يصف البعض حزب العدالة والتنمية التركي بأنه حزب إسلامي سياسي، وبهذا يجافي الحقيقة، فالحزب لا ينكر أنه يتأسى بالدين الحنيف سلوكاً ونمط حياة، لكنه يجاهر ويؤكد التزامه بالديمقراطية والعلمانية، ولا يعتبرهما مفارقين لروح الدين، والحزب لا يدير ظهره للجنوب والشرق كما جرت العادة، ولكنه يُثمن العلاقات التاريخية مع أوروبا، ويسير قدماً على درب الالتزام بمعايير الاتحاد الأوروبي الخاصة بالدول المرشحة للانضمام إليه، مع معرفته الأكيدة بأن تركيا لم تكن مرفوضة للانضمام لمسائل تتعلق بالمعايير، بل لأسباب غامضة يعرفها بعض الساسة الأوروبيين الذين مازالوا قابعين في مربع تجيير الاستيهامات الدينية والمذهبية على الحقيقة. حدث ذلك عندما سارعوا في قبول سلسلة من بلدان شرق أوروبا لمجرد أنها كاثوليكية المذهب ، وتعمدوا تأجيل أخرى لأنها ارثوذوكسية، دونما نظر لما يسمونه المعايير الشاملة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولمن أراد أن يعرف هذه الحقيقة مراجعة ملفات بولندا “ الكاثوليكية “ ورومانيا “ الارثوذوكسية “ مثالاً لا حصراً، حتى يرى أن الدين السياسي المتخفي وراء غُلالات المعايير كان حاضراً دوماً، فما بالك بدولة تركيا المسلمة بإجمالها.. ذات العلاقة التاريخية المتوترة مع أوروبا العهود العثمانية ؟. يذكرنا سلوك حزب العدالة والتنمية فيما يتعلق بالدين والسياسة تلك الحكمة الصينية التي تقول إنه ليس مهماً ما لون الهرة ،بل المهم أن تجيد اصطياد الفئران، ولهذا لم يجد مفكرو حزب العدالة والتنمية فارقاً جوهرياً بين الإسلام والحياة الطبيعية المدنية، تماماً كما لم يجد ابن رشد ذات يوم بعيد فارقاً جوهرياً بين الفلسفة والدين. هذا النمط من التفكير الحصيف أوصل إلى قناعة جماعية بجدوى السير على درب التوفيق بين القيم الدينية الرفيعة ، ومقتضيات الحياة العصرية التي لا تتعارض جوهرياً مع الدين. قدم حزب العدالة والتنمية نموذجاً فريداً للفكر الإسلامي المستنير، فيما ظلّ رهانه الأول والأساس منصباً على خدمة الشعب وضرب المثال في الذات أولاً، ولهذا كان النجاح رديف تجربته، واحترام الآخر أمر لا مناص منه. تستحق تجربة حزب العدالة والتنمية النظر والتأمل، خاصة من قبل المنظومات السياسية القائمة في العالم العربي سواء كانت في السلطة أو المعارضة، فالحوار البنّاء الذي مهّد به الحزب لتوليه السلطة كان عاملاً مهماً من عوامل نجاحه وجماهيريته، وهو أمر مطلوب في الزمن السياسي العربي المحتقن حتى مخ العظم .