رن جرس الباب،ألفيته هناك حاملاً حقائبه،عانقني بحرارة سرت نحو أطرافي المتثلجة،شربنا القهوة وابتلعنا بعض البسكويت صامتين ،لم أرحب به فقبع صامتاً وحده لم يتفوه ببنت شفه رن هاتفه المحمول كاسرا ًغلاف الصمت الخانق انسلت كليمات ناعمة كالنسيم عزيزي أين أنت هل أنت بخير.................لا تقلقي عزيزتي أنا بخير وصلت بالسلامة وأنا الآن في ضيافة صديقي ..................،أغلق سماعة الهاتف والتفت نحوي معللا ًسبب مجيئه عرج نحوي كي يا خذني معه،فقد قرر هذا الصيف أن نرحل معاً ،نقضي العطلة حيث كنا قبل خمسين سنه ساعتها حزمت حقائبي وتبعته صوب المطار ،في الثانية عشرة ظهراً أقلعت بنا الطائرة ،تغدينا وشربنا الشاي في الجو ،وصلنا بعد العصر ،غادرنا المطار قبل الغروب ،ركبنا حافلة فخمه مكيفه ،مر بعض الوقت،اكتسى الأفق بالشفق ،مافتئ الشفق أن ذاب في العتمة ،ترجلنا عن الباص عند أول محطة توغلنا راجلين مضينا على الرمال ،غصنا في قلب الصحراء حاملين حقائبنا،حطينا الرحال بعد أن أرخى الليل سدوله ونام كل البشر ،عوت الذئاب فاقشعر بدني ،أسرع صديقي وفض حقيبته ،رما ثياباً كثيرة وأحذية ،طوح بالمرآة وشفرات الحلاقة ،قذف بالمعجون من أعلى التل ،انتشل الصندوق الأسود ،فتحه برفق ،اخرج البوصلة التفت نحوي قائلاً سأضع البوصلة في راحتي واقفز نحو المنحدر ،ستتبعني أنت ممسكا ًبطرف إزاري ،لا تخاف سنصل بسلام قبل طلوع الفجر ،سنفاجئهم كما فاجأتك ،سنزورهم بغتة ،حتماً سيسعد مراد وعفيف وسيضحك ملهم ،وسيفزع منصور ،وسيبكي عدنان من الفرح .............،سوف نرى اليوم كل الأصدقاء اللذين ماتوا صغاراً ولم يغادروا سن الطفولة ،يالهم من سعداء ،منذ ودعونا وهم يلعبون بالعرائس ،يتأرجحون ،يصنعون الطائرات الورقية يشاهدون أفلام الكرتون يقرأون قصص الأطفال ،يقتنون المجلات المصورة ،اليوم سوف نلعن ونقرأ معاً،سوف نذهب إلى المدرسة ،سوف نقعد على كراسينا خلف الطاولات التي كانت لنا ،لن نريهم اليم مامعنا من نقود ،سوف لن يشاركوننا ما معهم من حلوى ،لن يعطينا أياً منهم ما بقي في علبته من عصير ،لن نجعلهم يتهكمون بنا هذه المرة ،سوف نكتم عنهم أن لنا أطفال مثلهم ،في نفس أعمارهم و ،لن يلحظوا أنّا صرنا أثرياء نغدق على أطفالنا الكثير من المال ،أكثر بكثير مما يغدق عليهم آبائهم ،حتماً لن يفهموا معنى الكمبيوتر أو الهاتف المحمول ،سوف ينعتوني بالمجنون لو قلت أن صديقي لم يعد يتيماً كما عرفوه ،لقد بلغ سن الرشد وتخلص من اللعنة إلى الأبد ،لا ولن أتفوه لهم بأننا صرنا رجالاً،سننسى كل شيء مؤقتاً ،سنطير معاً سنحلق بعيداً في السماء يا أصدقائي ......................وسنضحك.