في الانتخابات البرلمانية الاخيرة التي جرت في تركيا أكد حزب العدالة والتنمية التركي حكمته السديدة ورهانه الواقعي، فهذا الحزب الذي خرج من أعطاف الحركة الاسلامية التركية الرشيدة كان واقعياً ومسؤولا منذ أيامه الأولى لاستلام السلطة، فقد حرص منذ تلك الايام على تأكيد تمسكه بآلية النظام السياسي التركي، والسير على طريق العلمانية المؤصلة في تركيا منذ كمال اتاتورك، ومفارقته المبدئة للنزعتين القومية المتطرفة واليمينية المتوحشة، الأمر الذي جعل الرهان الاقتصادي الحياتي هاجسه الأول. وهكذا كان، فقد تمكن حزب العدالة والتنمية خلال فترة زمنية قياسية من اعادة التوازن للاقتصاد التركي، وشملت الخيرات المادية والمعنوية ملاين الاتراك الذين بادلوا هذا الوفاء بوفاء أكبر تجلّى من خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي نال فيها الحزب أغلبية حاسمة . مسيرة حزب “ العدالة والتنمية “ درس بليغ للاسلام السياسي العربي الذي يضع حواجز حديدية بين الدين والدنيا، ويتوهم أن التنوع رديف الالغاء المتبادل، ويقرأ سفر التاريخ والأيام بعقلية ايديولوجية متعصبة. لكن حزب العدالة والتنمية الوريث لحزبي “ الرفاه الاسلامي “ و “ الفضيلة “ اثبت العكس تماماً، وأفحم غلاة اليمين التركي، فيما وضع مؤسسة الجنرالات في مكانها الطبيعي بعد أن انتزع منها كل مبررات الانقلاب على الشرعية الديمقراطية، ذلك أن زعماء العدالة والتنمية لا يتباهون بنتاج الانتخابات، ولا يكيلون الشتائم للخصوم السياسيين، بل يتحدثون على المهام الاقتصادية والاجتماعية الماثلة أمامهم ، فيما يؤكدون باخلاص انهم ليسوا بصدد تغيير العلمانية التركية والآلية الديمقراطية السائدة، بل يتركون مسافة واسعة للحوار والتكامل مع كل الفئات والأحزاب التي تتوق إلى المساهمة في تطوير تركيا ونمائها. رئيس الوزراء رجب أردوغان ورفاقه يباشرون ذات الرؤية السياسية الحصيفة على المستوى الخارجي، فالعلاقة بالاتحاد الاوروبي تسير قدماً على قاعدة البحث عن التكامل، بالرغم من التجارب العديدة المخيبة للآمال، والحضور المعنوي في الاشكاليات الاقليمية العربية والدولية تتّسم بثبات وعدم خلط بين المصالح والتبايانات السياسية . ذلك هو الدرس البليغ الذي يقدمه حزب العدالة والتنمية لفرقاء الساحة العربية أنظمة ومعارضة .