مدارج الحب    بيان إدانة بشأن مقتل شاب وإصابة آخر من أبناء شبوة في حادثة تقطع بمحافظة مأرب    طريق الحرابة المحمية    انهيار كارثي مخيف الدولار بعدن يقفز الى 2716 ريال    صراع سعودي اماراتي لتدمير الموانئ اليمنية    واتساب يقترب من إطلاق ميزة ثورية لمسح المستندات مباشرة بالكاميرا    إيران تخترق منظومة الاتصالات في الكيان    لاعبو الأهلي تعرضوا للضرب والشتم من قبل ميسي وزملائه    أزمة خانقة بالغاز المنزلي في عدن    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    عاشق الطرد والجزائيات يدير لقاء الأخضر وأمريكا    ألونسو: لاعبو الهلال أقوياء.. ومشاركة مبابي تتحدد صباحا    بن زكري يقترب من تدريب عُمان    الكشف عن غموض 71 جريمة مجهولة    شرطة صنعاء تحيل 721 قضية للنيابة    موقع أمريكي: صواريخ اليمن استهدفت الدمام و أبوظبي وتل إبيب    فقدان 60 مهاجرا قبالة سواحل ليبيا    بين صنعاء وعدن .. على طريق "بين الجبلين" والتفاؤل الذي اغتالته نقطة أمنية    ترامب يؤكد ان مكان خامنئي معروف ويستبعد استهدافه وإسرائيل تحذّر من انه قد يواجه مصير صدام حسين    شاهد الان / رد البخيتي على مذيع الجزيرة بشأن وضعه على قائمة الاغتيالات    الحديدة.. فعاليتان في المنيرة والزهرة بذكرى يوم الولاية    ندوة في الحديدة إحياءً لذكرى رحيل العالم الرباني بدر الدين الحوثي    الإمارات توضح موقفها من الحرب بين إيران وإسرائيل وتحذر من خطوات "غير محسوبة العواقب"    السامعي: حرب الكيان الصهيوني ليست على ايران وحدها وعلينا تجاوز الخلافات    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    بنسبة 20%.. تخفيض أجور النقل من ميناء عدن إلى المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثي    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    العبسي: تعرضنا للاعتداء من رجال مرور وكالوا لنا الشتائم    التربية تعمم باسعار الكتب الدراسية ! (قائمة بالاسعار الجديدة)    لأول مرة في تاريخه.. الريال اليمني ينهار مجددًا ويكسر حاجز 700 أمام الريال السعودي    حوادث السير تحصد حياة 33 شخصاً خلال النصف الأول من يونيو الجاري    استعدادًا لكأس الخليج.. الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر منتخب الشباب تحت 20 عاما    الوزير الزعوري يناقش مع مؤسسات وهيئات الوزارة مصفوفة الأولويات الحكومية العاجلة    أخر مستجدات إعادة فتح طريق رابط بين جنوب ووسط اليمن    تلوث نفطي في سواحل عدن    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال رئيس أركان الجيش الإيراني الجديد    على خلفية أزمة اختلاط المياه.. إقالة نائب مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي بعدن    الإفراج عن 7 صيادين يمنيين كانوا محتجزين في الصومال    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 17 يونيو/حزيران 2025    طبيب يفند خرافات شائعة عن ورم البروستاتا الحميد    بالأدلة التجريبية.. إثبات وجود ذكاء جماعي لدى النمل!    راموس: اريد انهاء مسيرتي بلقب مونديال الاندية    حريق يلتهم مركزاً تجارياً وسط مدينة إب    وجبات التحليل الفوري!!    كأس العالم للأندية: تشيلسي يتصدر مؤقتاً بفوز صعب ومستحق على لوس انجلوس    القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي يتفقد مستوى الانضباط الوظيفي في هيئات المجلس بعد إجازة عيد الأضحى    البكري يبحث مع مدير عام مكافحة المخدرات إقامة فعاليات رياضية وتوعوية    تعز.. مقتل وإصابة 15 شخصا بتفجير قنبلة يدوية في حفل زفاف    علماء عرب ومسلمين اخترعوا اختراعات مفيدة للبشرية    حصاد الولاء    مناسبة الولاية .. رسالة إيمانية واستراتيجية في مواجهة التحديات    هيئة الآثار :التمثالين البرونزيين باقيان في المتحف الوطني    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    - عضو مجلس الشورى جحاف يشكو من مناداته بالزبادي بدلا عن اسمه في قاعة الاعراس بصنعاء    سرقة مرحاض الحمام المصنوع من الذهب كلفته 6ملايين دولار    اغتيال الشخصية!    فشل المطاوعة في وزارة الأوقاف.. حجاج يتعهدون باللجوء للمحكمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن عام 2050م
نشر في الجمهورية يوم 13 - 08 - 2007

كنت قد قررت أن أزور اليمن وبرفقي أسرتي في نهاية صيف عام 2050 ولم أكن أتصور أن حجوزات الفنادق والطيران ممتلئة بالكامل ولمدة ستة شهور قادمة، وبالتالي كان يجب علي أن أقوم بترتيب ذلك قبل وقت كاف.. وحيث إنني وددت أن يتم ترتيب رحلتنا السياحية هذه عن طريق شركات السياحة المتخصصة.. ونتيجة لتأخرنا في زمن الترتيب فقد واجهتنا صعوبة في إيجاد الحجوزات حيث لم نجد امكانية للوصول إلى اليمن عبر المدن الكبرى لذا فقد ابتسم لنا الحظ أخيراً لكن عن طريق مدينة في وسط اليمن تسمى سيئون، وقد كانت الرحلة الأخيرة من الرحلات العشرين في ذلك اليوم هي التي نقلتنا.
فريد باعباد
توجهنا إلى المطار وأقلتنا الخطوط اليمنية، حيث خدماتهم ممتازة ويتحدث عنها من سبقوني بالسفر عبر الخطوط اليمنية.
وتوجهنا إلى المطار في اليوم المحدد حيث يقوم موظف الطيران بتمرير جهاز الماسح الذي يحمله بيده على جواز السفر وتظهر له كامل المعلومات عن المسافر وحجزه وبضغطة زر يأذن لك ويطلب منك التوجه للسير المتحرك والذي بدوره يوصلك إلى الطائرة.
وبعد رحلة قصيرة وصلنا إلى أجواء مدينة سيئون، والتي تتوسط حضرموت بلاد الأحقاف وقبل بضع دقائق من هبوط الطائرة إذ بموظف الخطوط اليمنية يمر على الركاب وهم جالسون في مقاعدهم ويمرر جهاز الماسح اليدوي الذي يحمله بيده على جوازاتهم وبضغطة زر بيده يسلم كل راكب بطاقة مكتوب عليها «أهلاً وسهلاً بك في اليمن.. سيئون ترحب بكم».
جميل هذا الاستقبال الراقي وهذه الواجهة من التعبير التي تعطي صورة للوافد زائراً كان أو سائحاً انه سيلقى معاملة راقية.
والسطر الآخر مكتوب عليه لاتنس أن تأخذ هديتك عند باب الطائرة والغريب أن ذلك مكتوب بعدة لغات ومنها لغة حامل الجواز.
سيئون هذه المدينة الصغيرة كان عدد سكانها قبل حوالي خمسين عاماً حوالي خمسين ألف نسمة أما اليوم فسكان مدينة سيئون فقط يبلغ خمسمائة ألف نسمة، وهذه المدينة يطلق عليها السياح مدينة الطين والنخيل وذلك لاعتماد كل بناء فيها على الطين ولايتدخل الاسمنت في أي جزء من أجزائها.
وهناك قانون يمنع البناء بالمواد الاسمنتية التزم السكان بذلك القانون مماجعل مدينتهم مميزة بين شتى مدن العالم.
والجميل أن الدولة ممثلة بالسلطة المحلية قامت قبل عشرين سنة مضت بهدم آخر المباني القديمة والمقامة على أسس اسمنتية وقد تم تعويض السكان وإعطائهم منازل جديدة مبنية بالطين وقد اطلعت على تلك المعلومات من موقع المدينة على الانترنت.
أما النخيل حيث تقول التقارير إن فيها مايقارب خمسمائة ألف نخلة والغريب أن السلطة المحلية تزرع نخلة عند مولد كل طفل فيها.
لذلك عندما شرح لنا المرشد السياحي عن تلك الخطوات أثار إعجاب جميع السياح والزائرين وبالفعل لمسنا ذلك الجمال ورأيناه عندما كنا نقوم برحلة إلى أعلى جبل في المدينة، بواسطة التلفريك وهي مدينة حديثة تشرف على مدينة سيئون من الأعلى.
أمضينا ثلاثة أيام هنا في هذه المدينة، واللافت للانتباه في زراعة النخيل في الشوارع أنك تلحظ بين كل نخلة ونخلة ونخلة إبداع وجمال ورسوم على الأرض لايمكن أن يسطره إلا فنان، ولكن على مساحة صغيرة من الورق فكيف إذ أحصل ذلك على التربة وهذا ماشاهدته أعيننا وأخذتنا الدهشة!
وللمرشد السياحي على رحلتنا قصة أخرى، إنهم ناس ودودون جداً وبشوشون جداً وفي قمة اللباقة والأناقة.
فهم يذكرونني برحلة قمت بها وأنا شاب صغير مع أسرتي إلى سيرلانكا وقد لفت نظري الهندام الذي رأيته في العاملين في المطار.
والشيء الجميل الملفت هنا في هؤلاء المرشدين السياحيين انهم يتحدثون لغات ثلاث غير لغتهم العربية إذ لا غرابة في ذلك أبداً إذا عرفنا أنهم خريجو جامعات ومدارس خاصة يتم فيها التحاق الطالب بعد السنة التاسعة ومن هنا يبدأ تخصصه في السياحة.
بعد مضي الثلاثة الأيام تلك في هذه المدينة الصحراوية والتي شاهدنا فيها مدن تريم وشبام ودوعن بلاد الشاعر امرؤ القيس.
بعد ذلك غادرنا كمجموعة سياحية بالقطار إلى مأرب أرض بلقيس وقد كان بوفقنمت مرشد سياحي يتسلم منه المهمة آخر في مأرب.
وقد بتنا فيها ليلة واحدة توقفنا عند عرش بلقيس والتاريخ الذي دار هنا في عهد هذه الملكة التي حكمت اليمن قبل آلاف السنين، وشاهدنا فيها سد مأرب العظيم الذي تم إعادة بنائه للمرة الثالثة، وكان بحق سد ضخم جداً، يحجز كميات هائلة من المياه أشبه بالبحيرة حيث بالإمكان مشاهدتها بالقمر الصناعي وهذا دليل على كبر حجم البحيرة.
وفي المقابل جعلت هذه البحيرة منطقة مأرب خضراء يزرع فيها كل أنواع الخضروات والفواكه الموسمية وغير الموسمية.
بل أصبحت هذه المحافظة خضراء بعد أن قال عنها المؤرخون إنها كانت صحراء.
ولم تتوقف مأرب عن هذا العطاء بل يقال إنها هي التي تمون صنعاء من المياه من سد مأرب، فعلاً إنه سد عظيم.
شيء متميز في أهل اليمن وخصوصاً هؤلاء المرشدين لك أن تتصور أن المرشد السياحي الذي رافقنا في حضرموت متخصص في شؤون المنطقة وتاريخها والمرشد الذي تسلمنا في مأرب متخصص ودارس لتاريخ منطقة مأرب لذا فإن المعلومات التي نستقيها منهم كسياح علمية وتاريخية وأكاديمية.
غادرنا مأرب الخضراء بالقطار المريح والسريع قاطعاً أراضي مأرب والجوف وغازياً الوديان ومخترقاً الجبال عبر أنفاق مظلمة تذكرنا بمن كانوا يعيشون في هذه الوديان عام ألفين للميلاد أي قبل خمسين سنة من يومنا هذا.
لكن بعد خروجنا من الانفاق المتعددة نشاهد المناظر الجميلة والتي تنبهنا بأننا في العام الخمسين بعد الألفين ولسنا في عام 2000 وصلنا صنعاء المدينة، والتي كانت عاصمة لليمن ولكنهم انشأوا مدينة جديدة أسموها صنعاء العاصمة.
أي أن هناك ثلاث صنعاءات صنعاء القديمة ويحاط بها سور وهي أقدم مدن العالم، وصنعاء المدينة والآن صنعاء العاصمة.
لكن الذي يشدك في هذه المدن صنعاء القديمة، فهناك تتمعن في التاريخ وتعود للتاريخ الماضي بمئات السنين وربما آلاف السنين.
يأتي السياح لهذه البلاد من كل مكان، لذا فأنت تشاهد حافلات السياح في الشوارع أكثر من عدد السيارات الصغيرة الخاصة.
والجميل في العاصمة تنقلك بوسائل مختلفة متاحة، من تحت الأرض والمترو إلى سطح الأرض والترام وفوق الأرض والتلفريك.
إن من أجمل مارأينا في هذه المدينة صاحبة الرقم الأول لعدد السياح في الشرق الأوسط للعشر السنوات الماضية أنها تحتوي على أول مركز سكني لمجتمع بشري لازال يعيش فيه ومن خلاله تشم عبق ورائحة التاريخ لسام بن نوح وأحفاده.
وان ابتعدت قليلاً تتنقل في وادي يسمى وادي ظهر والبساتين وشلالات المياه الصناعية، وإن ذهبت إلى أعالي الجبال المحيطة بصنعاء والاستراحات والملاهي والفنادق والأبراج العالية والذي زاد من علوها أيضاً أنها أقيمت فوق علو أكثر من 3000 قدم فوق سطح البحر لذا فأنت أحياناً تجد نفسك فوق علو يزيد عن نصف كيلو متر فوق سطح البحر.
وأحدث مارأيت في هذه العاصمة المتجددة أنه بإمكانك التنقل أيضاً من برج إلى آخر بواسطة التلفريك ويالها من معجزة!
ويبدو أن ديناميكية الحركة للمواصلات في هذه المدينة يسيرها حواسيب وليس بشراً إنها معجزة لشعب يتجدد ولايعرف النوم!
أوشكنا على مغادرة صنعاء ولم نكن نريد لكن كل شيء له نهاية، جاءنا المرشد هذه المرة من محافظة إب وأراد المسئولون عن برنامجنا السياحي أن يكون تنقلنا هذه المرة بالحافلات المجهزة بكل وسائل الراحة والاستمتاع.
وعندما كان السائق يدخل إلى الطريق السريع عبر البوابة كان السائق لايتوقف مثلما نعرف ويدفع رسوم المرور بالطريق أو يمرر بطاقة الكترونية مثلما هو في السابق، وإنما كانت هناك كاميرات المراقبة تلتقط أرقام الحافلة ويتم التسجيل على الشركة مباشرة.
كان ذلك حديث المرشد السياحي المرافق لنا إلى إب وصلنا إلى إب هذه الجنة الخضراء وتكاد تعرف انك في إب بروائح الورود التي تفوح نسائمها من كل مكان، ويبدو لي انك ستعرف انك في إب حتى لوكنت كفيف البصر لاترى البساط الأخضر وذلك بسبب الروائح العطرة التي تنبعث من كل مكان في هذه المدينة.
مدينة إب هذه أقمنا فيها يومين شاهدنا فيها بعض الشلالات، ولا أدري كيف صنع هؤلاء ذلك رغم معرفتي بطبيعتها الجغرافية!
عندما غادرنا إب جاءت المفاجأة من هذا الشعب فقد كانت وجهتنا مدينة تعز لكن هذه المرة ليس بالحافلة أو القطار.
لقد كانت وسيلة مواصلاتنا من إب إلى تعز بالتلفريك الهوائي حيث المسافة في حدود ستين كيلو متراً.
ياله من منظر غاية في الروعة والجمال وأنت في داخل كابينة التلفريك تتنقل من منطقة إلى أخرى، وفي الأسفل منظر خلاب يصنع منك شاعراً وأنت لست بشاعر.
والأدهى من ذلك أنهم وضعوا شاشة داخل الكبينة تقرب لك المناظر البعيدة لتراها قريبة، وتستمع لمتحدث يعرفك بهذا المنظر!
كانت عربات التلفريك تتحرك أمامنا وخلفنا من تعز إلى إب والعكس وكأنها نجوم متلألأة،حيث قاربت الشمس على المغيب.
منظر رائع ورحلة في هذه المنطقة أشبه بالأحلام ولم نكد نصدق أنفسنا أننا في هذه المنطقة أمام منظر يصعب وصفه يكاد لايصدق.
كانت عربات التلفريك لمجموعتنا السياحية عددها عشر عربات وكانت كل عربة تحتوي على أربعة أشخاص.
وصلنا مدينة تعز إلى فندق في جبل صبر وهو أعلى جبل يشرف على مدينة تعز، مدينة تعز، هذه تشبه إلى حد كبير مدينة إب مع وجود بعض الاختلاف،ففي تعز شاهدنا الآثار والقلاع القديمة وشاهدنا أقدم مسجد فيها يسمى جامع الجند.
يومان في هذه المدينة لم نر فيهما الشمس، وكانت الامطار تنهمر بغزارة خلال اليومين ولم تتأثر الحركة التجارية بسبب ذلك.
غادرنا بعد ذلك إلى مدينة عدن وبصراحة لم استطع تمييز من أين تبدأ بداية مدينة عدن، رغم أنني استعين بالخرائط الالكترونية لمعرفة أين موقعي، لكن المرشد أراحني وشرح لي أن مدينة عدن قد تجاوزت حدودها الجغرافية وتداخلت مع محافظتي لحج وأبين نتيجة التوسع العمراني الهائل ونتيجة التطور في البناء بشكل أفقي وعمودي.
وبالقرب من غروب الشمس وصلنا عدن وكان المنظر ساحرا ويزيدك سحرا منظر الاحتضان بين البحر والجبل في هذه المدينة.
عدن هذه لم نر مثلها مدينة بهذا التكوين الجغرافي النادر، والذي زادها من الابهار الحركة التي لاتنام أو تتوقف فيها.
ويبدو أنها أشبه بالقلب الذي يضخ بالدم المتجدد ليس لليمن فقط بل لأبعد من ذلك أيضاً.
عدن هذه تكاد تكون أغلب مبانيها أبراجاً عالية، تبهرك في الليل بألوانها وتسحرك في النهار بأشكالها، ويسمونها هونج كونج العرب.
لقد قال لي أحد سكان عدن والذي تجاوز عمره المائة سنة وقد عايش مراحل التغير والتطور في عدن وأصبح لايصدق ما يراه أحياناً.
إن اليمن كان يحكمها رئيس صالح زار هونج كونج الصينية ووقف متأملاً متخيلاً أن تصبح عدن مثلها في يوم من الأيام
ومضت سنوات حكمه لليمن وقد تحقق له ماتمنى لذلك فهو يعتبر باني ومشيد بدايات النهضة هذه مثلما بنى اتاتورك تركيا الحديثة.
لذلك فان كثير من اليمنيين يعتبر هذا التطور يعود لحنكة ذلك القائد وقد سار الحكام الذين خلفوه على عهده وأكملوا المشوار.
قبل أربعين سنه من يومنا هذا كان اليمن يواجه مشكلتين عويصتين وقفتا عائقا لتطور اليمن وهما انتشار السلاح وشجرة القات وهي شجرة خبيثة وكان الشعب اليمني يهدر ملايين الساعات والدولارات مع هذه الشجرة يومياً.
ولكن في ذلك العام بدأ التخطيط لمحاربتها بعدة وسائل منها انتشار وسائل ترفيه بديلة وزيادة ضرائب متصاعدة وإغلاق أسواق كانت تباع فيها تلك النبتة وزيادة الوعي لدى المجتمع، وبالفعل انحسرت زراعة تلك الشجرة إلى أن أصبحت صورة من الماضي، أما السلاح فقد اتخذت الدولة قوانين تمنع امتلاك وبيع السلاح، واتخذت قراراً بشراء كل الأسلحة لدى المواطنين.
قرأت ذلك في موقع اليمن الالكتروني والذي اعطاني فكره عن تاريخ اليمن منذ بدأت فيه خدمة الانترنت عام 2000م ميلادية أي قبل خمسين سنة من تاريخنا الحالي.
إن من أجمل الذكريات التي لن تنسى أن قمنا برحلة رائعة إلى قارة أفريقيا وبالتحديد إلى جبيوتي من خلال الجسر المعلق الأعجوبة والذي يربط اسيا بافريقيا والذي تم إنشاؤه قبل عشرون سنة، وهو يعد من أحدث الجسور التي تربط بين الدول.
وحقيقة لم أر مثله في حياتي رغم أن هناك كثيراً من الجسور تربط بين دول ومدن في العالم، لكن هذا الجسر المعلق يعتبر معجزة إنشائية، كلما ذكرت اليمن في الأخبار ظهرت صورة الجسر المعلق الرابط بين عدن وجبيوتي وهو بحق معجزة إنشائية فنية.
لقد رأيت جسراً يربط بين البحرين والسعودية، وجسراً يربط بين تركيا الأسيوية والجزء الأوروبي منها، وجسرا يربط بين مدينة جهور الماليزية وسنغافورة،لكن مايميز هذا الجسر هو حركة المواصلات فيه، إن جسر عدن جبيوتي المعلق يتميز بخاصية منفردة، لم اقرأ عنه قبل ذلك، ولم اعرف شبيها له في أي مكان. فله خاصية جديدة مختلفة عن الجسور المذكورة، حيث إنك تركب سيارتك الخاصة وتبقى فيها وتوقف سيارتك على عربة وهي التي تسير أو تحرك سيارتك وأنت تستمتع بمنظر البحر فوق مضيق باب المندب، هذا المنظر أشبه بأحلام الألعاب الالكترونية.
وكذلك السياح في الحافلات يبقون في حافلاتهم المكشوفة، يستمتعون برؤية المنظر وكذلك يشاركهم سائق الحافلة بالاستمتاع.
زرنا جبيوتي لعدة ساعات وقد قيل إنها انتعشت اقتصادياً بفعل النمو الهائل الذي حصل لمدينة عدن، حيث الكثير من ساكنيها يعملون في عدن ويسكنون في جبيوتي حيث المساكن ارخص من عدن والتي لم يعد فيها الكثير من المساحة.
كنت أعتقد أن اليمنيين سيحفرون أنفاقاً تحت البحر مثلما هو بين فرنسا وبريطانيا، ولكنهم أرادوا أن يتميزوا بهذا الجسر المعجزة.
التنقل داخل عدن يفضله الكثير أن يتم بالتلفريك وبالمناسبة أول تلفريك أنشئ في اليمن كان في عدن وذلك كان عام 2007م ميلادي.
لم نود أن ينتهي برنامجنا بهذه السرعة ،لكن هذه هي الحياة والأوقات السعيدة تسير بسرعة،لكن ماذا نفعل كل خطوات لها نهاية.
حيث آخرون من السياح والزوار ينتظرون مغادرتنا ليحلوا مكاننا.
غادرنا مدينة عدن إلى مدينة جديدة، وهي الأخيرة في رحلتنا السياحية هذه إلى اليمن، إنها مدينة المكلا وتقع على البحر العربي.
غادرنا وفي اعتقادنا أننا لن نرى أجمل من الذي رأيناه، وكلما غادرنا مدينة أعتقدنا أنها الأجمل، ووجدنا كل واحدة تتميز بشيء مميز.
لقد وصلنا مدينة المكلا الساحلية، الواسعة الشوارع والمنظمة في حركة السير فيها والمليئة بالمنتزهات والحدائق وملاعب الأطفال.
إن اليمن هذه تبهرك والشيء الملفت انك تجد كل مدينة لها مايميزها من طابع معماري فريد مخصص لها،لن تجده في مدينة يمنية أخرى، وكأنهم على اتفاق أن لاتتشابه المدن في المعمار أو طراز البناء لتظهر كل مدينة برونق يميزها وتفتخر به لذلك فقد كانت المكلا تستقبلنا ببياض ابتسامتها وبياض مبانيها، ولاتكاد تجد منزلا أو مبنى حكومياً إلا وقد صبغ باللون الأبيض.
هذه المكلا تكاد تكون شقيقة مدينة عدن فأبوهما الجبل ويحتضنهما البحر.
لكن مايميز هذه المدينة عن باقي مدن اليمن ان اغلب سكانها يعملون بالتجارة،وربما أصبت إذا سميتها بنك اليمن.
ولقد علمت انه قبل عشرين سنة، عاد إلى هذه المدينة الآلاف من التجار من الحضارمة من شرق آسيا، وعودتهم ساهمت في جعلها مدينة التجار، ففيها أنشأ أول سوق للأسهم في اليمن، ومنها يتم التواصل بالقطار إلى دول الخليج.
وهذه المدينة فيها الكثير من المراكز التجارية ودور السينما والمسارح المغلقة، وبها أكبر مرسى لليخوت في المنطقة، وهو يذكرني بأول رحلة لي إلى مدينة مونت كارلو الفرنسية عندما كنت شابا.
لم نعد نعرف كم من الأيام ذهب، وكم بقى لنا من الأيام لنشاهد مدناً يمنية أخرى، فهذه اليمن كبيرة المساحة كثيرة المواقع التاريخية لم نعرف أن الأيام المحددة لرحلتنا هذه قد انتهت، إلا عندما ابلغونا أن تاريخ المغادرة سيكون غداً.
ولم نصدق ذلك.. ظنناه مجرد حلم، لم يعجبنا ولم نصدق إلا ونحن في الحافلة متوجهون إلى المطار، ومندوب شركة الطيران ماسكاً بيده جهاز الماسح الالكتروني، ماراً علينا واحداً تلو الآخر، وبابتسامته المعهودة مقدماً بطاقة مكتوب عليها اليمن تودعكم وتدعوكم لزيارة مناطق أخرى فيها في زيارتكم المقبلة لليمن.
والغريب أنها مشفوعة بالتنبيه لاتنسى أن تأخذ هديتك عند مدخل الطائرة، ووروداً وابتسامات وكلمات وداع وكأننا نودع أهلنا.
وفي مدخل الطائرة كانت الهدية هذه المرة شنطة، وبداخلها مجسمات للذكرى للمناطق التي زرناها وسي دي معلومات عن اليمن وكتيبات إعلامية عن المناطق التي لم نزرها في اليمن، وكأن اليمنيين يقولون لنا لاتنسوا أن تزوروا في المرة القادمة سقطرى والحديدة والمهرة، سرحت بخيالي لأزور تلك المناطق والجزر فقد أعجبتنا اليمن وأبهرتنا اليمن وسحرنا أهل اليمن وأنا والأسرة في غاية الاستمتاع في هذه الزيارة جلست أتذكر صنعاء وإب يا الله شيء لايصدق في هذه الرحلة.
جمال في الطبيعة خدمة راقية تقدم وتطور شعب متعلم هذه الذي رأيناها أرقى خدمات التطور الإنساني والتكنولوجي،لقد كانت رحلة العمر لم ينغصها عليّ إلا جرس منبه الساعة، ينبهني بموعد آذان الفجر يا اااااه كل ذلك كان حلماً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.