جاء السباق الماراثوني الأول لإنتاج القنبلة النووية بالترافق مع تداعيات الحرب العالمية الثانية، حيث كانت المبارزة على أشدها بين الدوائر العلمية العسكرية الأمريكية من جهة، واليابانية الألمانية من جهة أخرى، غير أن أول استخدام للقنابل النووية جاء من طرف الولايات المتحدة التي لجأت الى رمي قنبلة هيروشيما بالرغم من معرفتها المسبقة والأكيدة بهزيمة العسكرية اليابانية وذلك عطفاً على الانهيارات المتتالية للعسكرية الألمانية ابتداءً من تداعيات الهجمة السوفييتية الشاملة وحتى إنزال “نورماندي” الأمريكي، وصمود المقاومة البريطانية، وما جرى في منطقة الصحراء الكبرى من هزائم مشهودة للجيش الألماني. كل تلك المؤشرات كانت تستدعي التأني في استخدام هذا السلاح الخطر، لكن الولايات المتحدة ربما كانت ترمي من وراء ذلك الى إنجاز مكانة متقدمة في مراتب المنتصرين الجدد، ولقد عززت ذلك بقنبلة ناجازاكي المثيرة للدهشة، فإذا انتفت مبررات رمي الأولى استناداً إلى النتائج الماثلة للهزائم الألمانية - اليابانية، فلماذا رمت الولايات المتحدة القنبلة الثانية؟ الذي حدث استتباعاً أن الولايات المتحدة احتلت المكانة المركزية في قائمة التحالف الغربي، وجاءت الترجمة عبر اتفاقية “بريتن وودز” لسلة العملات الصعبة التي تربع على عرشها الدولار “غير المغطَّى بالذهب طبعاً”، فيما أصبح البنك الدولي للتنمية الحارس الأمين لمركزية الاقتصاد الأمريكي في التحالف الغربي ومن يدور في فلكه . لقد سعت الولايات المتحدة إلى ذلك، ولم تتورع في استخدام السلاح النووي في وقت كان من الممكن فيه تجنب هذا الخيار، فالمكاسب أهم من مئات آلاف القتلى اليابانيين.. إنها ذات السيكولوجيا التي تبرر موت العراقيين والأمريكان من أجل تحقيق الأهداف المخططة للبيت الأبيض. لكن الأيام جرت بعد الحرب العالمية الثانية، بما لايتناسب مع الرغبة الأمريكية، فتعمْلق الاتحاد السوفييتي عسكرياً، وامتلك سلاحه النووي بشكليه الانشطاري والاندماجي، فيما تفوقت الصواريخ الروسية الحاملة للرؤوس النووية ومازالت متفوقة الى يومنا هذا. تالياً التحقت الصين بالركب وتلتها الهند وباكستان بالإضافة الى بعض بلدان غرب أوروبا (المملكة المتحدة وفرنسا)، وكانت المنطقة العربية خالية من هذا السلاح ولا تزال، لولا أن “اسرائيل” سارعت الى “خيار شمشون القاتل” وذهبت بعيداً في التصنيع النووي، وقد كشف أحد فنيي مفاعل ديمونة في صحراء النقب هذه الحقيقة قبل عشرين عاماً، وجاءت الوقائع لتؤكد وجود ترسانة نووية محمولة على مئات الرؤوس النووية، وقد كان للولايات المتحدة دور حاسم في تمكين “إسرائيل” سراً، وذلك عبر تسليمها كميات من اليورانيوم المخصَّب، كما أسهمت بريطانيا وبلجيكا بالماء الثقيل، وأسهمت فرنسا بدورها في استكمال ملامح المشروع وأهدافه . واستمراراً لخط اللوثة والكيل بمكيالين وأكثر، تنصب الولايات المتحدة الآن صواريخها الموجهة في شرق أوروبا تحت ذريعة استباق هجوم إيراني محتمل!!، لكن روسيا العليمة بمدى الصواريخ الإيرانية استهجنت هذا المبرر غير المنطقي، وسارعت إلى إماطة اللثام عن وجهها الآخر، وعاد سباق التسلح الآن بطريقة مُغايرة لما كان عليه الحال أيام الحرب الباردة عندما كانت خارطة القطبين واضحة المعالم، والخوف المتبادل أصلاً أصيلاً عند كل طرف..لقد اكتشفت روسيا سوء نية وبراغماتية اليمين الأمريكي، الذي اعتبر كامل تنازلات الاتحاد السوفييتي الأسبق وروسيا يلتسين بمثابة صك استسلام مفتوح، لكنها الآن تواجه روسيا بمخالب حديدية، فالأسلحة الصاروخية والاستراتيجية تتطور بوتائر أسرع وأكبر، والغواصات النووية الجديدة وغير المسبوقة تدخل الخدمة، فيما تعج ترسانة التكنولوجيا العسكرية الروسية بما لايخطر على بال أعتى المحللين والعسكريين الاستراتيجيين. لقد تلاعبت الولايات المتحدة بالمسألة النووية، ومكَّنت “إسرائيل” منها، وأوصلت الأمور إلى منطقة الخطر الداهم، وجعلت فوضاها غير البناءة مفتوحة على فوضى نووية لا يعلم أبعادها إلا الله.