في جو ساحر وطقس جميل وتباشير موسم المطر»المانسون« تغازل الأرض حيث كنت أحمل مظلتي وإحدى الصحف الهندية الناطقة باللغة الانجليزية الواسعة الانتشار والتي كانت قد نشرت لي قصيدة تحكي عن الاغتراب وما يحمله من جفاف مادي وروحي،في ذلك اليوم كان يعرض فيلم »الحدود« الذي يحكي جانباً من الصراع الهندي الباكستاني حول إقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين برؤية هندية .قطعت تذكرة دخول السينما وجلست جانباً لقراءة الصحيفة كان الازدحام شديداً من الهنود لمشاهدة الفيلم كما أنه كان يوم الأحد وهو العطلة الرسمية في الهند ،كنت احمل في جيبي مبلغاً من المال ليس بقليل وذلك للتسجيل في دورة لتعليم فنون التصوير حيث أردت استغلال فترة الانتظار لمناقشة الدكتوراه بما هو مفيد وماهي إلا لحظات وفي ذروة التدافع للدخول إلى الدار لمشاهدة الفيلم شعرت وكأني أنوّم مغناطيسياً وأدفع من شخصين بطريقة غريبة مفتعلة مع خفة يد سحرية وأجزم أني نشلت في تلك اللحظة فلم أدرك ذلك إلا قرب نهاية الفيلم عندما تحسست جيبي الخلفي ولم أجد النقود فخرجت مسرعاً لأخبر مدير السينما عن الواقعة فقال لي ببرود هندي نحن غير مسئولين، وعليك الذهاب إلى قسم البوليس لعمل محضر وذهبت إلى هناك ،وأرسلت رئيسة القسم ثلاثة من الضباط للتحقيق في الموضوع ولكن عند وصولهم كان الفيلم قد انتهى والجميع قد غادر دار السينما وعدت إلى القسم وتم تدوين البلاغ في محضر رسمي وعند إجابتي عن الأسئلة تصورت أن النقود ستعود لكثرة التفاصيل ولكن عند اغلاق المحضر قال لي المحقق:»الحقيقة نحن لانضمن لك عودة المبلغ وعليك ترك عنوانك ونحن سوف نتصل بك«ولكن طال الانتظار وكنت أذهب مابين الفينة والأخرى إلى قسم البوليس لعل وعسى ،وعندما شرحت لأحد أصدقائي الهنود الواقعة قال لي وبكل ثقة لن يعود المبلغ إليك وشرح بعض الأسباب ،ورغم ذلك لم أيأس وبقيت أتردد على تلك السينما ليس للمشاهدة ولكن للقبض على النشال لأن ملامحه قد سجلت في ذاكرتي ولكن دون فائدة وأوكلت أمري إلى الله ..والذي أريد أن أصل إليه هو أن لدى بعض الهنود انطباعاً راسخاً ان كل العرب أغنياء وكلهم آتون من دول الخليج النفطية ولذا كل ما يؤخذ منهم عن طريق السرقة أو الاحتيال ليس حراماً، والأهم من ذلك أن ثقافة بعض الهنود خارج الحدود محصورة على معرفة السعودية والإمارات العربية وبالذات إمارة دبي كما يعتقد الكثير من الهنود أن الهند هي العالم ولا يوجد عالم آخر غيرها وإذا نظرنا إلى هذه الجزئية الأخيرة بواقعية سنجد أن الذي يستطيع أن يحكم الهند بما تملكه من تنوع حضاري وثقافي وديني وبشري وإثني ومساحة جغرافية كبيرة يمكنه في الحقيقة أن يحكم العالم. كلمة حق الشيء الجميل الذي كنت ألمسه لدى كل الهنود هو وطنيتهم وحبهم لبلدهم الذي يفوق كل التصور بصرف النظر عن الحزبية أو الديانة أو الطبقية أو الفقر أو الغنى ،فكثيراً ماكنت أدخل مع البعض في نقاش وأخرج بنتيجة واحدة وهي أمنيتي أن نصل إلى سموهم في حب الوطن والدفاع عن قضاياه. عميد كلية التربية زبيد