المعمرة والجدة رشيدة التي عاصرت الزمن لتكون القابلة التي لم تنسها أحياء محافظة عدن وجمهورية جيبوتي عندما يراها الرائي فإنه سيتعجب فهي ما تزال كما لو أن الزمن لم يحاول العبث بذاكرتها وشموخها وجسدها ليصل بها إلى شيخوختها.. عمرها كان في أول الطريق هكذا تقول عن عمرها وهكذا كان عمرها. الخالة رشيدة .. بل جدة الحي التي عرفها الذين ماتوا والذين بقوا يشاركونها شيخوختها تعرف بنفسها كما لو كانت تقدم حفيداً من أحفادها فما تزال تحمل لحيها الكثير من ذاكرتها الأخرى التي عطرت أنفسهم بالحب والرحمة الجميع يعرفها صاحبة القلب الحنون واسمها ما يزال محصوراً في أفواه كل أبناء الحي من الصغير إلى الكبير تقول بصوتها الذي صار الزمن يحاول أن يأخذ منه جزءه الآخر قائلة: اسمي رشيدة يحيى حسن ولدت في مدينة التواهي في عدن. جيبوتي كانت محطتها الأولى حين دخلها البريطانيون آنذاك.. الجدة رشيدة تتذكر حرب الطليان كما تقول تتذكر وجوههم المتعطشة لدماء العدنيين واليمنيين كلهم.. ولدت قبل عامها الآخر فعمرها قد تجاوز المائة والنصف ومعمرة لم يحاول التفتيش عنها .. فتقول عنها جدة الحي ومعمرته وقابلة أكثر من حي ومدينة في عدن وخارج إطار محافظة عدن أبناءها وأحفادها اليوم ينظرون من شذاها الجميلة الجميع حولها ذاك يبحث عن حنانها وذاك يبحث عن كسرة خبز.. سعيدة بين أحفادها الصغار والكبار وبين طفولة وشباب وأبناء قاربوا على سن الشيخوخة. حياة هامشية الجدة رشيدة لم تكن لديها أخوات بل عاشت في بيتها وحيدة لا تملك من رحمة الاخوة إلا أخ واحد كان يحتضنها بالفرح الذي يلتقطه لها عنوة من حلمه الغارب هناك في بلاد أخرى غير بلاده وعند خوفه من مستقبلهما المجهولة بعد سبع سنوات فقط من تشريفها لمدينة عدن وحين رأت حلم طفولتها كان لابد أن تترك مدينة عدن بعدما توفيت والدتها لتتحمل هي مسئوليتها الأخرى. حكاية زواج الطفولة كأي طفلة كان لابد أن تعانق المرح الطفولي كان لابد أن تلعب لعبتها التي لطالما احبتها وهي الاستغمائية ولكن القدر لم يحالفها لتواصل فرحها الطفولي في بلد آخر كان لابد أن تقتل فرحتها فلقد قرر والدها تزويجها في سن مبكرة كان آنذاك عمرها عشر سنوات ارتدت ثوبها الأبيض وكانت لا تعرف أنها ترتدي حلماً آخر وحرمان أكبر لطفولة لم تجد التنفس بعد لم ينضج جسدها لكي تصير زوجة بل كانت ما تزال آناملها مليئة بغبار تلك اللعبة التي لطالما لعبتها ولاعبت بها صديقاتها هناك في جيبوتي. فعدن لم تشهد الا نصف طفولة مليئة باليتم والحرمان والقسوة. تروي الجدة رشيدة تلك القصة التي شهدها جسدها الصغير الذي زف إلى رجل أكبر منها فماذا قالت: أنا لم أر الرجل الذي زوجني له والدي إلا عندما دخلت البيت، نعم بيتي رأيت أمامي رجلاً طويلاً عندما رأيته خفت منه فأنا كنت صغيرة لهذا أنا خفت وهذا الخوف جعلني أتطلق بعد شهرين من زواجي من هذا الرجل الذي أخافني لم أكن أعرف بعد ماهو الزواج فالرجل بالنسبة لي كان والدي رأيته أمامي لم أكن قد اعتدت على الغرباء.. طفلة أنا كنت بين الأطفال لنزف لرجل يكبرني بسنوات كثيرة لا أحصيها ولا أعرف كيف أحصيها وأنا في العاشرة من عمري. أسباب مشروعة فالأسباب التي جعلت الجدة رشيدة تدخل في دوامة ذلك الزواج المبكر كانت كذبة والدها عندما أخبر القاضي بأنها قد بلغت الخامسة عشر كانت رفيقة المحاكم بعد شهرين من زيجة كان لابد أن تنتهي رغم أنوف الجميع.. تواصل حديثها الآخر معنا قائلة: تزوجت مرة أخرى وعمري 12 عاماً كنت قد وعيت درساً عن الزواج وتزوجت وأنجبت 12 أبناً وابنة ثلاثة منهم ماتوا فأنجبت 6 في جيبوتي و6 في عدن وأنا لدي الآن 9 أبناء هم الآن موجودون أمامي مع أبنائهم وأحفادهم.. عندما تزوجت من زوجي الثاني ولأني مازلت طفلة كنت أعتبر زوجي وكأنه رجل يربيني وهذا الذي حصل فقد كان هو متزوج من امرأة أخرى وكنت أنا ما زلت طفلة كنت أنادي على زوجته «ياخاله» وكنت أحاول التقرب منها تعلمون لماذا؟ لأنها كانت تغزل الصوف وكنت أجلس قربها لكي أتعلم منها. دنيا في سطور حرب الطليان والأعور كان يحارب بطائرته كان يضايق البنات اللاتي يذهبن ليحضرن الماء .. هذه العبارة التي قالتها هي لاتزال تتذكر ما حملته حرب الطليان لعدن وحسب قولها تقول عدن كانت في فترة الاحتلال البريطاني تعيش في غياهيب الزمن ولكنها ظلت صامدة. ختان البنات هي تؤمن بهذه العادة التي جاءت من أقصى قارة أفريقيا ولأنها كانت هناك فهي قد قامت بهذه العادة على بناتها وحفيداتها وبنات حفيداتها حيث تظن أنها سنّة فسنتها وباعتراف منها تقول: رغم أنني قابلة فإنني لا أعرف طريقة الختان ولم أقم بالختان أبدآً ولكنني مؤمنة بهذه السنة التي جاء بها الرسول. إحصاء من خلف السطور الخالة رشيدة المعمرة التي بلغت أقصى حياتها تعيش بين 190 ابناً وحفيداً رأت ابناءها وأبناء أبنائها وهاهي اليوم لم يعبث بها الزمن الا أن هناك بعض الأمراض التي تعتريها بين الحين والآخر والذي يراها لاسقول انها قد صارت في عامها الذي تجاوز المائة والخمسون بل انها لا تزال تتمتع بذلك الألق الشبابي فهي في صحة ما دامت مع أبنائها وأحفادها الذين حولها ليل نهار.. في الحارة ومهنة التوليد في الحارة والجدة رشيدة تعيش مع جيرانها بكل حب وسلام وخير ماتقدم هو مهنة القابلة لم تأتها من فراغ بل تعلمتها من القابلات في جمهورية جيبوتي.. فمهنة التوليد جعلتها تكون جدة الجميع جدة كل من في جيبوتي وعدن.. بعض الحارات تشهد لها كثيراً انتقال في الليل والنهار في توليد النساء تقول الجدة رشيدة إنني أحب أن أقوم بتوليد نساء الحي والأحياء الأخرى وأنا سعيدة بهذا فأنا قد قمت بتوليد أكثر من مائتي امرأة هذا ما أتذكره وأنا أظن أكثر من ذلك.. انني لا آخذ أي فلس من هذه المهنة لأنني أبحث عن الأجر والأجر عند الله كبير في انقاذ وإخراج نفس إلى الحياة. في حيّها تعيش بهدوء عارم تمارس حياتها بكل سعادة فتأخذ الحياة ببساطتها لا تزال تملك الرحمة في زمن صارت الرحمة بعيدة عن عالم لا يمد لها إلا بمقابلتها بحياة أخرى.. هي لا تزال كما عرفها الجميع جدة الجميع وقابلة الجميع.. فلتعش هنيئاً مع الجميع.