«العمل عبادة» ليس المقصود بالعمل في هذه المقولة الحديث عن الطاعات والقربات المشروعة في رمضان - كما يتبادر إلى الذهن لأول وهلة - وإنما نرمي منه الحديث عن العمل اليومي - المهني - خلال شهر رمضان،فقد أثبتت المعطيات الواقعية أن هذه المقولة لا تطبق في شهر رمضان عند شريحة كبيرة من الناس في اليمن بل وفي عدد من الدول العربية والإسلامية. ومع أنه لا يمكننا تعميم ظاهرة التكاسل أو بالأحرى الصيام عن العمل ، واتهام جميع الموظفين بالإهمال وتعطيل الأعمال والمصالح الدنيوية العامة ، غير ان من يزر المؤسسات الحكومية في اليمن هذا الشهر الكريم فسيجد أن الصورة التي تطغى عليها هي الصورة السلبية ،صورة الموظف النائم خلف مكتبه بانتظار انتهاء الدوام، أو صورة المكتب الفارغ لأن الموظف قرر أخذ إجازة خلال شهر رمضان لأن العمل فيه مشقة عليه، مما حدا ببعض الناس القول بأن صيام رمضان يسبب تعطيل المصالح الدنيوية العامة، وأنه يخفض نسبة الإنتاج. والسؤال الذي يطرح نفسه هل الصيام حقاً يتعارض مع مصلحة الإنتاج؟ أو أن الأمر غير ذلك. مراد القطني - موظف - سارع إلى القول: إن كان هناك ضعف في مستوى الإنتاج - حقيقة - خلال شهر رمضان، فليس مرد ذلك إلى الصيام، بل إن مرد ذلك - في واقع الأمر - يعود إلى العادات والممارسات الخاطئة التي يمارسها كثير من الناس خلال هذا الشهر الكريم - وبحسب رأي القطني - فليست المشكلة في الصيام، وإنما في سلوك بعض الصائمين، هذا أولاً ثم من ناحية أخرى ففي الصوم فائدة في تنمية ورفع مستوى الإنتاج، دليلنا على هذا، أن الصوم مثلاً يلغي وجبة غذائية - على الأقل - تقع في وقت العمل، وهذا يوفر وقتاً يمكن الإفادة منه لصالح الإنتاج، فضلاً عما يوفره من حجم الاستهلاك. ويضيف : مما يؤسف له أننا نرى كثيراً من العمال - في غير رمضان - يضيعون من الأوقات في تناول طعامهم وشرابهم ما لا يخفى على أحد، فكيف يمكن القول - حينئذ - إن الصوم يخفض نسبة الإنتاج. ويؤكد محمد الدحان - موظف - ما ذهب إليه القطني مضيفاً: إن من فوائد الصوم الاقتصادية أنه يمنع المدخنين من التدخين، ومعلوم لكل منصف أن ممارسة التدخين أثناء العمل وفي غيره، فيه من ضياع الوقت ما فيه، فضلاً عما يسببه من ضعف جسدي ونفسي للمدخنين، أو ما يسببه من إتلاف صحي واقتصادي وبيئي، فالصوم في الواقع يجنبنا كل هذه الأمور التي تعود بالنتائج السلبية على الفرد والمجتمع في آنٍ معاً. وقال: علينا أن ننظر إلى هذه المسألة من منظار المصالح والمفاسد والموازنة بينها، وانطلاقاً من هذا إذا كان الصوم في رمضان يسبب - جدلاً - انخفاضاً في مستوى الإنتاج، فإننا - بالمقابل - يجب علينا أن ننظر إلى الآثار الإيجابية التي يحققها الصوم على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وعند النظر الفاحص والموازنة العادلة في هذه المسألة نرى أن نتائج الصوم الإيجابية أكبر وأعظم من نتائجه السلبية - هذا على فرض أن يكون للصوم نتائج سلبية - وسواء في ذلك النتائج المادية المعنوية أم النتائج العاجلة أو الآجلة. عارف محمد مدير إدارة يعمل في هيئة رقابية ومع بدء شهر رمضان المبارك توهن همته عن إنجاز عمله، اذ يقول: يصبح العمل عبئاً عليّ، كما يتغيب معظم زملائي عن المكتب ومن حضر منهم تظهر على محياهم علامات الإنهاك والتكاسل الأمر الذي يدفع بي إلى الانسياق في دوامة الإهمال. مما يترتب عليه تأخير أعمال كثيرة ذات علاقة ،ولهذا - من وجهة نظرعارف - فإن رمضان يجب أن يكون شهر إجازة لا عمل. ويدلل على رأيه بأن الكثير من الموظفين يجمعون رصيد إجازاتهم السنوية ويدخرونها للاستفادة منها خلال شهر رمضان كونهم لا يستطيعون الجمع بين الصوم والعمل معاً. محمد قائد - مراجع - يقول: من خلال ترددي على بعض المؤسسات الحكومية لإنجاز معاملتي أيقنت أن مؤشر الإنتاجية ينخفض كثيراً في هذا الشهر، حتى أنه قد يصل إلى ما دون الصفر في بعض الأوقات، ويدفع المواطن ثمن هذا التأخير من وقته وماله وأعصابه. فعلى الرغم من أن ساعات العمل في شهر رمضان تكون أقل من معدلها الطبيعي في باقي أيام السنة، الا ان همم الموظفين تتثاقل عن أداء واجباتهم وتكون حجتهم على الدوام هي أنهم صائمون. حتى إن بعضهم يعتبر العمل محطة يومية لتمضية الوقت بانتظار موعد الإفطار، أو استراحة للنوم والتكاسل. ويصاب المراجعون بالملل نتيجة المماطلة التي يصادفونها ونتيجة الإهمال الذي يجدونه لمعاملاتهم. كما يشكو البعض من العصبية التي يتعاطى بها بعض الموظفين. ويحتج البعض بالصيام والتعب الذي يسببه لهم، ويتعلل آخرون بالمرض ومثلهم من يحتج بأنه اضطر لترك التدخين وهذا ما يجعله عصبياً خلال يوم الصيام. وأضاف :هناك الكثير من الموظفين الذين يتعاملون بسلبية مع المراجعين ولا يستجيبون لطلباتهم حتى إن البعض قد يطلب ممن أتى لقضاء مصلحة ما أن يأتي في يوم آخر وربما بعد عيد الفطر. ويعتبر قائد أن من يتقاعسون عن القيام بواجباتهم يتجاهلون أن شهر رمضان كغيره من الأشهر وفيه تمت أعظم الغزوات والفتوحات الإسلامية ولم يكن شهر عطلة كما يفعلون الآن. المراجع يدفع ثمن الإهمال مادياً من خلال الزيارات المتكررة للمؤسسة من دون انهاء معاملته ما يترتب عليه خسائر معنوية حيث أنه هو أيضاً صائم وترهق أعصابه بالتأخير، وهذا ما يؤكده مراجع آخر في إحدى مكاتب وزارة الأشغال العامة والطرقات قائلا: كادت معاملتي تنجز في آخر شهر شعبان إلا أنها بقدرة قادر تأجلت إلى رمضان مما اضطرني إلى تجهيز الأوراق كافة لزيارة المكتب المعني خلال رمضان ، وها هو نصف رمضان مضى و النتيجة أن الموظف المختص يؤجل إنجاز المعاملة بحجج مختلفة، فكلما سألته سؤالاً يقول لي إنه متعب ولا يستطيع الكلام، وفي كل مرة أجيئه أجده إما مقطب الحاجبين ليس به طاقة للكلام أو غافياً على مكتبه، من دون حسيب أو رقيب، وإذا ما ألححت عليه يطلب مني العودة إليه لاحقاً ، مما يشعرني أني تعديت على وقت قيلولته أو أقلقت راحته وأزعجته لأنه صائم. وأضاف :الأمر يتعلق بالضمير المهني، فبعض الموظفين ينام ضميرهم خلال شهر رمضان .. مشدداً على ضرورة قيام المعنيين بجولات تفتيشية ومراقبة سلوك الموظفين للحفاظ على حقوق المراجعين