حقق حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا فوزا مدويا في الانتخابات اليوم الأحد يمنح الحزب ذا الجذور الإسلامية المشجع لقطاع الأعمال تفويضا بإجراء إصلاحات لكنه قد يمهد الطريق لمزيد من التوتر مع النخبة العلمانية. وتمثل هذه النتيجة نصرا معنويا لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي دعا إلى انتخابات مبكرة بعد خسارة معركة مع المؤسسة العلمانية التي تضم جنرالات الجيش الذين لا يريدون وصول حليفه ذي الجذور الإسلامية وزير الخارجية عبد الله جول إلى منصب رئيس الجمهورية. وبعد فرز جميع الأصوات تقريبا حصل حزب العدالة والتنمية على 47 في المئة بزيادة كبيرة عما حصل عليه في انتخابات عام 2002 لكن المعارضة الأكثر تماسكا في مواجهته تعني أنه قد لا يحصل على الكثير من المقاعد الإضافية. وقال اردوغان لالاف من انصاره المبتهجين خارج مقر حزبه في العاصمة التركية حيث أضاءت الالعاب النارية السماء"هذه اول مرة منذ 52 عاما يزيد حزب موجود في السلطة من اصواته للمرة الثانية.. سنواصل العمل بتصميم لتحقيق هدفنا (بالانضمام) للاتحاد الاوروبي." ولم يتجاوز حاجز العشرة في المئة الضرورية كحد أدنى لدخول البرلمان سوى حزبين علمانيين آخرين هما الحزب الشعبي الجمهوري القومي وحصل على 21 في المئة وحزب الحركة القومية اليميني المتطرف على 14 في المئة. وحقق مستقلون اغلبهم من الاكراد فوزا ايضا مما يجعلهم اول اكراد يدخلون الى البرلمان منذ بداية التسعينات مما اثار احتفالات صاخبة في معقل الاكراد في شرق البلاد. ورقص انصار اردوغان واطلقوا ابواق السيارات ولوحوا باعلام ضخمة عليها شعر حزب العدالة والتنمية في مدن في شتى انحاء تركيا. وتركز الجدل بين الأحزاب حول الإصلاح الاقتصادي وكيفية التعامل مع عنف الانفصاليين الأكراد والانضمام الى عضوية الاتحاد الأوروبي الذي يبدي فتورا لضم تركيا إليه ومكان الدين في تركيا الحديثة. وتجاهل الناخبون على ما يبدو تحذيرات المعارضة من أن حزب العدالة والتنمية يسعى سرا إلى إقامة دولة دينية على النمط الإيراني رغم المسيرات الحاشدة التي خرجت إلى الشوارع هذا العام دفاعا عن الفصل الصارم بين الدولة والدين في تركيا وهي واحدة من الديمقراطيات القليلة في العالم الإسلامي. وقاد أردوغان طفرة اقتصادية وفي علامة على ابتهاج الأسواق المالية بنتيجة الانتخابات التي تجسد واحدا من أقوى التفويضات في تاريخ تركيا الحديث حققت الليرة التركية ارتفاعا بنحو 2 % أمام الدولار في أوائل التعاملات الآسيوية. وقال خبراء اقتصاديون إن أردوغان (53 عاما) أكثر الساسة شعبية في تركيا يستطيع الآن مواصلة سياسات السوق الحر واستئناف محادثات العضوية مع الاتحاد الأوروبي رغم التململ المتزايد في تركيا من مماطلة الاتحاد في قبول انضمام تركيا. وقال المحلل سيمون كويجانو إيفانز "هذا هو السيناريو الأمثل للأسواق ... السؤال الآن كيف سيكون رد فعل المؤسسة (العلمانية) وهذا شيء ستكون الأسواق قلقة بشأنه." ويعتبر الجيش نفسه الضامن الأول للدولة العلمانية في تركيا وأطاح بأربع حكومات في الأعوام الخمسين الماضية أحدثها حكومة ذات توجه إسلامي سابقة لحكومة حزب العدالة والتنمية عام 1997. وقال سميح إيديز وهو كاتب تركي بارز "لا أعتقد أن (الجيش) راض لكنه لن ينشر الدبابات. سيبحث عن وسائل ليجعل وجوده محسوسا واضعا في الاعتبار أنها حكومة تتمتع بتفويض قوي." لكن الحكومة الجديدة لن تلبث أن تواجه تحديات جديدة. إذ يتعين عليها أن تجد مرشحا للرئاسة يحظى بموافقة جميع الأطراف والتحرك بحذر لتحافظ على ابتعاد الجيش وتسرع من وتيرة الإصلاحات الضرورية للانضمام للاتحاد الأوروبي أو المخاطرة بمواجهة ردة اقتصادية وأن تقرر ما إذا كانت سترسل الجيش إلى شمال العراق لسحق المتمردين الأكراد المتمركزين هناك. وتقاتل قوات الأمن التركية متمردي حزب العمال الكردستاني منذ عام 1984 في صراع راح ضحيته أكثر من 30 ألف شخص. وتصاعدت الاشتباكات العنيفة على مدى العام الماضي. وتثير احتمالات إقدام تركيا على هذه الخطوة قلق الولاياتالمتحدة بشكل متزايد. وقبيل الانتخابات أظهرت توقعات قنوات التلفزيون التركية التي أجرت استطلاعات رأي عن فرص فوز الأحزاب المختلفة ان الحزب الحاكم سيفوز بما بين 330 و345 مقعدا في البرلمان من اصل 550, ما سيتيح له تشكيل الحكومة بمفرده. وكان حزب العدالة والتنمية فاز بنسبة 34% من الاصوات في الانتخابات التشريعية في 2002, ما اتاح له الحصول على 351 مقعدا. الا ان هذا العدد اقل هذه المرة, رغم ان نسبة الاصوات التي حصل عليها اكبر, بسبب وصول حزب جديد الى البرلمان, بالاضافة الى حوالى ثلاثين نائبا مستقلا وكون النظام الانتخابي نسبيا. ولم يتردد اردوغان في اضفاء طابع شخصي على العملية الانتخابية باعلانه انه سينسحب من الحياة السياسية ان لم يتمكن حزبه من الحكم بمفرده. وقال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية صالح كابوسوز "فازت الديموقراطية (...) اعترف الناخبون بان الحكومة حققت اشياء جيدة واعطوها تفويضا جديدا". وكان على الناخبين البالغ عددهم حوالى 42 مليونا, ان يختاروا بين التجديد للحزب الحاكم او دعم الاحزاب المؤيدة لتطبيق صارم لمبدأ علمانية الدولة. ويفترض ان تؤدي هذه الانتخابات المبكرة الى حل الازمة السياسية الخطيرة التي بدأت في الربيع بين حكومة اردوغان واوساط العلمانيين, وضمنها مؤسسة الجيش, الذين يتهمون الحكومة بالسعي سرا الى "اسلمة" المؤسسات. وصوت اردوغان الذي نفى دوما بان تكون لديه اي اهداف اسلامية, في اسطنبول, المدينة التي كان يرأس بلديتها. فيما صوت الرئيس التركي احمد نجدت سيزر الذي انتهت ولايته في ايار/مايو الماضي ورئيس هيئة اركان الجيش الجنرال يسار بويوكانيت وكلاهما من الوجوه البارزة في التيار العلماني, في انقرة. ومنذ ان فتحت مراكز الاقتراع ابوابها في وقت مبكر من صباح الأحد, وقف الناخبون امامها في صفوف طويلة في انتظار دورهم للادلاء باصواتهم. ولم تحدد بعد رسميا نسبة المشاركة التي تكون مرتفعة عادة في تركيا, الا ان رئيس المجلس الانتخابي قال انها تجاوزت 80%. وقال علي تشيتين في انقرة "انني هنا لاؤدي واجبي الديموقراطي, فنحن لم نتظاهر سدى", في اشارة الى التظاهرات الكثيفة التي نظمها انصار العلمانية في ابريل/نيسان ومايو/ايار ضد حزب العدالة والتنمية. وفي حي آخر من المدينة, صوت ناخبون "للاستقرار الاقتصادي" الذي ارساه حزب العدالة والتنمية على حد قولهم. وقال دبلوماسي اوروبي "يتوقع ان يظهر الاقتراع ان حزب العدالة والتمنية نجح في رهانه في ان يصبح حزبا كلاسيكيا من يمين الوسط على الرغم من استنزاف قواه بعد خمس سنوات في السلطة". وكان اردوغان اضطر الى تقديم موعد الانتخابات التي كانت مقررة مبدئيا في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بعد ان فشل حزب العدالة والتنمية في البرلمان في فرض مرشحه, وزير الخارجية عبد الله غول, في الانتخابات الرئاسية. وحذر الجيش الذي اسقط اربع حكومات منذ العام 1960 من مغبة المساس بمبدأ العلمانية الذي تقوم عليه الدولة التي اسسها مصطفى كمال اتاتورك في 1923. و99% من المواطنين الاتراك مسلمون, بحسب الاحصاء الرسمي. وقد لا تنجح انتخابات الاحد في اخراج البلد من الازمة السياسية التي يعاني منها والتي قد تبرز مجددا خلال الانتخابات الرئاسية في البرلمان الجديد في حال رفض حزب العدالة والتنمية تقديم مرشح تسوية. ويطالب الحزب بتعديل دستوري يسمح بانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب. ولم تخل هذه الانتخابات من أعمال عنف، فقد جرح 17 شخصا بحسب ما افادت به وكالة الاناضول التركية للانباء. فقد اصيب ثلاثة رجال, جروح احدهم خطيرة, في مواجهة بين مجموعتين مسلحتين بالسكاكين والهراوات في مركز اقتراع في بسمل في محافظة ديار بكر (جنوب شرق) حيث اغلبية السكان من الاكراد. وفي قرية بويوكاكورن في المنطقة نفسها وقع شجار بين مزارعين وناشطي احد الاحزاب عندما حاول رجل مساعدة زوجته الامية على الانتخاب فدخل العازل حيث يتم الاقتراع السري. وقالت الوكالة ان ثلاثة مزارعين تلقوا طعنات بالسكاكين في حين جرح ثلاثة اخرون بحجارة القيت عليهم او بالهراوات. من جهة اخرى اصيب شخصان اخران بجروح طفيفة في صدامات بين ناشطي احزاب متنافسة في محافظة انطاليا (جنوب). وافادت وكالة الاناضول ان الصدام اندلع عندما اتهم ممثلو الحزب القومي اليميني ناشطي حزب العدالة والتنمية الحاكم بانهم القوا مناشير في شوارع بلدة دمري السياحية منتهكين قانون حظر اي دعاية اعتبارا من الساعة 15,00 تغ السبت. واصيب اثنان من عناصر حزب العدالة بجروح طفيفة. وتحولت مناقشة سياسية الى شجار جماعي في مقهى بساسون في محافظة ساسون (شرق) واسفرت عن سقوط ستة جرحى.