برقت عينا مصطفى وتفتحت أساريره وهو يستعد مع باقي اقرانه من الصغار للذهاب إلى «المولد» بعد ان وافق والده على ان يصطحبه في المساء إلى دار «زيدان» الذي يقع عند اطراف القرية. ادار مصطفى شريط ذكرياته، ارتسمت في خياله هالة من الجدية والمهابة لهذا الحدث الذي يتكرر بعد موسم الحصاد من كل عام. في الطريق كان الهدوء والظلام الحالك يخيمان على القرية إلا من أصوات الهوام وخشخشات الطيور الليلية ونقيق الضفادع. عند اطراف القرية كانت الاضواء المنبعثة من نوافذ دار «زيدان» تبعث على الدهشة والانبهار وما ان اقترب الجميع حتى وصلت إلى انوفهم روائح الطبخ الشهية، وشاهدوا الأطفال يتجمعون امام الدار وفي الممرات والسطوح، تعالت اصوات الرجال الذين يعملون على تنظيم موائد الطعام، وجاء صوت احدهم عالياً. على الصغار ان يصعدوا جميعاً إلى السطح حتى ينتهي الكبار من تناول طعام العشاء. تدافع الصغار وهم يتبرمون إلى السطح في انتظار ما يبقى من موائد الكبار والغيظ يعتمل في نفوسهم .. تمنى البعض منهم لو كانوا كباراً لاخذوا أماكنهم في تلك الموائد العامرة باللحم والفتة والخبز الساخن. شاهدوا من على فتحة تتوسط سطح الغرفة كيف رصت تلك الموائد بعناية فائقة وقد تحلق الرجال حولها. قفزت إلى ذهن عامر وكان أكبر الاطفال وهو يشاهد إناء المرق الساخن الكبير فكرة جهنمية فصاح على الفور في اقرانه. ابحثوا لي فوراً عن القط الأسود !!!! وبدون أي تردد انتشر الصغار في الممرات والسلالم المظلمة، ما ان سمعوا مواءه حتى انقضوا عليه وسلموه ل«عامر» وهم في شوق لمعرفة ماذا سيصنع به قال عامر لقد حرمونا لذيذ الطعام، وجعلونا ننتظر بقايا موائدهم، لن ندعهم ينعمون بتلك الموائد الشهية. ولكن ماذا ستصنع بالقط ؟؟ لاعليكم سترون فوراً، ولكن حذاران يتفوه احدكم بكلمة والا اشبعته ضرباً. كل واحد يتصرف بسرعة إذا أحس بالخطر انتظر الجميع حتى بدأ الكبار يلتهمون الطعام، وعلى الفور كان القط يموء من على رؤوسهم فيقع داخل اناء «المرق» الساخن ثم يقفز مذعوراً متألماً متخبطاً فوق المائدة. ضحك الأطفال كثيراً وهم يشاهدون الموقف وقد تسمر الكبار من المفاجأة فهبوا إلى السطح لمعاقبة الأولاد الأشقياء. إلا ان الصغار سرعان تما قافزوا إلى الخلاء وهم يضحكون مرحين.