مازال الانتشاء سيد الموقف في البيت الأبيض .. فهاهو الرئيس الأمريكي بوش الابن يؤكد مجدداً ان الولايات المتحدة لن تتخلى عن سياسة الاستباق والمبادأة بالقوة إذا استشعرت الخطر من أية جهة .. والخطر هنا مفصل على المقاسات الامريكية سواء بالمعاني الافتراضية أو بتجييره على الأهداف التي تتوخاها الإدارة الأمريكية من الفعل العسكري ضد هذا البلد أو ذاك . الحرب الأخيرة جعلت الإدارة الأكثر وحشية في التاريخ المعاصر للولايات المتحدة تعتد برؤيتها وذهابها بعيداً في إنجاز مهماتها بغض النظر عن الاعتراضات أو الاحتجاجات .. لكن ذلك لايعني ان هذه الإدارة لم تحسب حساب الاحتمالات.. فاختيارها العراق له مبرراته الكثيرة وخاصة المتعلقة منها بالضعف الهيكلي الداخلي للنظام وتقاطعه السلبي مع جيرانه وخطابه النافر الذي كان مستأسداً على جماهيره فحسب .. كما ان الولايات المتحدة لم تذهب إلى الحرب إلا وقد ضمنت حسابات الأرض والفاعلية ؛ لذلك استطاعت تحمل تبعات الرفض السياسي الأوروبي والعالمي لانها ادركت ان لهذا الرفض حدوده ولكل موقف ثمنه .. وهذا ماتجلى عملياً بعد سقوط بغداد مباشرة . تعتبر الإدارة الأمريكية ان اللعب على الأوراق السياسية لعب مفتوح متغير . لذلك فإنها تراهن أساساً على مؤسسة القوة .. والقدرة على التبرير وتعميم النموذج الذي تراه مناسباً في العالم المعاصر . نختلف معهم أو نتفق .. هذا شأن يستوعبونه على قاعدة ان المصيب سيثبت جدارته والمخطىء سيعرف خطأه عاجلاً أم آجلاً . لم يكن فوكوياما مخطئا إذاً وهو يتحدث عن نهاية التاريخ معتبراً ان تاريخ الولايات المتحدة الذي تسطره مؤسستا القوة والمال هو تاريخ البشرية القادم . . وليست الإدارة الأمريكية مخطئة في رؤيتها الداروينية النيتشوية التي تعتقد بأن شريعة الغاب هي الوحيدة التي حكمت التاريخ ومازالت .. فالتداعيات اثبتت هذا .. والرفض التام لنداءات كل اخيار العالم اثبت ان لغة الشر مازالت هي الحكم في تاريخ الانسانية المأزوم . حقاً أن المبررات تتوفر أحياناً .. واللقاء الموضوعي بين نوازع الشر تتوفر حتى وان بدت الأطراف متناقضة كما هو حال النظام العراقي المنهار والإدارة الأمريكية الحالية .. لذلك يمكننا استيعاب منهج الاستباق الذي يفتخر به الظافر الأكبر بوش الابن . انه يقرأ مايراه فحسب .. انه يرى الأشياء بعدساته الخاصة .. لكن التاريخ يتأبى على الانتشاء ونرجسية الذات المترعة بالغرور . لقد قهر التاريخ الكثير من العتاة وبوسعه ان يكرر مأساته وملهاته مرة أخرى أيضاً .. وسنرى ..