الأرصاد يخفض التحذير إلى تنبيه ويتوقع تحسناً طفيفاً وتدريجياً في درجات الحرارة    4 كوارث تنتظر برشلونة    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    الدولار الأمريكي يترنح في أسوأ أداء أسبوعي منذ شهور    قرقاش يدعو إلى تغليب الحوار والحلول المتزنة كأساس للاستقرار الإقليمي    إنجاز 5 آلاف معاملة في أسبوع.. كيف سهلت شرطة المرور إجراءات المواطنين؟    خبير طقس يتوقع ارتفاع الرطوبة ويستبعد حدوث الصقيع    ترميم عدد من الشوارع المحيطة بشركة ( يو)    قمة أفريقية..تونس ضد نيجيريا اليوم    من يحرك أدوات الامارات في حضرموت والفاشر    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الولايات المتحدة تعرب عن قلقها إزاء التطورات في جنوب شرق اليمن دون توجيه أي موقف عدائي للجنوب    ناطق التحالف: سنتعامل مع أي تحركات عسكرية للانتقالي تهدد خفض التصعيد    موقع إيطالي: اندلاع حرب غير مباشرة بين السعودية والإمارات في اليمن    ترامب يلتقي زيلينسكي غدا في فلوريدا    المغرب يتعثر أمام مالي في كأس أمم إفريقيا 2025    موقف صنعاء من تفاقم الصراع في حضرموت    لمن يريد تحرير صنعاء: الجنوب أتخذ قراره ولا تراجع عنه.. فدعوه وشأنه لتضمنوا دعمه    لماذا يفشل خطاب الوصاية أمام التاريخ الجنوبي؟    خطورة التحريض على القوات الأمنية في حضرموت    تجدد المعارك الطاحنة بين ادوات العدوان في حضرموت    الكيان يكشف سر الاعتراف بأرض الصومال    جُمعة رجب.. حين أشرق فجر اليمن الإيماني    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    العليمي يقدّم طلبًا للتحالف بشأن الأوضاع في حضرموت    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    الذهب يقفز لمستوى قياسي جديد    شاهد / حضور كبير لاحياء جمعة رجب في جامع الجند بتعز    السيّد القائد يحذر من تحركات "طاغوت العصر"    الرئيس المشاط يعزي عضو مجلس النواب علي الزنم في وفاة عمه    ريال مدريد يدرس طلب تعويضات ضخمة من برشلونة    ندبة في الهواء    سوريا.. قتلى وجرحى في تفجير داخل مسجد في حمص    خلال يومين.. جمعية الصرافين بصنعاء تعمم بإعادة ووقف التعامل مع ثلاثة كيانات مصرفية    الصحفية والمذيعة الإعلامية القديرة زهور ناصر    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن قبل الثورة.. وضع مزرٍ للخدمات الطبية وحقائق مروعة
نشر في الجمهورية يوم 29 - 09 - 2007

قلة من اليمنيين كتبوا عن الوضع الصحي في اليمن قبل الثورة وخصوصاً في المحافظات الشمالية في ظل عهد الإمامة البائد، وحتى إن وجدت بعض الكتابات فإنها كانت تعبر عن وجهة نظر المريض فقط، نظراً لعدم تواجد ولا حتى طبيب يمني متخصص واحد في تلك الحقبة بل كان جميع الأطباء العاملون في اليمن آنذاك من الأجانب، وبالتالي فقد كانوا هم المصدر الوحيد لعكس النظرة المحايدة لواقع الخدمات الطبية والمرجع الأول والأخير لتقصي الأوبئة الفتاكة والأمراض التي اجتاحت البلاد في تلك الحقبة المظلمة من تاريخ الشعب اليمني.
مستشفى عمران يقدم خدمات طبية متميزة للمواطنين
حقائق كشفها أطباء أجانب:
ورغم شحة المعلومات والمراجع التي حصلنا عليها سنحاول في هذا الرصد عرض وتحليل ومناقشة الوضع المتردي للخدمات الصحية قبل الثورة اليمنية المباركة، وتسليط الضوء على نوعية ومدى انتشار الأوبئة والأمراض التي كانت تفتك بالآلاف من أبناء الشعب، في ظل غياب شبه تام للخدمات الصحية وكذا توضيح اللامبالاة والإهمال اللذين كان النظام الإمامي يتعامل بهما تجاه المشكلة الصحية.
المشاكل الصحية قبل الثورة
الأمراض الشائعة: كانت الأمراض المعدية هي الأكثر شيوعاً بحسب ما تظهره كتابات الأطباء الأجانب الذين عملوا في ذلك العهد، حيث اجتاحت اليمن أوبئة معدية وخطيرة سببت آلاف الوفيات، وفي مقدمتها وباء "التيفوس" و"الحمى الراجعة" التي ظلت منتشرة في العديد من المناطق بمافيها المناطق المحيطة بقصر الإمام , حيث انتشرت في أوساط رهائن الإمام من القبائل والتلاميذ في مدرسة دار الأيتام بصنعاء .
وفي هذا يقول الطبيب البريطاني "بيتراي" الذي عمل في صنعاء خلال عهد الإمام يحيى في الفترة من 1937 -1943: كان المرضى يجمعون في غرفة واحدة !!؟ و يتركون لتدبر أمورهم بأنفسهم وعاجلاً ما يصبحون قذرين وملابسهم غاصة بالهوام والحشرات, ونتيجة لذلك يصابون بالتيفوس والحمى الراجعة"، وفي عام 1943م تفشت حمى "التيفوس" في اليمن ووصلت إلى مستوى وباء وتفاقمت المجاعة الشديدة (...)، ولجأ الآلاف من أبناء تهامة إلى المرتفعات، إضافة إلى ذلك تفشى الإسهال والدوسنتاريا بسبب الاكتظاظ والجوع وانعدام النظافة وارتفع عدد الموتى.
وتصف الطبيبة الفرنسية "كلودي فايان" التي عملت في اليمن في الفترة من 1950- 1951م: نساء وأطفال منتفخة بطونهم وبادية على وجوههم حمى الملاريا عند مرورها بإحدى قرى تهامة، مشيرة إلى أنها خرجت من القرية دون أن تستطيع أن تقدم لهم شيئا بالرغم من أن إمكانية الشفاء عالية، إذا استخدم العلاج المناسب، فلكم أن تحددوا حجم مشكلة العدوى بالملاريا حينها في القرى اليمنية التي ماتزال تظهر بين حين وآخر في بعض المناطق اليمنية حتى الآن بالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها ولاتزال تبذلها الدولة منذ فجر الثورة المباركة لمجابهة الملاريا، من خلال توسيع انتشار الخدمات الطبية في كافة أرجاء البلاد و توفير العلاج المجاني للمصابين بالملاريا، وتنفيذ حملات الترصد الوبائي، وحملات مكافحة لقتل البعوض الناقل، وتوزيع الناموسيات مجاناً وتبني حملات مكثفة للتوعية والتثقيف الصحي لتجنب الإصابة وتفادي انتشار هذا الوباء الفتاك.
كما اجتاحت البلد في ذلك العهد أوبئة تخلصت منها معظم دول العالم، كالجذام وجدري الأبقار ودودة غينيا، بجانب البلهارسيا والتهابات السحايا، التي ذكرها الأطباء الأجانب الزائرون لليمن في تلك الحقبة وكذا أمراض عديدة شائعة،منها التهاب المفاصل الروماتيزمي والفشل القلبي والكبدي والكلوي إضافة إلى مرض التصلب المنتشربكثرة في عدد من المناطق، بحسب وصف الطبيب البريطاني "بيتراي.
وفيات الأطفال
ارتفعت وفيات الأطفال في فترة الإمامة إلى نسب لا يمكن تصورها، حيث كان
يتوفى (40)بالمائة من الأطفال المواليد في السنة الأولى من العمر، وترتفع النسبة إلى 50 بالمائة قبل بلوغهم سن العاشرة، ومن المعروف أن وسائل منع الحمل كانت منعدمة قبل قيام الثورة اليمنية، وكان معدل الولادات للمرأة الواحدة خلال فترة حياتها أكثر من (10) ولادات، وذكرت الطبيبة الفرنسية "كلودي فايان" في كتابها "كنت طبيبة في اليمن" امرأة يمنية كان لها 17 طفلا كلهم ماتوا قبل أن يصلوا سن الخامسة ودون استدعاء طبيب واحد للعناية.
وكانت أسباب وفيات الأطفال بسبب الاسهالات الحادة التي تؤدي إلى الجفاف الحاد والالتهابات التنفسية الحادة، بالإضافة إلى انتشار الأمراض المعدية الستة القاتلة بسبب انعدام التحصين ضدها للأطفال الرضع، وتذكر الطبيبة "كلودي فايان" أنه خلال خدمتها انتشر وباء الدفتيريا "الخناق" وهو أحد الأمراض الستة دون وجود الدواء المناسب الباهظ الثمن، وأنها شاهدت في مستشفى صنعاء خلال اسبوع واحد خمسة أطفال يتوفون أمامها من الذين استطاعوا الوصول إليها.
ثانيا:الإمكانات الطبية قبل الثورة
إن الباحث في الخدمات الصحية التي توفرت في اليمن إبان ذلك العهد يجد أنها كانت ضئيلة ومتردية جدا، وكانت إن وجدت تستهدف شريحة الأسرة المالكة بالدرجة الأولى ثم المقربين منها، ولا علاقة لها بما يتعرض له بقية أبناء الشعب ، وفيما يلي لمحة موجزة عن واقع الخدمات الطبية في ذلك العهد:
المستشفيات:
كان في المحافظات الشمالية الواقعة تحت سيطرة النظام الإمامي حينها ثلاث مستشفيات فقط في صنعاء وتعز والحديدة، فمستشفى صنعاء وهو أفضلها (كان يقع في مكان المستشفى الجمهوري حالياً) ولاتتجاوز سعته 200 سرير ، وبه 15 ممرضاً وخادما، وبالرغم من وصفها لمستشفى صنعاء بالنظيف والمرتب والتغذية الحسنة، أكدت الطبيبة "كلودي فايان" التي عملت فيه، أن الأسِرَّة لم تكن كلها شاغرة وكان الفقر متفشياً لدرجة أن الناس كانوا يدخلون المستشفى ليأكلوا، أما المرضى فلا ينتظرون في المستشفى علاجاً، فالذين بحاجة لإجراء عمليات يجب عليهم أن ينتظروا حتى يأتي جراح ومجيئه مرتبط بحاجة أحد الأمراء لجراح، أما الآخرون فالأدوية لهم نادرة.
أما مستشفى تعز الذي يحتوي على 30 سريراً، فقد وصفت الطبيبة "كلودي فايان" غرف رقود النساء فيه بأنها "زرائب بكل معنى الكلمة" حيث تتمدد فيه النساء الواحدة جوار الأخرى على الأرض القذرة، وشبهت حجرات الرقود فيه بمعسكرات الإبادة والفناء، موضحة أن الطبيب كان يمر بين العشرات من المرضى الذين يفترسهم "التيفوس" وكثير منهم مشرفون على الموت، ولا يوجد لهم في المستشفى الوحيد دواء وهم يستغيثون ويتضرعون بلا جدوى.
وفي روايتها لذلك الوضع المأساوي الذي كانت تعيشه اليمن في ظل عهد الأئمة تكشف الطبيبة الفرنسية أنها مازالت تتذكر بألم وحسرة امرأة يمنية رأتها وهي تحتضر وترقد فوق برازها، وتحمل طفلها في يدها وكانت تتضرع إليها وهي في النزع الأخير وتتوسل لها ولم تتمكن من إنقاذها.
وأما مستشفى الحديدة فكان به طبيب وحيد يسعى بمفرده لعلاج مايستطيع من آلاف المرضى الذين كانوا يتجهون نحو المستشفى، والذي لا يختلف حالاً عن مستشفى تعز بل أسوأ حيث يكاد ينعدم به حتى الدواء.
وبسبب وعورة الطرقات كان من المستحيل الحديث عن إنقاذ أية حالات طارئة من أقرب القرى المجاورة للمدن الثلاث .
الأطباء
كان يعمل في المحافظات الشمالية قبل الثورة 15 طبيباً أجنبيا فقط، أغلبهم من الجنسية الإيطالية، بينما لا يوجد طبيب يمني متخصص واحد، ذلك لأن النظام الإمامي وبدون سبب لم يبتعث يمنياً واحداً لدراسة الطب في الخارج.
وكان الطبيب الأجنبي يعمل في ظروف قاسية في ظل قلة الوسائل المهنية من أدوية ومعدات تشخيص، فليس هناك أثر للراحة، وكان الطبيب يعطى في كل صباح قائمة بأسماء المرضى الذين يجب زيارتهم في المدينة من أمراء وموظفون وغيرهم، وكان الأفضلية والأولوية طبعاً لما كان يعرف حينها بطبقة (الأمراء والأسياد) وبقية أبناء الشعب يعتبرون دون تلك الطبقة ولا يلقون اهتماماً بإنقاذ حياتهم إلا ماندر .
وتذكر الطبيبة "كلودي فايان" في كتابها مقولة لأحد الأمراء تؤكد المفارقة العجيبة بين أبناء الشعب في هذا الأمر، قال فيها "إذا مرض الأمير فعلى المدينة كلها أن تنتظر"، وشبهت تعامل الأسرة المالكة مع الأطباء، كما كان الأوروبيون يتعاملون مع الحلاقين في القرن الخامس عشر، وأن الطبيب كان يعطى 100 جنيه مصري شهرياً وهو مبلغ لا يشجع أي طبيب أجنبي.
وبسبب انتشار الأوبئة، بات الأطباء الأجانب يتعرضون يومياً لخطر الإصابة بالمرض، وبدأ الأطباء الأجانب بالفرار من اليمن وخاصة بعد موت أحد الأطباء ويدعى "ريبوليه" في عام 1951م متأثراً بوباء حمى "التيفوس"، لدرجة أنه لم يتبق عام 1951م سوى خمسة أطباء في اليمن بكاملها (أربعة إيطاليين وفرنسي).
الاستشارات الخارجية والعلاج
تقول الطبيبة "كلودي فايان" لم يكن للاستشارات الخارجية أي أهمية يذكر، إذ أن القليل من أوساط الشعب يقدرون على شراء الدواء، ولكن إذا ظهر المرض فقد حلت الكارثة فالناس فقراء والدواء باهظ الثمن، وصيدلية الحكومة خالية من كل العلاجات، وكل ما يستطيع المرضى عمله هو أن يتنقلوا من أمير إلى أمير يستجدون الصدقة التي يشترون بها العلاج.
مختبر للأمراء فقط
والمختبر الوحيد كان معملاً مهجوراً في المستشفى المقام بصنعاء، و به آلة تقريب مجهري (ميكروسكوب) ومقياس للضوء وفرن للتجفيف والتطهير، ولكنه لا يؤدي وظيفته، وذلك لأن الدخول إليه لا يتم إلا بعد موافقة نائب الإمام !!؟؟.
وتقول الطبيبة "كلودي فايان" عندما احتاجت إحدى مريضاتها لفحص الدم بشكل عاجل "كان نائب الإمام حينها الأمير الحسن مسافراً، ولا يستطيع أحد غيره أن يقرر فتح المختبر، بينما ازدادت حالة المريضة سوءاً، ما اضطرها إلى أن تستغل مرض أحد الأمراء للكذب بأنه يحتاج إلى فحص مخبري، وبالتالي تلاشت كل الحواجز وتم فتح المختبر، وتمكنت تحت رقابة وزير الصحة بنفسه الذي لا يفهم شيئاً عن الطب، أن تجري فحص عينة دم للمريضة، كما اضطرت إلى الإدعاء أن الأمير المريض يحتاج إلى فحص بشكل يومي ليسهل دخولها إلى المختبر لإجراء الفحص".
جهاز لكشف مضغة السواد في القلب!؟
أما جهاز الفحص بالأشعة الوحيد الذي كان موجوداً في المستشفى المقام بصنعاء، فكان يفتح مرة في الأسبوع وبرسوم تتحدى المنافسة (ريال إذا كان الكشف عن الجزء العلوي من الجسم، وريالان إذا صور الجزء السفلي أيضاً)، ومن الغريب أن الإقبال كان عليه كبيراً من أصحاء لم يقرر لهم الأطباء إجراء فحص أشعة ولاتستدعي حالتهم التعرض للأشعة الخطرة، كون التجار والأغنياء نتيجة الجهل كانوا يحبون أن يروا أفراد عائلاتهم في وضع شفاف، والسبب في ذلك لاعتقادهم بأن الجهاز يكشف المضغة السوداء في القلب التي ذكرها نبينا الكريم محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، وفي الحقيقة أنهم يرون الغازات الموجودة في المعدة باللون الأسود في صورة الأشعة السينية، وكان لهذه الشائعة الخاطئة الفضل في إدرار الكثير من الأموال للإمام.
إدارة الشئون الصحية
كان وزير الصحة الأمير القاسم بن يحيى في عهد الإمام يحيى وإسماعيل بن يحيى في عهد الإمام أحمد، ولم يتمتع أي منهما بسلطة فعالة لإدارة الشئون الصحية بل يتدخل شخص الإمام ونوابه في أتفه الأشياء.
فالمختبر وغرفة العمليات والأدوية والأطباء الأجانب وتنقلاتهم، تعتمد على احتياج الأسرة المالكة للعناية الصحية، وبحسب أحد الذين عملوا مع الأئمة في تلك الفترة يقول لطف عبد الله عامل السلك «الأولوية كانت لعلاج الأمراء, وإذا تعرض أحد أفراد الأسرة المالكة للمرض واستدعى إنقاذه الذهاب إلى الخارج أسعف بالطائرات في الجو أو السيارات في البر، أو أحضر أفضل الأطباء له من كل مكان".
ويوضح أن استجلاب الأطباء الأجانب واختيار جنسياتهم كان يعتمد على التجربة الشخصية للإمام أو ما يطلق عليه "الرضا الملكي" ولا يعتمد على الكفاءة أو الدرجة العلمية، كما كان التعاقد مع الطبيب الأجنبي يستغرق عاماً كاملاً بسبب التباطؤ والتواني والروتين بالرغم من الحاجة الملحة، وهذا كان سبباً لنفور الأطباء الأجانب عن العمل في اليمن.
التثقيف الصحي
لم يشعر أجدادنا وجداتنا بحجم المشكلة الصحية في اليمن في ذلك الوقت، لأن كثيرا من المرضى كانوا يتوفون غالباً دون أن يعرف أحد تشخيص مرضهم ويتم تسليم الأمر بعد ذلك لله تعالى، كما كانوا غالباً ما يلجأون إلى الشعوذة، ولا يفكرون للحظة أن هناك قصوراً بسبب ملكية النظام الصحي وانعدام الأدوية والأطباء.
وبسبب الفقر تقول الطبيبة "كلودي فايان" "كانت حياة المريض اليمني في نظر أهله لا تساوي الكثير، ولا يجوز أن تكون سببا للبعثرة والتبذير، ويكتفون بالتسليم بالأمر إلى الله"..وكان التثقيف الصحي منعدماً تماماً تقريباً، والمريض لا يعرف تشخيص مرضه، ولا كيف يتعامل معه وكان الجهل لدى المواطن عاملاً مساعداً لتفشي الأوبئة والأمراض المعدية، بينما كان استمرار الشعب في هذا الجهل سياسة ثابته من الإمام ظناً منه أن ذلك يساعد على الإطالة في بقاء حكمة, بل إن الأمر وصل إلى أن يستغل الإمام بسخرية غياب الوعي الصحي لدى المواطن، ليواجه أمره إلى جميع اليمنيين بالخضاب بالحناء رجالهم ونسائهم، مدعياً أن ذلك وقاية لهم من مرض الحمى الشوكية، في حين أن الحقيقة أنه كان يريد يظهر لنفسه أن الشعب اليمني مازال جاهلاً ويستمع لأوامره.
حقائق مرعبة عن ذلك الوضع الصحي المأساوي الذي كان تعيشه اليمن في ذلك العهد المتخلف, وهو ما يكشف بجلاء دوافع قيام الثورة السبتمبرية الأم لانتشال هذا الشعب من براثين الفقر والتخلف والمرض إلى رحاب فجر جديد من التطور والنماء, ولذلك ندرك مغزى ما ذهب إليه المناضل الكبير الوالد عبدالسلام صبرة في وصفه للثورة اليمنية بأنها من أعظم الثورات الإنسانية في العالم كونها جاءت لتنقذ شعباً كان مهدداً بأكمله بالفناء والإنقراض إذا ما ظل يرزح تحت براثين الإمامة الكهنوتية.
لا مقارنة بين الأمس و اليوم
ولا شك أن الدولة واجهت تركة كبيرة منذ فجر الثورة نظراً لميلادها في بلد ينعدم فيه أي أثر للتنمية ولا موارد لتلبية الاحتياج الماس والملح للمواطنين من كل مشاريع التنمية، إلا أن الجهود التي بذلت خلال الخمسة والأربعين عاماً الماضية، لتحقيق أهداف الثورة وترجمة أهدافها الإنسانية والتنموية، أثمر في أن تتحقق إنجازات رائدة للقطاع الصحي حتى باتت اليمن تفتخر بما أنجزته من مرافق صحية تضاهي في تخصصاتها وتجهيزاتها أرقى المستشفيات العالمية وتجرى فيها العمليات الكبرى والمعقدة بكوادر يمنية مائة في المائة.
وبحسب الإحصائيات الصادرة عن وزارة الصحة فقد ارتفع عدد المستشفيات في عهد الثورة المبارك ليصل بنهاية 2006 إلى أكثر من 282 مستشفى منها 30بالمائة تتبع القطاع الخاص وزاد عدد المراكز الصحية في عموم محافظات الجمهورية إلى (261) مرفقاً صحياً فيما تضاعفت عدد الوحدات الصحية ومراكز الرعاية الأولية إلى ثلاثة آلاف و (309) وحدات تتسع لأكثر من 12 ألفاً و(500) سرير . كما ارتفع عدد الأطباء إلى أكثر من ثلاثة آلاف و(198) طبيباً عاماً بينهم الف طبيب أخصائي في مختلف التخصصات الطبية فيما تجاوز عدد الأطباء المساعدين خمسة آلاف و(776) طبيباً مساعداً وارتفع عدد الصيادلة إلى أكثر من 11000 صيدلي وتجاوز عدد الممرضين أكثر من 9200 ممرض وممرضة وارتفع عدد القابلات إلى أكثر من 2500 قابلة.
وتوضح الإحصائيات أن وزارة الصحة مستمرة في تأهيل الكوادر الصحية في مختلف التخصصات عن طريق كليات الطب والمعاهد الصحية والمجلس اليمني للاختصاصات الطبية بالإضافة إلى الابتعاث إلى الخارج.. مشيرة إلى أن هناك عدداً من الطلاب في الخارج يدرسون في أكثر من 72 تخصصاً طبياً نادراً يصل عددهم إلى 335 دارساً.. بالإضافة إلى أن هناك أكثر من 1100 طبيب وأخصائي في 15 تخصصاً دراسياً عالياً يدرسون في مختلف الكليات والمعاهد التعليمية الطبية بمحافظات الجمهورية .. منوهة إلى أن كليات الطب والمراكز الصحية ومدارس التمريض تستوعب حالياً أكثر من 4 آلاف طالب وطالبة يتلقون مختلف العلوم الطبية في 15 مساقاً تخصصياً متنوعاً من التمريض والقبالة وفني التخدير والأشعة وغيرها من المهن الطبية المساعدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.