قد لا يختلف اثنان على انه ليس من الانصاف المقارنة بين واقع اليمن اليوم وما كان عليه حال البلاد قبل اربعة عقود ونصف من الزمان ، لكن طبقاً لجميع المؤشرات فقد كانت المقارنة بين حال اليمن وحال البلاد الاخرى في ذلك الحين تقذف باليمن بعيداً في أزمنة التاريخ الاولى ، الى “ ظلام العصور الوسطى” على حد قول الطبيبة الفرنسية كلودي فايان التي وصلت الى صنعاء في منتصف القرن الماضي. يقول الكاتب والصحفي البريطاني ادجار اوبالانس “ باستثناء الاسلحة النارية وبعض من سيارات النقل والعربات القديمة لا يبدو إنه كانت هناك ثمة تغيرات لقرون خلت “. ولا يزال الكثير ممن عاشوا تلك الأوضاع يتحدثون بمرارة عن سنوات البؤس والشقاء والحرمان التي اكتوى بنيرانها أبناء الشعب اليمني في ظل نظام استبدادي جعلهم ضحايا لظلم الحاكم ، ولثالوث الفقر والجهل والمرض. وفي المقابل لم تكن المناطق الواقعة في جنوب البلاد، والتي كانت ترزح تحت نير الاحتلال البريطاني ، بأحسن حال من أخواتها في الشمال، باستثناء مستعمرة عدن، التي حظيت بقدر من اهتمام البريطانيين، الذين اتخذوا منها قاعدة عسكرية استراتيجية. تلك الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المؤلمة والمتخلفة ولدت لدى اليمنيين حافزاً قوياً في التغيير والانطلاق نحو المستقبل ومسايرة ركب الحضارة الانسانية لبناء اليمن الحديث. يؤكد السيد اوبالانس الذي زار اليمن للمرة الاولى في 1948” اذا ما كان هناك بلد مهيأ لثورة وتغيير سياسي اكثر من غيره فهو اليمن بلا جدال. وفعلاً استطاع اليمنيون بعد سلسلة من المحاولات النضالية تفجير ثورة 26 سبتمتبر 1962 ، والتي شكل انتصارها وقودا اشعل فتيل ثورة 14 اكتوبر 1963م ، التي توجت بجلاء الاستعمار البريطاني عن جنوب الوطن في 30 نوفمبر1967م. وبقيام ثورة 26 سبتمبر وجلاء المستعمر البريطاني ولجت اليمن مرحلة جديدة ، شهدت خلالها العديد من التحولات والإنجازات في مختلف مجالات الحياة ، خاصة في قطاع النقل البري والبحري والجوي. النقل البري: فعلى الرغم من شهرة اليمنيين على مر العصور بسبر اغوار الطرق البرية والبحرية ، مستفيدين من الموقع المتميز لليمن على مفترق طرق بين الشرق والغرب، حرمت اليمن من تلك الميزة إبان الحكم الامامي المستبد والتسلط الاستعماري اللذين عمدا الى فرض طوق من العزلة ليس على مستوى تواصله مع الخارج فحسب وانما ايضاً بين مناطق الوطن الواحد. ولإطلالة على ماشهده قطاع النقل البري من تطور في ظل الثورة اليمنية الخالدة لابد من الإشارة الى واقع هذا القطاع في بداية ستينيات القرن الماضي ، حيث لم يتجاوز اطوال الطرق البرية عند قيام ثورة ال26 من سبتمبر1962م حوالي 300 كيلومتر على مستوى المحافظات الشمالية ، اهمها طريق الحديدة /صنعاء بطول (231) كيلومتراً والذي تم تنفيذه بمساعدة من حكومة الصين الشعبية، وهوالطريق الإسفلتي الوحيد الذي ورثته الثورة. وفي مناطق جنوب البلاد، أنشأ المستعمر ما يقارب (250) كيلومترا من الطرق داخل مستعمرة عدن، لخدمة متطلبات القاعدة العسكرية البريطانية هناك، إضافة إلى طريقين بين عدن ولحج، وبين عدن وزنجبار وجعار في أبين، لأغراض تسهيل انسياب المنتجات الزراعية اللازمة للمصانع الإنجليزية وخاصة القطن. وقد مثل هذا الامرتحدياً كبيراً أمام حكومة الثورة اليمنية، بالنظر إلى الدور الهام لقطاع الطرق كشريان أساس للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المأمولة، وبالتالي تغيير وجه الحياة البشع للإمامة والاستعمار، والانطلاق بشعب اليمن نحو حياة حرة وكريمة. ولتجاوز ذلك الواقع المعيق لعملية التنمية بذلت الجهود للنهوض بهذا القطاع بحيث اصبحت اليمن تمتلك اليوم وفقاً لوزارة الاشغال العامة والطرق شبكة من الطرقات طولها 70 الف كم، منها 12 الف كم طرق اسفلتية حتى نهاية الربع الاول من العام الجاري. وتخطط وزارة الاشغال العامة والطرق الى رفع الطرق المسفلتة في اليمن الى 16 الف كم خلال السنوات القليلة القادمة. كما تستهدف الخطة العشرية لوزارة الاشغال العامة والطرق (2005-2015م)،التوسع في شبكات الطرق الرئيسية والريفية والثانوية المسفلتة لتصل الى 38 الف كيلو متر بتكلفة أولية تقدر في المتوسط بأربعة مليارات و560 مليون دولار، وبمتوسط سنوي 456 مليون دولار.. وقدرت الخطة التي أقرتها الوزارة مطلع ابريل من العام الماضي 2006م، احتياج وزارة الاشغال إلى مبلغ يتراوح بين ( 7 - 8 ) مليارات ريال سنويا لاعادة تأهيل مقاطع كبيرة من شبكة الطرق خلال العشر السنوات القادمة. ولم تقتصر الجهود المبذولة لتطوير قطاع النقل البري فقط على التوسع في انشاء الطرق الداخلية بل امتد الاهتمام الى انشاء شبكة من الطرق التي تربط اليمن بالدول المجاورة. وتضمنت الخطة الخمسية الثانية (2001- 2005) إنشاء شبكة متكاملة من الطرق التي تربط بين المناطق الحدودية بمناطق الإنتاج المختلفة، بهدف ربط اليمن بدول الجوار بشبكة طرق دولية على أحدث المواصفات.. وقسمت هذه الطرق إلى ثلاثة محاور: يتضمن الأول الطرق الاستراتيجية التي تربط أكثر من محافظة من محافظات الجمهورية وطرق ربط دولية مع الطرق الدولية التي تمر باليمن.. ويبلغ أطوال هذه الطرق (4300) كم ، وتشمل الخط الساحلي بطول1783 كم والذي يربط بين السعودية وعُمان، بدءاً من حرض على الحدود السعودية وحتى حوف على الحدود العُمانية ويتضمن المحور الثاني للطرق الاستراتيجية، طريقاً صحراوياً بطول (1402) كم،ويربط اليمن بالدول المجاورة بدءا من منطقة علب بمحافظة صعدة على الحدود السعودية، وانتهاءً بمنطقة شحن بمحافظة المهرة على حدود سلطنة عمان. ويمتد المحور الثالث من الطرق الاستراتيجية، من علب مروراً بصعدة، عمران،صنعاء، تعز، حتى عدن بطول 459 كم خط مزدوج، لمواجهة كثافة المرور، وسينفذ بتمويل مشترك من الصندوق السعودي والحكومة اليمنية، وهو من المشاريع العملاقة والطموحة. ونتيجة للتطور الذي شهده قطاع الطرق والنقل البري فقد ارتفع عدد الركاب الذين تم نقلهم عبر هذه الشبكة من خلال المؤسسة العامة للنقل البري وشركات النقل الخاصة الى قرابة مليونين راكب في عام 2006 مقارنة ب300 الف راكب في العام 1993م. فيما يقدر المسؤولون في وزارة النقل عدد الركاب المنقولين حالياً عبر وسائل النقل الخاصة بمختلف انواعها بنحو 100 مليون راكب خلال العام 2006م ، مقابل 40 مليون راكب في عام 1990م . النقل البحري :- شهد قطاع النقل البحري خلال الاربعة العقود الماضية تطوراً كبيراً ، غير ان هذا القطاع قفز قفزات نوعية من حيث التوسع مع اعلان الجمهورية اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990م شملت عدداً من المجالات حيث شهد ميناء عدن إنشاء عدد من الارصفة بعمق ما بين 16 و17 متراً وطول 700 متر مع عدد من الرافعات الجسرية لمناولة الحاويات بحمولة 50 طناً بتكلفة وصلت الى 200 مليون دولار ، اضافة الى انشائه ميناء الحاويات والذي انفق في انشاءه نحو 36 مليار ريال. في حين تجرى حاليا الاستعدادات لتنفيذ مشروع ميناء سقطرى بتكلفة اجمالية تبلغ سبعة مليارات و289 مليون ريال ، ليضاف الى اللسان البحري الذي تم تنفيذه في الجزيرة العام 1999ويأتي مشروع ميناء الضبة بمحافظة حضرموت ضمن المشاريع التي سيتم تنفيذها العام الجاري 2007م بتكلفة 11 ملياراً و820 مليون ريال . ويضاف الى ذلك ميناء بلحاف بمحافظة شبوة والمزمع تنفيذه بتكلفة ثلاثة مليارات و940 مليون ريال ، وتنفيذ مشاريع ألسنة بحرية في كل من جزيرة ميون وقصيعر ورأس القرن بتكلفة تتجاوز ال 250 مليون ريال.وتأتي هذه المشاريع بعد تنفيذ العديد من المشاريع في قطاع الموانئ ، وبخاصة مشروع ميناء الصليف على شاطئ البحر الأحمر والذي انشئ في مايو العام 1997م بتكلفة مليار و600 مليون ريال وبمكونات شملت رصيفاً بطول350 متراً وعمق 14متراً ماجعله قادراً على استقبال السفن الكبيرة التي تصل حمولتها إلى50 ألف طن . وجاءت ثمرات تلك الجهود بتحقيق نمو كبير في مختلف موانئ الجمهورية ، حيث ارتفع إجمالي حجم البضائع المسجلة في الموانئ إلى 11 مليوناً و544 ألف طن عام 2004م بعد ان كان إجمالي البضائع المتناولة في مختلف الموانئ قرابة اثنين مليون و423 ألف طن عام 1995م ، فيما بلغ عدد شركات القطاع الخاص العاملة في مختلف أنشطة النقل البحري (خمسين) شركة . النقل الجوي :- الى ذلك فقد شهد النقل الجوي تطورات عديدة، وبلغ الانفاق الاستثماري الكبير على تنفيذ العديد من المشاريع في قطاع النقل الجوي ال 50 مليار ريال . اضافة الى البدء في إنشاء مطار دولي جديد في صنعاء بتكلفة تبلغ 500 مليون دولار والذي سيضاهي في مواصفاته المطارات الدولية في مختلف مدن العالم . .وشمل الاهتمام بالمطارات إعادة تأهيل وتوسيع مطار عدن الدولي بتكلفة تجاوزت ال 25 مليون دولار لتمكينه من استيعاب أكثر 5ر1 من مليون مسافر سنوياً . كما حرصت الدولة على انشاء المطارات في العديد من المدن ، شملت مدينة سيئون بمحافظة حضرموت والتي شهدت انشاء مطار بتكلفة اربعة مليارات و400 مليون ريال ، وتنفيذ مشروع صيانة المطار بتكلفة 425 مليون ريال ، ومدينة عتق من خلال إنشاء مبنى للمطار بتكلفة 135 مليون ريال وإعادة سفلتة مطار تعز واجراء التوسعة للمطار بتكلفة 270 مليون ريال، وكذا توسعة مطار الحديدة بتكلفة 145 مليون ريال ومشروع تأهيل مطار الريان بمحافظة حضرموت بتكلفة ثمانية ملايين ريال ، وكذا اعادة تأهيل مطار مدينة الغيظة بمحافظة المهرة بتكلفة 453 مليون ريال ، اضافة الى مطار صعدة بتكلفه مليار و85 مليون ريال .وانشاء مطار دولي حديث في جزيرة سقطرى بتكلفة مليار و890 مليون ريال . وعملت الدولة على تحديث وتطوير الخطوط الجوية اليمنية بإضافة 12 طائرة من طرازات (اير باص 300-310) ، وكذا التعاقد لتزويد “اليمنية” بعشر طائرات من طراز (اير باص 350) بحلول العام 2012م. كما شهدت عمليات التطوير للخطوط الجوية اليمنية ، توسعاً كبيراً في شبكة الرحلات الدولية والداخلية لتصل الى 35 نقطة في قارات آسيا واوروبا وافريقيا ، وتوسع عدد الرحلات الداخلية الى 10 مدن داخلية ، وتجاوزت طاقة الرحلات الدولية للشركة اكثر من مليون راكب العام 2006م بعد ان كانت طاقة النقل 350 ألف راكب في العام 1995م.