش هو «هجر سمعان» والمعروف أن كلمة (هجر) في اللغة الحميرية لا تطلق إلا على مدينة ..ويضيف الأخ صالح بغاشه أن الاحباش عندما غزو اليمن اخلوا الحصن وربما اشتقوا اسمه من «مريم» فصار «مارية».- التقطت صوراً عديدة لا أعتقد أن عشرها سيجد مساحة في هذا الاستطلاع ، للسور والنقوش والأبواب ومذابح للقرابين وبرك «وكرواف» المياه وأطلال القصر رأيت أن أخصص لها مساحة مستقلة في عدد لاحق خاص ب (مارية).
سد العجمي
بعد يوم من التسلق في مصنعة مارية عدت أنا وصديقاي صالح ومحمد بغاشة إلى مدينة ذمار على أن نزمع صباح اليوم التالي الذهاب إلى سد أو حاجز مائي في قرية القاعدة الواقعة غرب مدينة ذمار .
0 في السابعة والنصف وصل إلى الفندق حيث أمسيت أنا وعيال بغاشة عاقل قرية القاعدة وعلى اتفاق من المساء مع الباحث في مجال الآثار أ.خلدون العبسي ، والمدرس في قسم الآثار بجامعة ذمار لزيارة منطقة سد العجمي ذهبنا جميعاً في سيارة «شاص» على طريق ترابية وصخرية شديدة الوعورة مسافة حوالي 18 كم .. وصلنا بطن السد الجاف وكان طوله (800) متر وعرضه حوالي (50) متراً يحتضنه حزام جبلي صلب أما آخره فقد كان يحتجز المياه حاجز ضخم مبني من الاحجار المستطيلة عرض مدماكه المحشي بالتراب والصخور حوالي (7 أمتار ، لكن وسط الحاجز قد انهار منذ قرون بفعل ضغط المياه وربما لأسباب أخرى .. ويشير الأخوان صالح ومحمد بغاشة أن هذا موقع أثري مهم لم يخضع لأية دراسات أو حفريات وأن هذا الذي يرافقنا من جامعة ذمار أ.د/خلدون العبسي هو أول باحث يزور الموقع ، وبعد أن أمضينا في السد ساعة ونصف نبحث عن ثمة نقوش ونلتقط الصور من كل الجوانب شكا لنا عاقل قرية القاعدة أن استكشاف نقوش وتاريخ السد لا يعنيه بقدر ما يعنيه كمزارع استفادته وبقية أهالي المناطق المجاورة للسد منه إذا ما أعيد تأهيله وعندما عدنا إلى منزله لتناول وجبة الافطار المتأخرة نثر أمام أعيننا سلسلة من الأوامر والتوجيهات من المحافظة ووزارة الزراعة والري ورئاسة الجمهورية تتضمن ضرورة الاسراع بإعادة تأهيل السد .
وقال عاقل القرية : من عام 1984م إلى اليوم وأنا أشارع بعد السد .. وهلكت وهلكت سيارتي .. قد في بطنه يجي (8) مليون ريال متابعة.
- وهكذا فإن سد العجمي أو القاعدة بالتأكيد ليس أول ولا آخر السدود المندثرة والمترقبة أدنى لفتة لكشف سير تاريخها ولجني ثمار فوائدها.
ذمار واسعةأمامي ومفرداتها تاريخ حميري عريض ومهمتي فقط صحفية لا حصرية .. لذا سأختصر.
ذمار ب:
الحمامات الكبريتية
بالطبع فإن حمام (دمت) ذا المياه الكبريتية معروف وذو شهرة واسعة لذا تجاهلته وانتقلت حسب نصيحة الاستاذ/ محمد الغربي عمران إلى جبل «اللسّي» الذي يقع ضمن مديرية ميفعة عنس في الجهة الشرقية لمدينة ذمار وإلى قمته صعدنا بسيارة الاخ/ يحيى القيسي أمين عام المجلس المحلي في المديرية بعد عناء شديد في طريق ترابي وعر وعلى قمة الجبل حوض دائري كأنه فوهة بركان.. مسدود بقطر 60 متراً ولم يبقَ من الحصن إلا ذلك السور المتهالك كما يتوزع على قمة الحصن وظهر الجبل من الجهة الشرقية أكثر من عشرين «جرفاً» صخرياً متفاوت الاتساع أصغره لا يتسع لسوى شخص وأكبره (8*4) أمتار وبارتفاع القامة والنصف يؤمه كثيرون من المناطق المجاورة والمحافظات للاستشفاء بأبخرته الكبريتية المتصاعدة من قلب الجبل البركاني الشامخ المعتلي على مدينة ذمار بأكثر من (2000) متر حسب الأخ/ خالد القيسي الحارس في قمته لمحطة التلفاز (ق 1 و ق 2)ومحطات ارسال الهواتف الجوالة التي تخدم معظم محافظة ذمار.
حمام علي
أما في الناحية الغربية من مدينة ذمار فيقع حمام كبريتي طبيعي في مديرية المنار التي انشقت عن مخلاف آنس وحيث يقع الحمام المسمى ب (حمام علي) نسبة إلى تلك القرية يقع مركز هذه المديرية الناشئة منذ أربع سنوات والمنخفضة عن مدينة ذمار بحوالي (3000) متر ، المنطقة مناخها معتدل مزيج من برودة ذمار وحرارة الحديدة شيد الإمام يحيى حميد الدين وولي عهده وأسرته الحاكمة قصراً في قمة من قممها للاستجمام وفي أسفل الوادي حقول البرتقال وأنواع الحمضيات التي تشتهر عن بقية حمضيات الجمهورية اليمنية بأسرها.
الخاتمة
لا يتسع هذا الاستطلاع للوصف الدقيق للمواقع الأثرية والمواطن السياحية الجميلة لمدينة ذمار .. لكنه وعد مني إذا أعانني الله .. سأخصص استطلاعات قصيرة لأبرز المواقع والأماكن التي مررنا بها ولاسيما «مصنعة مارية» و«جبل اللسي» وحمام علي وضوران آنس ، وإن لم أتناولها في هذه العجالة ، فشجن يشدني لي كنور العقيق في جبالها التي حكم فيها المتوكليون وتربتها التي انجبت الفنان الكبير الراحل علي بن علي الآنسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.