مازال الوقت مبكراً للخروج باستنتاجات واضحة حول موقع “ويكليكس” المثير للجدل والذي ملأ الدنيا وشغل الناس بالنظر لسلسلة المعلومات المثيرة التي نشرها الموقع حتى الآن، والتي لا تمثل سوى قطرة في بحر، بحسب تصريحات المؤسسين الذين يقولون إن هناك مئات آلاف الصفحات في طريقها إلى النشر، مما يعني أن هذه الصفحات ستشكل قيمة معلوماتية وسياسية موازية لما هو معلوم بالضرورة في المعطيات السياسية الدولية الراهنة، لأن الولاياتالمتحدة تمثل قطب أقطاب المحنة الدولية الراهنة ممثلة في تلك الشواهد والمشاهد التراجيدية التي تسببت بها إدارة اليمين لبوش الصغير، ثم توالت بقوة دفعها الخاصة مع إدارة أوباما الديمقراطية. إن هذه الحقيقة تكشف درجة المساهمة المركزية للولايات المتحدة في سوء الحال والمآل، وتجسداتها الشاخصة في العراق وافغانستان والصومال وباكستان إقليمياً، وفي الأزمة المالية عالمياً، وتأتي تسريبات موقع “ويكليكس” بالتوازي مع هذه الحالة غير القابلة للحل، طالما استمرت الإدارة الأمريكية في تنكُّب مشقة السير على درب اليمين المتوحش عسكرياً ومالياً وسياسياً وأمنياً، وطالما ظلت مُصرة على إدارة علاقتها بالعالم وفق مقدمات أحداث سبتمبر وسيناريوهات ما بعد هذه الأحداث التي لم يتم بلورتها وتسطيرها بعد أحداث سبتمبر بل العكس، ولمن يريد معرفة هذه الحقيقة عليه استدعاء ومراجعة برنامج اليمين الجمهوري الانتخابي الذي سبق ولاية بوش الابن حتى يرى أن هذا البرنامج تضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير بالتوازي مع التخلّي الإجرائي عن أمريكا اللاتينية التي طالما اعتبرتها الولاياتالمتحدة النافذة الخلفية لها استناداً إلى الحقائق الموضوعية جغرافياً وتاريخياً. برنامج بوش الابن الانتخابي اعتبر كامل الشرق الأوسط الممتد من المنطقة العربية وحتى تخوم الهند والصين بمثابة نافذة خلفية للولايات المتحدة ومصدر قلق لها، وليس من المصادفة أن تكون هذه البلدان برمتها عربية أو إسلامية، وليس من المصادفة أيضاً أن يكتب “هينتغتون” مُنظراً لحروب الأديان، وأن يكتب “فوكوياما” مُنظراً لتاريخ ألفية جديدة تنقل البشرية من النظام القديم غير الأمريكي إلى النظام الأمريكي المستقبلي مما لا يتسع المقال لمناقشته هنا.